في لبنان، خرجت إلى الضوء نقابة جديدة للمرة الأولى في العالم العربي، هي "نقابة العاملات والعمال في الخدمة المنزلية"، وهي الفئة التي همشتها قوانين العمل في الدول العربية، فبقي ملايين العاملين في هذا المجال من دون حقوق اجتماعية وقانونية وإنسانية تُذكر، منذ سنوات وربما عقود، في ظل نظام "الكفالة".
وأهمّ ما في الأمر، أنّ المعنيين بهذه النقابة يصل إلى 200 ألف عامل أجنبي، من بلاد آسيوية
وأفريقية، الأمر الذي حرّك أجهزة الدولة لمنع الترخيص لها. وتسجل تحويلات العمال الأجانب في لبنان 5 مليارات دولار سنويّاً، في المقابل تقترب تحويلات المغتربين اللبنانيين من 8 مليارات دولار.
رفض حكومي
سعت السلطة اللبنانية، كأي سلطة مفترضة، إلى عرقلة الفكرة، حيث وقف وزير العمل اللبناني، سجعان قزي، في وجه مشروع النقابة بذرائع مختلفة وبأساليب متنوّعة منها التلويح باستخدام عنف قوى الأمن.
وإذا كان لبنان يشهد كل أسبوع انتحار عاملة منزلية نتيجة سوء المعاملة، وفق تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش"، فإنّ دراسة صادرة عن مركز دراسات المهاجرين في الجامعة الأميركية في القاهرة، تشير إلى أنّ 65% من الخادمات في لبنان يعملنّ 15 ساعة في اليوم، و42% يعملنّ 18 ساعة في اليوم، و34% لا يأخذنّ إجازات محددة، وأظهرت الدراسة أن 30% من عينة البحث في لبنان تم التحرش بهنّ.
كل هذه الجرائم يحميها نظام الكفالة اللبناني، ويسمح باستمرارها غياب قانون يحمي العاملات المنزليات ونقابة تطالب بحقوقهن.
وقال قزي لـ "العربي الجديد": إنّ "مشروع النقابة مجرد تمثيلية باعتباره يعني العمال الأجانب الذي يمنعهم قانون العمل اللبناني من تأسيس النقابات أو التصويت فيها".
وبشيء من السخرية، أعرب قزي عن استعداده "منح الجنسية اللبنانية لـ 420 ألف آسيوي وأفريقي، ليصبح لبنان متعدّد الألوان بدلاً من متعدّد الطوائف"!، مطالباً بوقف جلد الذات اللبنانية "للتكفير عن بعض العائلات التي تسيء معاملة الخدامين".
قانون إقطاعي
ويتسلّح وزير العمل بنص قانون العمل الذي استثنى فئة "عمال المنازل"، منذ صدوره عام 1941، بما يعني أن الدولة اللبنانية لا تعترف بهم كعمال، وثانيّاً: فإنّ القانون لا يشملهم، الأمر الذي يُسقط منعهم من تأسيس النقابات.
في هذا الإطار، يُعيد وزير العمل اللبناني السابق، شربل نحاس، استثناء عمال المنازل من قانون العمل وحرية تأسيس النقابات إلى زمن الإقطاع، مشيراً إلى أنّ "الاستثناءات شملت، أيضاً، المزارعين والمؤسسات العائلية".
ويقول نحاس لـ"العربي الجديد": إنّ "المزارعين كانوا إما يبقون في عملهم في الأرض، أو
يجدون عملاً لهم في منازل العائلات الإقطاعية"، وبالتالي أتى القانون على قياس أصحاب الأراضي والأموال وبقيت سلطتهم مطلقة على الأرياف وأبنائها.
ويضيف نحاس، أنّ عدم منح وزير العمل الحالي ترخيص النقابة يتعارض مع "شرعية الحقوق المدنية والاقتصادية" التي انضم لبنان إليها عام 1971، والتي تنص على "حرية تأسيس الجمعيات والنقابات، وعدم خضوعها لأي نظام سوى النظام الداخلي الخاص بالجمعيات"، مؤكدا، أنّ قرار وزارة العمل خرق للدستور اللبناني وللقوانين الدولية.
دعم دولي
المعنيون المباشرون بتأسيس "نقابة العاملات والعمال في الخدمة المنزلية"، لم يتجاوزوا، أصلاً، قانون العمل اللبناني، إذ عملوا في الأصل على إطلاقها من خلال هيئة تأسيسية جميعها من اللبنانيين العاملين في المنازل.
أي أنهم استبقوا الحجج القانونية وبدّدوها، بحسب ما يقول رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين (الإطار النقابي الوحيد الذي لا تسيطر عليه السلطة اللبنانية بمختلف أحزابها وطوائفها)، كاسترو عبدالله.
وأضاف كاسترو، لـ"العربي الجديد"، أن عمل الاتحاد على مشروع النقابة منذ سنوات جاء بدعم من منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة ومن الاتحاد العالمي للعمال، فكانت النتيجة أنّ تمكنوا من جمع 325 منتسباً بينهم 30 لبنانيّاً شكلوا الهيئة التأسيسية، وهو ما يتوافق مع المادة 92 من قانون العمل اللبناني الذي يقرّ بـ "حق العمال الأجانب الانتساب إلى النقابات".
ولم يتبلّغ المعنيون في النقابة بأي رد رسمي من وزارة العمل، باستثناء تصريحات وزير العمل، الإعلامية. في حين يؤكد عدد من النقابيين "اتصال الوزير بقيادات نقابة هددها باستخدام القوة لفرط تجمّع العمال أو حتى التنكيل بقضاياهم في وزارة العمل".
وبحسب ما يضيف أحدهم، "تم لاحقاً صرف النظر عن استخدام القوة، نتيجة وجود منظمات دولية راعية للنقابة ومجتمع دولي معني بها، وبات يحاسب على أي خلل يصيب حقوق الناس والعمال".
وأفضت مباحثات غير رسمية مع قزي، إلى دعوة الأخير النقابيين إلى انتظار إصدار قانون خاص بـ"عمال المنازل"، أي مصادرة حقوق هذه الفئة لسبعين سنة أخرى، باعتبار أنّ القانون المعمول به لم يشملهم منذ أربعينيات القرن الماضي.
في محصلة ملف نقابة عمال المنازل، يمكن في لبنان تأسيس حزب من دون ترخيص رسمي،
لكن لا يمكن تجميع فئات عمالية بلا إذن من الدولة وترخيص منها.
فهؤلاء، بحسب التقارير الرسمية الدولية، محرومون من "حقوقهم بالراحة، وحرية التنقل، والأجر اللائق، ولشروط عمل قسري يقرب من العبودية، بفعل غياب الضمانات القانونية".
وتؤكد الدراسات الرسمية والخاصة معاناة العاملات في المنازل في مجمل الدول العربية من حقوقهم على المستويات كافة، خصوصاً مع تزايد ظاهرة استقدام العاملات الأجنبيات.
وتشير الدراسات إلى وجود أكثر من مليون عاملة منزلية في السعودية، و300 ألف عاملة في كل من الأردن والإمارات، و200 ألف عاملة في لبنان، و50 ألف عاملة في قطر معظمهن يأتين من بلاد آسيوية، أي من إندونيسيا وسريلانكا والفلبين، تتراوح رواتب إحداهن بين 70 و400 دولار أميركي شهريّاً.