نعم.. انتصرت حلب

17 ديسمبر 2016
+ الخط -
أيّ انحطاط أكثر من أن يبارك إنسان قتل إنسان آخر؟ أيّ "قيامة" أكثر من أن يشرب إنسانٌ دم إنسان آخر، وهو يرقص على عويل النساء وبكاء الأطفال؟ أيّ لعنةٍ أكثر من أن تصير الكلمة التي يفترض بها أن تكون شجرة طيبة رصاصة تقتل الأبرياء ولا أحد غير الأبرياء؟
خمس سنوات تمرّ على أولى شرارات "الأمل"، كانَ "فيسبوك" الوسيلة الأسرع والأكثر تفاعلاً بين الناشطين ومحبّي الثورة هنا وهناك، ولنكن أكثر مصداقيةً، ونقر بأنَّ هذا الاختراع (فيسبوك) بشكل أو بآخر ساعد على تسريع ووصول الخبر الذي اعتادت السلطة على منعه، ووفّر مجالاً لتعدّد الصور، غير أنّه حمل أسوأ وأبشع ما قد تُلامس الحقيقة يوماً، وهي الانحطاط الأخلاقي الثقافي.
منذ خمس سنوات، وأنا أقرأ أغلب ما يكتب حول "حفلة الدم" التي أقامها النظام السوري بطول البلاد وعرضها، ليكون وفياً لذاته ولا شيء غير ذاته، والحقيقة أنّ ما كتب عن حلب لم يزد الصورة إلا دماًاً، ولم يزدني إلا قناعة أنّنا نخسر أمامنا وليس أمام الأنظمة التي تصرّ أن تحكمنا بالرصاص.
كتب المتثقافون التونسيون، كتبوا بدم الأطفال وهم يقهقهون لعويل النساء وبكاء الرجال، شاركوا حفل الدم، عرّوا أراحهم القبيحة، وثقافاتهم اللقيطة، مجّدوا عبوديتهم، لا أكثر ولا أقل.
هل نحن مصدومون تجاه كل تلك الكراهية والدم العالق بين الكلمات؟ الحقيقة لا، أغلب المتثقافين التونسيين الذين يقدّمون أنفسهم اليوم أعلى الهرم الثقافي، والذين يجاهدون، أقصى ما استطاعوا، في سبيل زرع الهزيمة والخضوع فينا كانوا قبل خمس سنوات فقط ماسحي أحذية ومناشدي عبودية، سمحت لهم سلالم القهر التي تسلّقها الشعب وحيداً وذواتهم المتعفنة أن يصبحوا فجأة مراجع ونافذة للثرثرة، ولا شيء غير الثرثرة.
الحقيقة أنّ ما مارسه هؤلاء ما هو إلا تكملة لحلقات سابقة، كانت بدايتها إنكارهم ومحاولة التعتيم والمراوغة حول ما يعرف بتنظيم داعش ومشاركة شباب تونسي داخل التنظيم في سورية.
هل سبق لهؤلاء أن أعلنوا مسؤوليتهم الأخلاقية والثقافية، وحاولوا أن يكونوا صادقين تجاه ذواتهم ومشروعهم الثقافي، الإجابة ينطقون بها وهم يلقون بالتهم كلّما حاصرتهم حقيقتهم.
ثمّة حقيقة تتجلّى يوماً بعد يوم، هي أنّ الاستبداد السياسي أضعف ممّا نتخيّل. في المقابل، ثمّة حقيقة أكبر، وهي أنّنا نحتاج إنتاج ثقافة متوازنة، وحرق ما كان مغذّياً للتعصّب والحقد، نحتاج أن نغسل عقولنا وقلوبنا من أحقادٍ عالقة هنا وهناك، تتغذّى منّا لتكبر وتصبح نحن.
نعم، انتصرت حلب، انتصرت وهي تعرّي كلّ الوحوش الذين لبسوا ثوب إنسان بريء منهم. انتصرت، لأنّها منحت الإنسانية وجهها الحقيقي، منحتها القدرة على سحق كل الذين يركبونها من دون وجه حق.
avata
avata
مبروكة علي (تونس)
مبروكة علي (تونس)