نظرة في تاريخ مصر
أحياناً، يقف الواحد منا حائراً وهو يفكر في المنحنيات الكبرى لتاريخنا العربي، لاسيما الحديث منه، ويصل جراء ذلك إلى نتائج مرعبة، نأمل أن تكون خاطئة، خصوصاً أن التاريخ، كما هو معروف، يكتبه المنتصرون، حيث صبغ تاريخنا بنكهة صناعة وهم، فلو كانت نخبة حكمنا تنتصر دوماً لإرادتنا كشعب، ما صار حالنا هكذا.
لذلك، من حقنا أن نسأل، هل لتطبيقات النموذج الثالث من نماذج مكيافيللي في الاستعمار شأن في ما حدث، خصوصاً حينما نصح مكيافيللي أميره، بأنه لو أراد غزو بلد ما وضمان دوام السيطرة عليه، فيجب، بعد احتلاله، تنصيب حكام يوالونه، بشرط أن يكونوا من أهل هذا البلد، يختارهم من دون إرادة الأغلبية، من أقليتهم، بل من أحقر الناس فيهم، ثم يرحل، حيث سيظل هؤلاء الحكام الجدد يحتمون به من شعبهم، ويسلبونه ليعطوه.
في مصر، ماذا كان المانع من أن يقوم الجيش البريطاني الذي يستولى على كل مقدرات البلاد، وكان يتحكم في القرار السياسي للملك، من اعتقال أو قتل كل "الضباط الأحرار"، البالغ عددهم قرابة المئة آنذاك، وهو يدرك جيداً أن تسليحهم يكاد يكون بدائياً بالنسبة للسلاح الذي يمتلكه، وكانت كتيبة من كتائبه تكفي لإنجاز الأمر، أم أنه كانت لدى الانجليز رغبة في التخلص من الملك، الذي كان يتوق إلى انتصار الألمان في الحرب العالمية الثانية، إلى درجة أنهم حاصروا قصره بالدبابات في نوفمبر/تشرين الثاني 1942، من أجل تمكين حزب الوفد الخاسر في الانتخابات، والموالي لبريطانيا من تشكيل الحكومة والبرلمان بالقوة، ومن أجل تأمين ظهرهم في مواجهة قوات القائد الألماني رومل في ليبيا.
أم أن أمر تشكيل تنظيم "الضباط الأحرار" جاء في إطار التجهيز لنظام جديد كانت تعتزم أميركا، وريث الاستعمار الجديد، إنشاءه في مصر، بعد جلاء الإنجليز عنها، من دون طلقة نار واحدة! وما يعد قرينة تدعم هذا الزعم، أن مصر بعد 23 يوليو/ تموز 1952، كانت تتجه سياسياً نحو أميركا، وظل الأمر كذلك حتى مطلع الستينيات، حيث توجه جمال عبد الناصر بمصر شرقاً نحو الاتحاد السوفييتي، بعد "أزمة تمويل السد العالي"، في ما قد يفسر بـأنه انقلاب حميد، قاده عبد الناصر ضد الراعي الأميركي ودفع حياته ثمناً له بعد ذلك.
ومن القرائن أيضاً، أنه في إطار وصم أنور السادات بالتاريخ النضالي المشرف، ليكون حاكماً لمصر، كان قد تم توجيهه لقتل الورقة البريطانية المحروقة، أمين عثمان، ولم يلق القبض عليه حتى قيام الثورة المزعومة، لا من الانجليز ولا الشرطة المصرية الموالية لهم، وظل يتنقل، هنا وهناك، من دون خوف أو وجل.
ثم حينما ينقلب عبد الناصر على الإرادة الأميركية، يجري تصعيد السادات بشكل متسارع من بين رفقائه من الضباط الأحرار، حتى يصبح نائباً له، وحين يتوفى عبد الناصر، يتولى السادات حكم مصر، وبدلاً من أن تتحرر سيناء بعد حرب 6 أكتوبر، نجده يوقع اتفاقية كامب ديفيد.