03 مايو 2019
نظرة الأحزاب الإسرائيلية إلى القضية الفلسطينية (2-2)
عبد الحميد صبرة وحمزة أبو شنب
أسفرت مواجهات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة مع الاحتلال الإسرائيلي، جماهيرياً عبر مسيرات العودة، وعسكرياً عبر غرفة العمليات المشتركة، عبر جولات التصعيد المتعدّدة، وخصوصاً منها جولة حد السيف في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018،عن زعزعة الاستقرار الائتلافي في الحكومة الإسرائيلية، إذ انسحب أحد مكوناتها ("إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان) عقب هذه الجولة مباشرة، وكادت أن تودي بالحكومة، حين حاول حزب البيت اليهودي رهن بقاء الحكومة بإعطائه حقيبة الجيش، ثم حلت الحكومة نفسها بعد شهر تقريباً، إذ لم تتمكن من حشد الأصوات اللازمة لقانون التجنيد، بعد أن أصبحت أغلبيتها على الحافة (61 مقعداً)، تحتاج فيها دعم بعض مكونات المعارضة في قضايا لا يتفق عليها الائتلاف بالإجماع.
تالياً، مواقف الأحزاب الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، مع التركيز على معرفة موقف الحزب الاستراتيجي من القطاع، وشكل السياسات الواجب اتباعها إزاءه عسكرياً وسياسياً.
تالياً، مواقف الأحزاب الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، مع التركيز على معرفة موقف الحزب الاستراتيجي من القطاع، وشكل السياسات الواجب اتباعها إزاءه عسكرياً وسياسياً.
الليكود وأزرق أبيض
كان حزب الليكود على الضد من انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، ورفض بشدة توجهات رئيسه أرييل شارون، وهو ما اضطر الأخير لتشكيل حزب جديد يلائم توجهاته الانسحابية، وقد ترك الحزب أشبه بالحطام، إذ تراجع حضور الليكود من 40 مقعداً عام 2003م، إلى 13 مقعداً في 2006، ويتقدمه مجموعة المتمردين الذين يشكلون المجموعة الحاكمة اليوم في الحزب.
وعلى الرغم من اعتراضه على الانسحاب، تعايش "الليكود" مع ما حدث، ولا تكاد توجد
كان موقف نتنياهو خلال العام الماضي (2018) قريباً من تحرّكات الجيش، وتبنى، في الغالب، مواقف الأجهزة المهنية بضرورة تجنب الحرب مع غزة، باعتبارها غير ضرورية، وأنه يمكن نزع فتيل الحرب من خلال تخفيف الحصار، وقد عبر نتنياهو عن ذلك أخيراً خلال الحملة الانتخابية، حين أكد أن في وسع كل أب وأم في إسرائيل إدراك أنه لن يرسل أبناءهم إلى الحرب إلا مضطراً، وخياراً أخيراً، وأنه لن يخوض بهم حرباً غير ضرورية، لأن "ثمن الحرب ثقيل وفظيع"، كما قال في مقابلة خلال العام الماضي. ولا يبتعد معظم قادة "الليكود" عن توجهات نتنياهو، ولكن بعضهم يطلق، بين الفينة والأخرى، تهديدات بالقضاء على المقاومة في القطاع، إلا أنها تطرح عادة خيارا أخيرا، ويأتي الجزء الأساس منها في إطار المزايدات الداخلية.
أما حزب أزرق أبيض فيتشكل، كما هو معروف، من ثلاثة تكتلات، ولكنها متقاربة في تصورها إزاء القطاع، فجميعها لا ترى مصلحةً في العودة إليه، وجميعهم، باستثناء يعلون، يتوقعون أنهم أخذوا موقفاً إيجابياً إزاء فكرة الانسحاب منه. وقد لعب الجنرالات الثلاثة دوراً مركزياً في صياغة التصور العسكري الاستراتيجي إزاء قطاع غزة، فلقد كان كل واحد منهم على الأقل على رأس هذه السياسة منذ عام 2002، فيعلون كان رئيساً للأركان في فترة الانتفاضة الثانية (2002 - 2005)، كما كان وزيراً للجيش في الفترة التي تضمنت حرب غزة الثالثة عام 2014 (2013 - 2016)، أما أشكنازي فقد كان رئيساً للأركان من
التفحص في قرارات كل من الجنرالات الثلاثة خلال الحروب التي خاضوها سيكشف عن شكل الاستراتيجية الممكن اتباعها إزاء القطاع. لم يقبل أيٌّ من الجنرالات الدخول العميق للغاية في قطاع غزة، ورأوا فيه فخاً يتوجب البعد عنه، كونه يتضمن أثماناً عسكرية واستراتيجية، ليس في وسع الجيش والمجتمع الإسرائيلي تحملها؛ فأشكنازي الذي خاض حرباً كانت أسوأ الحروب على المقاومة، لم يقبل أن يستمر في الدخول في عمق القطاع، معتبراً أن المطلوب تعظيم الردع فقط، وليس الدخول في حرب شوارع مع المقاومة في كل شارع وزقاق ومخيم، كما أن كلاً من غانتس ويعلون عملا على تجنب الدخول في حرب عام 2014 بناء على أن المقاومة غير معنية بالحرب، وأن الأفضل وقف إطلاق النار في أقرب فرصةٍ ممكنة، ولم يقبلا الدخول البري المحدود إلا بعد خروج مجموعات عسكرية للمقاومة من فوهة نفق، بهدف تنفيذ استطلاع بالقوة.
وصل الجيش الإسرائيلي، بعد مجمل التطورات العسكرية الآنف ذكرها، وكان في مقدمتها هؤلاء الجنرالات، إلى أن الحل العسكري مع غزة غير مجدٍ، وأن الأوْلى هو التعايش مع هذه المقاومة المسلحة في الجنوب، مع العمل على ردعها، كي لا تقوم بتفعيل القوة، ومنحها ما يجعل تفعيلها للقوة أصعب (أي تخفيف الحصار جوهريا)، والعمل، في الوقت نفسه، على منع تعاظمها، من خلال السيطرة على طرق الإمداد، وإبطاء التصنيع المحلي، وغير ذلك من الاستراتيجيات التي تجعل تعاظم المقاومة بوتيرة أخف.
خلال هذه الحملة الانتخابية، اعترف أشكنازي بأن الردع مع غزة قد انهار، وأنه يتوجب إعادته، ولو بعملية عسكرية واسعة، تستهدف توجيه ضربةٍ قوية، لا الاجتياح الشامل للقطاع،
لا يبتعد حزب يش عتيد عن الصورة العامة لما يتبنّاه الجنرالات، بيد أن منظِّره الاستراتيجي، عوفر شيلح، يرى ضرورة تبنّي صيغة هجومية في العلاقة العسكرية مع القطاع، تجعل المقاومة في القطاع أقل أريحية في تعاظم قوتها، ولكنه يرفض أيضاً فكرة المواجهة الشاملة، كونها مكلفة للغاية.
الهجوم سياسة
دعم حزبا اليسار (ميرتس والعمل) الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وهما لا يختلفان عن توجهات الجيش في طريقة التعاطي العسكري مع غزة، لكنهما يركزان على أهمية السلطة الفلسطينية عنواناً في القطاع، بحيث تكون جهود تخفيف الحصار جزءاً من مهمة أوسع تسمح بدفع حل الدولتين قدماً.
وثمّة حزبان آخران يتبنيان سياسة هجومية، كانا قد عارضا أيضاً الانسحاب من القطاع عام 2005، تولى أحدهما وزارة الدفاع، وكبحه الجيش، وهو حزب يسرائيل بيتنا، بزعامة أفيغدور ليبرمان، ويسعى الآخر إلى تولي وزارة الدفاع، وهو حزب اليمين الجديد، برئاسة نفتالي بينيت، والذي كان في الكنيست العشرين رئيساً لحزب البيت اليهودي.
تبنّى ليبرمان سياسة وقائية منذ فترة طويلة، ودعا إلى حرب وقائية مع غزة منذ عام 2013، وخصوصا مع تشديد الخناق على قطاع غزة عقب انقلاب 3 يوليو في مصر، وقد دخل وزارة الجيش (مايو/ أيار 2016 – نوفمبر/ تشرين الثاني 2018)، وطالب، منذ اللحظة الأولى، بضرورة وجود خطة درج لإسقاط حركة حماس، وقد استقال من منصبه عقب جولة حد السيف في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بسبب ما اعتبره خضوع إسرائيل أمام حركة حماس وقوى المقاومة في قطاع غزة.
لا يمكن الحسم بجدية موقف ليبرمان في فكرة احتلال القطاع، والتي طرحها مراراً، خصوصا أنه من السياسيين المعروفين بطرح قضايا من أجل السجال والمزايدة، ولكن الأساس الذي يختلف فيه ليبرمان مع الجيش هو الموقف من تقييم "حماس" في القطاع، فبينما يراها ليبرمان كياناً إرهابياً جهادياً لا يمكن التفاهم معه، يرى فيها الجيش كياناً عاقلاً يدرك مصالحه بدقة،
أما نفتالي بينيت، فهو يتبنّى فكرة تنفيذ عملية عسكرية جوية فقط، كي يتجنب الانتقادات لفكرة الحملة البرية، والتي تقدر أوساط في العدو قتلاها المحتملين بما بين 500 و800 من جنود الجيش، وقد كان هو من دفع الجيش إلى حملة برية في 2014، على غير رغبةٍ من الجيش، إذ لم يستطع وقف مزايداته خاصة مع "لحظة صوفا" التي خرج فيها مجاهدو كتائب القسام من نفق لتنفيذ عملية استطلاع بالقوة.
أقصى اليمين.. والجيش
على خلاف مواقف الأحزاب الأخرى جميعاً، تطلق أحزاب أقصى اليمين مواقف متشدّدة أحياناً تصل إلى الرغبة بضرورة استيطان غزة من جديد، كما تحدث الوزير أوري أرئيل من قبل عن رغبته في استعادة غوش قطيف.
ولا تتبنى باقي الأحزاب المعروفة سياسة خاصة تجاه قطاع غزة، سيما أنها أحزاب تركز على مطالب شرائح اجتماعية تمثلها، والمقصود هنا حزب كولانو، وحزبا الحريديم ( شاس ويهودوت توراة)، ولكنها لا تبتعد عن موقف "الليكود" من الناحية السياسية، خصوصاً أن زعيم كولانو كان ليكودياً حتى عام 2012، وكان من كبار المتمردين على شارون عام 2005، كما لا تبتعد عن موقف الجيش وتصوراته المهنية من الناحيتين، العسكرية والاستراتيجية.
وبشأن الجيش الإسرائيلي، فعلى الرغم من أن مساحة قطاع غزة تمثل نقطة ضعف عسكرية رئيسية لمن يسيطر عليه، فهو صغير المساحة، كما أن عرضه لا يصلح كثيراً للدفاع عنه، إلا أن التعامل الإسرائيلي معه شهد تحولات عدة، ففي عدوان 2008/ 2009 على قطاع غزة، هدف رئيس الحكومة إلى إسقاط حكومة "حماس"، وأقدم على عملية برية واسعة لم تحقق أغراضها. وعلى مدار الأعوام المتتالية، ظل الحديث عن أمكانية إسقاط "حماس" والتخلص من القوة العسكرية المقاومة في القطاع حتى عدوان 2014، فقد أحدثت الحرب الثالثة على قطاع غزة تغيراً استراتيجياً لدى جميع الأطراف في التعامل مع قطاع غزة، وأدرك العدو الإسرائيلي استحالة القضاء على المقاومة بالقوة العسكرية، وأصبح مطلب قادة إسرائيل الهدوء، وباتت الأوساط الإسرائيلية على قناعةٍ بعدم وجود أي هدف استراتيجي، يمكن أن يتحقق في أي عملية عسكرية واسعة ضد القطاع.
وقد عمد رئيس الأركان السابق، أيزنكوت، في عقيدته بعد حرب 2014 إلى اعتماد العمل على عدم إطالة مدة الحرب، والسيطرة على بؤرة التحكم والقيادة لحركة حماس في مدينة غزة، وقد تبنّى الجيش سياسة الضربات الموضوعية للحد من قدرة المقاومة، مع مراعاة الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة.
كما يعول الجيش على أن الوسائل الوقائية بعد التطور التكنولوجي في مواجهة الأنفاق تساهم في الحد من مراكمة "حماس" والمقاومة للقوة، ويرى الجيش أن خلاصة الحلول مع قطاع غزة: هدنة طويلة، وحل مشكلة الجنود في مقابل رفع الحصار. وقد قدّم إيزنكوت، في بداية العام، خلال مؤتمر الأمن القومي، رؤية الجيش تجاه قطاع غزة، بأنه يعيش أوضاعاً اقتصادية صعبة جداً ونسبة البطالة فيه حوالي 47%، معتبراً أن الأصوات التي تنادي باستخدام القوة تجاهه غير مسؤولة، معتمدة سياسة تفعيل القوة المحسوبة.
وخلال المفاوضات التركية الإسرائيلية قبل أعوام، أعطى الجيش مواقف مؤيدة لإقامة ميناء، أو ممر بحري، في قطاع غزة، فشعبة الاستخبارات العسكرية لا تعارض فكرة إنشاء الميناء، خوفاً من انفجار الأوضاع الإنسانية في وجه إسرائيل، ولمنع حرب جديدة، كما يبدي سلاح البحرية قدرته على تأمين المقدرات الاستراتيجية البحرية الإسرائيلية، ويشترط الإشراف الأمني والدقيق على الميناء، ووجود ضمانات صارمة للرقابة.
يرى الجيش أن من المهم المضي في إبرام تفاهمات بين غزة وإسرائيل، وقد دعم، طوال
وبعد توليه رئاسة الأركان مطلع العام الحالي (2019) خلفاً لغادي أيزنكوت، من المتوقع أن يواصل افيف كوخافي نهج سلفه تجاه قطاع غزة والتفاهمات، فقد عمل نائبا لرئيس الأركان قبل توليه المنصب، وكان حاضراً في تفاصيل الرؤى تجاه قطاع غزة، كما أن الموقف من غزة صاغته المؤسسة العسكرية، فهو ليس قرار أيزنكوت وحده، ما سيدفعه إلى مواصلة العمل على التفاهمات، لأنها ما زالت تشكل الخيار الأول للجيش.
خلاصة
لا يتبنى أي من الأحزاب الصهيونية فكرة العودة إلى غزة، باستثناء بعض هوامش اليمين، على الرغم من أن كل أحزاب اليمين رفضت الانسحاب من قطاع غزة عام 2005، كما لا يتبنى معظم هذه الأحزاب فكرة الاجتياح الشامل للقطاع، على غرار عملية السور الواقي في الضفة الغربية في العام 2002، باستثناء حزب يسرائيل بيتنا، وبعض قادة اليمين في أحزاب متفرقة، ويضعونه خيارا متأخراً.
وعلى الرغم من أن أحزاب اليسار يفضلون أن تكون السلطة الوطنية الفلسطينية عنوان تخفيف الحصار عن قطاع غزة، إلا أن الحاجة الملحة دفعت معظم الأحزاب للموافقة على هذه الفكرة، حتى في ظل عدم وجود السلطة، بل وقبول تجاوزها، بسبب إلحاح الضغط القادم من القطاع، والتهديد القادم من طرفه عسكرياً وجماهيرياً، خصوصاً أن بعض هذه الأحزاب (أحزاب اليمين) ترى في الفصل بين الضفة وغزة مصلحة استراتيجية.
دلالات
مقالات أخرى
08 ابريل 2019