نظام ضد العقل

13 نوفمبر 2015
+ الخط -
حكم العسكر وحكم العقل لا يجتمعان. هكذا يخبرنا التاريخ. يحاول النظام العسكري في مصر جاهداً أن يقنع مؤيديه بأن كل شيء على ما يرام، وأن المشكلة تكمن في الخارج "الذي يتآمر على البلد"، وليس في الإدارة الفاشلة للجنرالات الذين يسيرون من فشل إلى آخر. ويحاول الجنرال عبد الفتاح السيسي القفز إلى الأمام بعد كارثة الطائرة الروسية، فتراه يتعاطى مع الأمر وكأنه لا توجد أزمة، وكأن الطائرة وقعت في بلد آخر. يذهب إلى شرم الشيخ التي أصبحت أشبه بمدينة أشباح، بعد أن هجرها السائحون الروس والبريطانيون الذين يشكلون أغلبية روادها، وذلك كي يوصل رسالة للعالم أن "كله تمام وتحت السيطرة"، بينما هو محاط بكتيبة من رجال الأمن والحراسة الخاصة الذي شكّلوا حوله رعباً وخوفاً. يتحدث الجنرال لإحدى المذيعات، في توتر حاول إخفاءه، فيقول "أنتم قلقانين ليه؟ إحنا كويسين قوي، إحنا منكلشي وهنبني بلدنا".
يقول الجنرال أن "البلد بخير وتسير قدماً من نجاح إلى آخر، وأنه كلما زاد النجاح زادت الضغوط"، فتنظر حولك فلا ترى إلا فشلاً وراء آخر. من كارثة غرق نصف محافظات الدلتا بفعل السيول والأمطار التي هدمت قرى كاملة وقتلت العشرات إلى انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار، على الرغم من المحاولة الأخيرة لرفع قيمته، والتي لن تجدي نفعاً فى ظل ارتفاع الأسعار، إلى حالة التردي التي وصلت إليها مؤسسات الدولة، خصوصاً في قطاعي التعليم والصحة، والتي جعلت مصر تحتل المراتب المتأخرة في معظم الاحصائيات المتعلقة بجودة الحياة، إلى تراجع مداخيل قناة السويس، على الرغم مما بشروا به من أرباح ضخمة عند افتتاح تفريعتها الجديدة. يريد الجنرالات للشعب أن يتغافل عن هذه الكوارث، وأن "يتفاءل بالمستقبل"، مثلما قال الجنرال السيسي في حديثه للمذيعة. يكررون الحجج والأكاذيب الواهية نفسها، ويحاولون إقناع الناس بأن العالم كله يتآمر علينا، بينما هم غارقون في علاقات مشروعة وغير مشروعة مع قادة هذا العالم، بدءاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحتى نظيره الأميركي باراك أوباما الذين يرون فى نظام الجنرالات أداة جيدة يوظفونها، ويتلاعبون بها، حسب مصالحهم.
يريد الجنرالات من الجميع أن يلغوا عقولهم، وأن يستبدلوه بشعاراتهم وبسرديتهم ورؤيتهم للأوضاع، من دون عقل أو تفكير أو مناقشة. يحاولون تأطير الجميع، ووضعهم في حظيرة واحدة، تردد حديثهم الممجوج والمفضوح حول "المؤامرة" التي تحيط بالبلاد، وأن يتخلى كل ذي عقل عن أية مطالب بالتغيير، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى "سقوط الدولة"، على طريقة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". يتباهى الجنرالات بأن مصر لم تعد مثل "سورية والعراق"، ويتجاهلون، بقصد أو بدونه، أن ما يفعلونه، الآن، سوف يدفع البلاد نحو أحد المصائر الكئيبة التي يحذّرون منها الآن. يريدون إحكام السيطرة على العقل، مثلما أحكموها على الجسد، فاعتقلوا وحبسوا وقتلوا آلافاً من البشر رفضوا أن يصدقوا ويتبنوا روايتهم للتاريخ، أو أن يسايروهم فيما يريديون.
لا يدرك الجنرالات، ومعهم كتيبة الإعلاميين التابعين، أن زمن "الصوت الواحد والعقل الواحد" ولّى وانتهى. وأن الإعلام الغوبلزي "التوجيهي" لم يعد له وجود، إلا في عقول من يديرونه فقط. ولو نظروا إلى الساحات الاجتماعية والمنتديات الإلكترونية، لصعقوا من حجم السخرية والتندر على تصريحاتهم ومواقفهم. ولو أن لديهم بقية من عقل، لأدركوا أن كل محاولات التعبئة والحشد التي تجري على قدم وساق لن يكون مصيرها سوى الفشل الذريع، ليس لشيء سوى أنها ضد المنطق، ويكذبها الواقع.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".