نطيحة أخرى من أجل البوكر

07 فبراير 2019
جميل ملاعب/ لبنان
+ الخط -

مع إعلان لجنة تحكيم "الجائزة العالمية للرواية العربية" أو "جائزة بوكر العربية" - وليدة "جائزة بوكر الإنكليزية" أو مشترية اسمها - عن قائمتها القصيرة من قدسنا المحتلة بأبشع عملية استعمار استيطاني؛ تبادَر إلى الذهن السؤال عن سر اختيار القدس مكاناً لهذا الإعلان في هذا الوقت بالذات.

قد يحمل جزءاً من الجواب القول إنه تم "خلال مؤتمر صحافي.. في مدينة القدس". هكذا بلا أي لاحقة تشير إلى واقعها الراهن، إلى مدينة تُهدم أحياؤها ويشرّد سكانها ويُقتحم أقصاها وتُهدّد بهدمه قطعان مستعمرين جاؤوا من شتى البقاع، أو إلى أنها "مدينة محتلّة" بالحد الأدنى. وكأن أصحاب الإعلان يقولون إنها قدس مثل أي قدس من الحلوى في علبة يتهاداها الناس.

من المؤكد أن لا أحد يُطالب أصحاب هذه الجائزة، بشخص رعاتها الإنكليز ومموليها، بأن يخرجوا على النص المقرر للجنتها الذي يقول ناطقٌ باسمها أن مما يزيد "احتفاءنا بهذه القائمة هي فرصة الإعلان عنها من القدس الشرقية"، هكذا كما يصف الصهاينة قدسنا ويشطرونها شطرين، لا القدس عاصمة فلسطين المحتلة، فهذه جائزتهم الموظّفة، كما تبيّن منذ أول "منحة" لها لكاتب يكتب بلغة "أكلوني البراغيث"، للترويج لنمط من الأدب "العربي" المضبوع.

الجائزة لا تعنينا بشيء، ما يعنينا فقط هو أن لا نسمح بأن يتسلّل خطاب التطبيع وممارساته، ببوكر وغير بوكر إلى الذاكرة العربية، والفلسطينية بخاصة، وتحويل من تردّوا وانتطحوا إلى ممثّلي ثقافتنا، وقادة فكرنا، وكتبة ذكريات آبائنا وأمهاتنا.

أن يُقال "ذهبنا إلى القدس" و"التقينا في القدس" و"اجتمعنا في القدس"، وكأن لا وجود لاستعمار ومستعمرين، يجعلنا نتساءل: أي قدس هذه؟ إن قدساً مثل هذه بلا إشارة إلى واقعها ولا هويتها لا تعدو أن تكون صورة على ورق، أو قدس اسم بلا مسمى. مجرد لفظة كما هي كل الألفاظ التي يعلكها سكّان المستعمرة السعيدة المسماة رام الله التي تحوّل لا يقترح خطاب سلطتها على أبناء شعبنا سوى التحوّل إلى حطّابين وسقاة وموظفي أمن لدى الصهاينة.

جاء في الإعلان عن هذه البوكر الإنكليزية نشأة ووظيفة، والعربية رعاية وتمويلاً، أنها ستقيم احتفالات لها في هذه المدينة الفلسطينية أو تلك، أي أنها ستواصل مسيرة التعمية والتضليل تحت قناع الثقافي والفني والمنح والجوائز، وستجمع حولها أكبر عدد ممكن من الراقصين، كتّاباً وكاتباتٍ، ترويجاً لأدب تسمه بميسمها، وأسماءِ كائنات دخلت في حظائرها، ودواجن أدمنت علفها.

وكل ذلك تحت لافتة "الجائزة العالمية للرواية العربية"، أي أن هذا العالم الإنساني جداً، والرحيم بالغ الرحمة، استيقظ ضميره الثقافي وبدأ يلتفت إلى كتّاب الرواية العرب ويفيض عليهم بخيراته. إن قراءة أي من كتب هذا الأدب الذي تروّج له هذه الجائزة ورعاتها وممولوهم تظهر أي نوع من الأدب يراد للعربي أن يكتبه، ويقرأه، وينشأ عليه؛ أدب يمكن وصفه بعبارة واحدة، أنه "أدب مضبوعين" ذاهلين عن أنفسهم وعن العالم من حولهم، سائرين منومين وراء الصهيوني إلى مغارته.

* شاعر وروائي فلسطيني

المساهمون