نصوص آخر الليل*

26 ابريل 2016
لوحة للفنان الأميركي بيتر سيكلس
+ الخط -
ملاءات تتثنّى كالأفاعي


في آب،
في سرّة النهارِ وأسرارِ الرغبات الذائبة
تبتهلُ أشياؤنا لزلال المياه -
أشياؤنا الصغيرة والخجولة.
نكادُ ننصِت، بأرواح تئنّ وعيون تغمِض،
لهفيف شفاهٍ تتذرّى
لحظة تلامسها
مثل فراشات من قبل ميتة.
مثل شفاه كانت لنا.
مثل شفاه تشبه شفاهنا، تقريباً.

في آب،
في سرّة النهارِ الذائب وخفايا عرق الآباط،
نكاد نقسم أنّ الأسرّة يباب
والتناوم حيلة ناقصة
وأمواج الحكاية،
تلك الحكاية المألوفة حدّ البهوت،
ملاءاتُ قماش حائل تتثنّى كالأفاعي،
وأننا
إثر اللدغة الأخيرة
محض سراب.


أصواتٌ عمياء


لم يقل: انتظرتك كثيراً إلى أن جاءت العتمة، فنمتُ.
لم تقلْ: نسيتكَ طويلاً إلى أن طفوت في حلمي، فأفقتُ.
كانا رجلاً وامرأة.
وكانا كل في مدينة. وكل مدينة في وقت. وكل وقت في لون. الأسود وقته والأبيض وقتها. لكنهما، في لحظة أن نام هو وأفاقت هي، فاض الكلام منهما جارياً على عواهنه بين المدينتين: فاض الكلام طائشاً، رغماً عنهما، بلا رشد أو خرائط.
غير أني، لأنني أعرف ما أكتب، وأعرف تماماً ما سوف أكتب؛ أختصر لأكمل:
كانا رجلاً وامرأة.
كانا كل في مدينة. وكل مدينة، كما تعرفون، تغرق في سديم لغة تآكلت أبجدياتها فامّحت معانيها. غير أنّ الصوت الطائش لا يكترث. الصوت غير المسلح ببوصلة الهداية لا يعبأ بما يحمل من رسائل. الصوت الأعمى لا يعرف إنْ كان هو لوعة آهة الذي نام، أم شهقة سهوة التي أفاقت.
لكننا، يا لسخرية الكتابة وهزء القراءة،
نحن الذين نعرف.

ليلة الأربعاء/ فجر الخميس، 28 أيار 2009


أهكذا يكون الأمر؟


تنبّه، "مع حراك قلب مشاكس مجاور"، إلى أنهُ باتَ في قلب العاصفة وعَين مرصدها.
تنبّه إلى أن الريح قد تؤجل هبوبها عاماً، أو عشرة أعوام. لكنها، مثلما يتنبه الآن، حين تجيء، إنما تعصف في قرارته وسره ناغلة، ومحتشدة باكتنازها المشاغب الوقور، لتجبره على إعادة قراءة اسمه!
مؤمن هو، إلى حدّ الكتابة وشرطها، أن الإسم هو الرجل.
نعم؛ الاسم هو صاحبه. غير أن يقينه يهمس، في الوقت نفسه، بأن "إيليا" بالآلاف، لكن الطالع من بطن الحوت واحد. تماماً مثلما هي جواهر البحر ولآلئ المحيطات بالملايين، بينما "زمردة" واحدة في الليالي الألف ولن تتكرر، حتى ولو عادت الخليقة إلى غمْرها الأول.
إذن: عليه، منذ الآن، أن يقرأ الرجل في اسمه من جديد.
أهو مَن كان، طوال العمر، يرى أنه ذاك الرجل الملفوف بأقمطة الغموض الركيكة، والالتباس المفضوح؟ أهو من كان، رغم نأيه المدروس عن الأمكنة، الذي يرى مكشوفاً واضحاً ويقرأ كتاباً مفتوحاً، في حين لا يرى من شخصه سوى تلك الظِلال التي يسحبها معه أينما أحب، وحيثما نزق، وكيفما تأدّب، ومتى أجهش بخرس مخنوق وأبكم على صدر يعوم وإياه على رغوة أحلامه والتياعاتها؟ يعوم ويفرد ذراعيه على امتدادهما، لكنه لا يغوص أو يغرق؛ إذ تنتشله ساعة سريره؟
ساعة سريره التي يرن جرس منبّهها، فيتنبه إلى أن القلب الذي تحرّك مشاكساً قلبه ليس بعيداً. إنه في جوار الجوار!
عندها؛ يصير له أن يفيق.
أعاشقاً كان طوال الوقت، طوال عام أو عشرة أعوام، أم هو مشروع عاشق لم يحن ميعاد اشتعاله بعد، لكن جمراته تتوهج في الخفاء؟
إنه الخفاء. والخفاء في القلب. والقلب لا يفصح إلا لقلب آخر، وتحديداً لهذا القلب الذي، لو التفت قليلاً ولبرهة واحدة، لرآه لصيقاً ودافئاً. ليس من مسافة، ولا ضرر من لمحة واحدة لتندلع الرومانسية بأزرقها السماوي، لتغشاهما هناك!
وإنها البرهة. تلك النتفة الصغيرة جداً من وقت سريع الذوبان والزوال. وكان، عند اصطدامه بها، أو بالأحرى عندما اصطدمت البرهة به ومست شفتيه بريشة في جناح حمامة، أنْ شجت دهشته فسال الالتياع من قلبه، وفي قلبه، وعلى قلبه، ولون الدنيا!
أهكذا يكون الأمر!
أهكذا يتداعى بدوره، هو أيضاً، ولا يخشى الملامة أو الحرج، لأنه كان محتقناً؟ لأنه كان محتقناً.. ولا يزال؟ يتداعى من دون أن يدركَ أن ثمّة الريح العاصفة ستخلع عنه أقفاله، لتشرعه على نبض القلب الذي كلما تحرك شاكس برودهَ البليد، وأحرق لباقته المتطرفة؟
أهكذا يكون الأمر إذن، حين يكتبُ حكاية تليق بقلب يشاكس لأنه لا يكذب عندما يعشق؟
أوليس العشق مشاكسة الجسد للروح الهانئة، أو مشاغبة الروح للجسد المستكين إلى غفوته الفاترة؟
أهكذا يكون الأمر في حقيقته، بعيداً عن أي ادعاء؟
ربما.

ليلة الخميس/ فجر الجمعة، 29 أيار 2009

*من كتاب لم يكتمل


دلالات
المساهمون