نصف مليون مريض نفسي فقط في سورية
تتكشف نتائج حرب بشار الأسد على الثورة والسوريين، تباعاً، وربما "ما خفي كان أعظم". إذ لم يتم التركيز حتى اليوم، سوى على خسائر سورية الاقتصادية جراء الحرب المندلعة منذ نيف وست سنوات، والتي فاقت خسائر الحرب العالمية الثانية، ووصلت بأقل التقديرات إلى نحو 275 مليار دولار.
ولعل الخسائر البشرية التي قلما يتم تسليط الأضواء عليها، ربما لأنها غير مشمولة بإعادة الإعمار ولا تحقق الدول والشركات منها المكاسب، هي الأخطر والأصعب تعويضاً، ربما لعقود طويلة من الزمن.
قصارى القول: كشف مدير الصحة النفسية في وزارة الصحة بحكومة بشار الأسد، رمضان محفوري، عن وجود أكثر من 300 ألف شخص يحتاجون للاستشفاء من الأمراض النفسية في سورية نتيجة الحرب التي تتعرض لها البلاد.
وهؤلاء المرضى الذين تراوح إصاباتهم بين القلق والبارانويا التي تصيب المسؤولين وصولاً للاكتئاب الذي يوصل المرضى إلى الانتحار، هم في مناطق سيطرة الأسد فقط، وربما ضعفهم بمناطق سيطرة المعارضة، نتيجة ما تعرض سكانها لأهوال القصف والحصار والتجويع والتفقير، فضلاً عن أعداد أخرى من المرضى النفسيين، ممن هاجروا ونزحوا فساهم الأشقاء والأصدقاء في تفاقم حالتهم.
فإن فرضنا جدلاً أن عدد كل هؤلاء المرضى 200 ألف سوري فقط، فالمجموع ومع المسامحة وبالحدود الدنيا، يكون نصف مليون مريض سوري نفسي.
ولعل ما يزيد الألم، النفسي والروحي، أنه لم يتبق بسورية، ووفق المدير ذاته، سوى 70 طبيباً مختصاً في الأمراض النفسية، بعد هروب أكثر من 500 طبيب نفسي من الموت وبراميل الأسد، خلال الحرب التي لم تفرق بين اختصاصات الأطباء وانتماءات البشر.
وربما لم تحتط سورية بما يكفي لتؤسس مستشفيات نفسية تكفي ما سيتمخض عن حروب الإبادة والحصار والتجويع، والتي يمارسها الأسد على مرأى الجميع، بما فيها الصدمات إثر مشاهدة الإبادة عبر الأسلحة الكيميائية، والتي كانت ذكرى أكبرها "مجزرة الغوطة" قبل أيام، ولا تزيد المشافي النفسية عن ثلاث، موزعة على حلب "ابن خلدون" ودمشق "ابن سينا" و"ابن رشد" وربما من مصادفة بحتة أن تبدأ أسماء المشافي النفسية بسورية جميعها بـ"ابن" ولا أعتقد من علاقة للوريث الـ"ابن" بالمسألة.
نهاية القول: لا غرابة ربما من انتشار الأمراض النفسية لدى شعب شعر بالاضطهاد والتخلي، إن لم نقل الخيانة ممن ادعى نصرته وتأييد ثورته، كذلك لا مخاطر على الأرجح، على ومن المرضى النفسيين الذين يعترفون أنهم مرضى، فيذهبون للعلاج أو يقرّون أمام الآخرين أنهم يعانون من اضطراب أو تخيلات أو حتى يشعرون أنه مظلومون ومضطهدون ومستهدفون.
بيد أن الخطر من المريض الناكر، والذي ألقى خطاباً قبل أيام، خوّن خلاله الشعب السوري وصنفه بين عميل ومرتهن وحثالة، خاصة أنه لم يزل صاحب قرار وباتفاق أممي، فما يكسوه من فصام بارانوي وصرع وهوس ووسواس قهري يعد كل واحد منهم على حدة كفيلاً بحجره لأنه وصل مرحلة الميؤوس من علاجه.