نصف مليون شقة فارغة في سورية... والإيجارات ترتفع

16 نوفمبر 2016
تضاعف قيمة الإيجارات 10 مرات (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
أدى نزوح السكان من العاصمة السورية دمشق وعدة محافظات بسبب الحرب، إلى زيادة عدد المساكن المهجورة في المناطق الواقعة تحت سيطرة نظام بشار الأسد، والتي تصل إلى نصف مليون شقة فارغة، حسب تقديرات غير رسمية.
وحسب متخصصين في العقارات لـ"العربي الجديد"، شهدت الإيجارات قفزات هائلة خلال الفترة الماضية رغم وفرة الشقق التي هجرها السكان لأن معظمهم لا يعرضها للبيع على أمل العودة إليها. وأشاروا إلى أن هدم مليوني منزل في خمس محافظات سورية، لم يخلق أزمة إسكان في المناطق المحررة بسبب نزوح ملايين السكان إلى مناطق أخرى داخل وخارج سورية.

وفي هذا السياق، يقول العامل السابق بمصلحة العقارات بمدينة إدلب سعيد إبراهيم، لـ"العربي الجديد" إن "الملايين الذين هاجروا وتركوا بيوتهم في سورية، خلقوا فائضاً في المساكن المهجورة بالمدن الآمنة".
ويتابع إبراهيم أن "معظم الشقق السكنية الفارغة بسورية، غير معروضة للإيجار أو البيع، وأصحابها في الغالب غادروا البلاد خوفاً من الموت أو الاعتقال، ويأملون في العودة لها في حال استقرار الأوضاع، وبعض تلك المنازل معروضة للبيع، لكن أسعارها مرتفعة جدا".
وحول دقة رقم المساكن الفارغة المقدّر بنحو نصف مليون شقة، يؤكد إبراهيم أن "هذا الرقم مأخوذ عن دراسة سابقة أصدرتها جامعة الدول العربية، وهو أقرب للواقع ويتم الاعتماد عليه بسبب عدم وجود رقم إحصائي رسمي دقيق في سورية، في ظل منع حكومة الأسد مكتب الإحصاء إصدار أي بيانات سوى ما يتعلق نسبة التضخم".
ويقول مواطن من دمشق، رفض ذكر اسمه، لـ "العربي الجديد" إن "معظم أحياء دمشق الراقية، ممنوع الإيجار فيها إلا بعد موافقات ودراسات أمنية، وعادة ما يمنع تأجير النازحين من مناطق الحرب، بحجة أنهم حواضن للمقاومة، ما يعني أن هناك شققا كثيرة فارغة لكنها تحت الوصاية الأمنية السورية والإيرانية وحزب الله، وفي حالة حصول الزبون على الموافقات الأمنية، فالإيجار الشهري لهذه الشقق غال ويصل إلى أكثر من 150 ألف ليرة سورية شهرياً (الدولار = نحو 520 ليرة"). ولفت المواطن إلى أن كثيرا من سكان دمشق تركوا منازلهم فارغة ولجأوا إلى لبنان.


وتبقى مشكلة السكن ملحة، بسبب استمرار قصف طيران النظام السوري وروسيا لمناطق سكنية مأهولة في حلب وإدلب ودرعا، ما يزيد من نزوح السوريين باتجاه المدن الآمنة، في حمص وحماة ودمشق والمدن الساحلية، إذ ذكر المركز السوري لبحوث السياسات، ضمن تقرير حديث، أن نحو 45 % من السكان بسورية اضطروا إلى مغادرة منازلهم بحثاً عن الأمان وظروف معيشية أفضل، وبلغ عدد النازحين داخلياً حتى نهاية عام 2015 نحو 6.36 ملايين سوري، حسب التقرير.
ورفع استقطاب المدن الآمنة للنازحين الطلب الإيجارات إلى نحو عشرة أضعاف منذ عام 2011 حتى منتصف العام الجاري، حسب صاحب المكتب العقاري بحي دمر بدمشق، فايز جقمور، الذي أكد لـ"العربي الجديد" أن إيجارات المساكن بالعاصمة السورية، وصلت لمستويات جنونية بالمقارنة مع دخل المواطن الذي لا يزيد شهرياً عن 35 ألف ليرة سورية.
ويفرّق صاحب المكتب العقاري، بين الإيجار بأرياف العاصمة الذي لا يقل عن 30 ألف ليرة، وبين أحياء دمشق الذي يتراوح بين 60 و150 ألف ليرة على حسب الحي ومساحة البيت، مشيراً إلى أن دور المكاتب العقارية التي يتهمها البعض برفع الأسعار، لا يتعدى الوساطة في مقابل نصف إيجار شهر فقط.
وعن التجارة بالعقارات يقول جقمور: "مازال الطلب على الشراء معقولاً، ولكن ليس بحجم الإيجار، مشيرا إلى أن أسعار العقارات تتراوح حاليا ما بين 80 إلى 150 ألف ليرة للمتر المربع حسب المنطقة التي تلعب دورا كبيرا في تحديد السعر، فالحديث عن الأحياء الراقية مثل المالكي وأبو رمانة يختلف عنه بمناطق الأخرى مثل دمر وجرمانا".
وفي حين يرى كثيرون أن أسعار المنازل بسورية وقيمة الإيجارات، أعلى بكثير من دخل السوريين وقدرتهم على دفعها، يؤكد الباحث بالشؤون العقارية، عمار يوسف، أن الزيادة أمر طبيعي لعدة أسباب، أولها خروج ما يقارب مليوني وحدة سكنية خارج الاستثمار العقاري سواء بدمار كامل أو جزئي أو دمار للبنى التحتية لهذه العقارات، كما أنّ الظروف الراهنة أدت إلى وجود نوعين للمناطق السكنية آمنة وأخرى غير آمنة، ما جعل الطلب يزيد على العرض في المناطق الآمنة، و"الأهم استغلال أصحاب العقارات لحاجة المواطنين للإيجارات، كل ذلك أدى لارتفاع غير مسبوق للإيجارات"، حسب يوسف.

ويضيف الباحث خلال تصريحات صحافية، أخيراً، أنه "لا شك أن تهاوي سعر صرف العملة المحلية أدى إلى زيادات غير طبيعية وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من 15 ضعفاً لسعر الشقة، فجاء الغلاء مؤثراً في المالك والمستأجر في الوقت ذاته، وما حدث جاء انعكاساً طبيعياً لارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام، ولا يمكن تحميل المالك أو التاجر كامل المسؤولية عن هذا الارتفاع".
وزاد سعر الدولار بنسبة أكثر من 1000% منذ اندلاع الثورة السورية إذ قفز من نحو 50 ليرة عام 2011 إلى نحو 520 ليرة حالياً.
ويوضح يوسف، أن القانون الجديد للعقارات من الناحية القانونية متميز أكاديميا وهو منصف للجميع لكن لن يكون له أي دور إيجابي بالنسبة لارتفاع أسعار الإيجارات، لأن هذا الأمر ما زال محكوماً بقاعدة العرض والطلب والمناطق غير الآمنة وحجم الدمار وغلاء المعيشة، الأمر الذي يجعله غير ذي جدوى اقتصادية.
بدوره أوضح مدير الضرائب على العقارات في الهيئة العامة للضرائب والرسوم بدمشق، عماد الآغا، أن أسعار المساكن ارتفعت خلال السنوات الأخيرة إلى نحو عشرة أضعاف وأحياناً إلى عشرين ضعفاً، ما بات يستدعي تعديل القانون الحالي.
وأضاف مدير الضرائب خلال ندوة عقدت، أخيراً، في دمشق، أن مشروع التعديلات الجديدة في القانون سيؤدي في حال إقراره إلى تحقيق العدالة الضريبية بعد تحديد قيم السكن بحسب المنطقة.
وتبقى العقارات، بالمناطق الآمنة في سورية، هي السلعة التي تفتح شهية معظم التجار، ويرى محللون أنها الملاذ الآمن لرأس المال أكثر من الدولار والذهب غير المستقرين.
ويراهن المستثمرون على الانتعاش العقاري خلال المرحلة القادمة، في حين يخشى في المقابل كثيرون من وضع رساميلهم في تجارة العقارات، لأن وجهة السوق لا تزال مجهولة المعالم، كما أن عدم قدرة السوريين على الشراء، ستؤدي إلى تجميد الرساميل لفترات طويلة.