اختارت "دار الفنون" في الكويت عرض أعمال مختارة لستّة فنانين كوبيين خلال هذا الشهر، جرياً على عادتها في استضافة أعمال فنية من بلدان مختلفة، إلا أن اختيارها هذه المرّة جاء الأكثر أهمية، لسببين؛ الأول، لأن الكثيرين لا يعرفون أن كوبا التي حُوصرت طيلة أكثر من خمسين عاماً، اقتصادياً وعسكرياً، كانت محاصرة ثقافياً وفنياً أيضاً، ويأتي عرض أعمال فنية لعدد من فنانيها مناسبةً لمعرفة تجربة ثقافية ثرية إنسانياً تكاد تكون مجهولة، خصوصاً في الوطن العربي.
ثاني الأسباب يتعلّق بأن هذه التجربة تُعدّ بين من الصيغ المتميزة للحوار بين اتجاهات الفن الغربي المعاصر وفنون البلدان التي كانت تُسمى بلدان العالم الثالث؛ سواء كانت آسيوية أو أفريقية أو التي تقع في القارة الأميركية، فالفن الكوبي الذي يستقي عناصره من ثقافات شتى، أفريقية وأوروبية ولاتينو-أميركية (مكسيكية خصوصاً)، يمازج بين كل هذه العناصر، ويخرج بنتاج مدهش ذي طابع دال على الأصالة والمعاصرة معاً، فلا يحاكي تيارات الحداثة الغربية، ولا يلتصق بتعبيرية الفن الأفريقي الفطرية، ولا تأخذه غرائبية المحيط من حوله بعيداً عن ذاته؛ إنه ينطق بالفعل ويعبّر عن شخصية واضحة الانتماء إلى خريطة وطن اسمه كوبا.
اجتمعت في هذا المعرض أعمال مختارة تمثّل اتجاهات الفن الكوبي المعاصر. وحين نقول المعاصر، فنحن لا نعني نتاج زمن قريب، بل تذهب بنا الذاكرة إلى حركة "الطليعة" الفنية في كوبا، "فانجارديا"، وهي تعتنق مبادئ الحداثة منذ عشرينيات القرن العشرين، ويتعرّف فنانوها، الذين درس بعضهم في باريس، على وطنهم، ويمزجون بين الأساليب، ومنهم من اقترب شخصياً من بيكاسو وبريتون، ويبرز بينهم، الفنانة آميليا بيلياز (1896 - 1968) والفنان ويفريدو لام (1902 - 1982).
والجانب الأكثر أهمية في هذا النوع من المعاصرة هو التواصل والاستمرارية، فلا انقطاع ولا تشتّت، بل تواصل بين الماضي والحاضر لا يقطعه التنويع، ولا خضوع لأساليب غربية، بل تطويع و"كوبنة" بكل بساطة.
صحيح أننا نجد في هذه الأعمال آثار المدارس الغربية، من انطباعية وتعبيرية وتكعيبية وسريالية، بل وفطرية على غرار أعمال هنري ماتيس، إلا أن كل هذه الآثار تتمازج وتتردّد بين منحنيات وخطوط ذات ملامح دالة على هوية وجغرافية ثقافية لا يخطئها النظر.
وقد لا يعرف زائر المعرض، أمام لوحة لـ إنريكو آلونسو داوسا تمثّل امرأة سمراء واسعة العينين تضع على رأسها عمامة بيضاء، أن ملامح هذه المرأة تحمل شبهاً بملامح تلك التي رسمها في العام 1929 الفنان البارز فيكتور مانويل وحملت تسمية "الغجرية الاستوائية".
هذا التواصل نجده حتى مع التنويع الهائل في الأساليب ومواد الرسم والتصوير، وشيوع فن الجداريات، وما يُسمّى "فن الشارع" من رسم حر وكتابة على الجدران، واحتلال الأسلوب الفطري مكانة بارزة بعد رفض الأكاديميات هذا النوع الفني. ولدى زيارة للحي المسمّى "كاليخون دي همل"، أي الزقاق المتواضع، يمكن أن يتعرّف الزائر العربي على تاريخ قرن من الأمزجة الفنية التي سادت في هذه الجزيرة.
في هذا المعرض يجتمع كل هذا، بدءاً من لوحات "علاقات" و"أخوية" و"رجل يفكّر بسمكة" لـ إدواردو غونزاليس، مروراً بلوحات "وجوه بنات" و"براءة" بفراشاتها وعصافيرها وألعابها القماشية لـ روجر رودريغث، وصولاً إلى لوحات مختص بالتجريد مثل آلان لوشيا، ولوحة السيدة ومظلّتها "تحت المطر" ولوحة "بلا عنوان" التي تختزل باللونين البرتقالي والوردي خطوط عاطفة وعفوية تجريدية.
وتكمل هذه السلسلة لوحة "المدينة" المرئية من منظور عين الطائر لـ خيراردو مارتينث؛ عدد لا يحصى من النوافذ والبيوت باللونين الأخضر والأزرق.
اقرأ أيضاً: صباح الأربيلي: ظلال أخرى للحرف العربي