نصر الله وحديث بلا تقوى

15 يوليو 2015

لو أن نصرالله ترفق مع السوريين .. (Getty)

+ الخط -
ليس ثمة عداء عربي لإيران المجتمع، ولا لإيران الدولة، وإن كان ثمة معادٍ لإيران، فليس بالضرورة أن يكون معادياً لفلسطين، مثلما قال الشيخ حسن نصر الله، في خطبته أخيراً. المعادلة الصحيحة هي أن من يستهتر بدم الشعب السوري، وبكرامته ومقدراته وبحقه في العدالة؛ فإنه قطعاً مُعادٍ لنفسه. وبالتالي، لن يكون منصفاً، لا في حق وطنه ولا في حق فلسطين التي يمتطي اسمها مساندون لفظيون في المهرجانات، اختبر الفلسطينيون صدقيتهم في ثلاث حروب مدمرة، شديدة الإجرام، شُنت على غزة، فيما المساندون اللفظيون، المبشرون بقرب فتح إيراني لبيت المقدس، يتحدثون عن آلاف الصورايخ التي تصل إلى ما بعد بعد تل أبيب. 

يصح أن نسأل: أين العدالة وأين التقوى في موقف إيران، وحزبها اللبناني، من ثورة الشعب السوري على الاستبداد المتمادي، على الأقل قبل أن يظهر على ساحة الصراع، مسلحون سوريون هاربون من الجيش، لكي يقاوموا عربدة النظام، وقبل أن تظهر جماعات متطرفة، جيدة التسليح ووفيرة المقدرات، جاءت من أماكن معتمة، وشارك في جلبها وتقوية شكوتها النظام نفسه، لكي يسِم ثورة الشعب السوري، ذات المضامين الإنسانية الاجتماعية والديموقراطية، بالإرهاب، ولكي يستدر عطف الغرب لإخراجه من قائمة الأنظمة الشريرة التي تقتل شعبها، ومنحه عضوية نادي مقاومي الإرهاب.
لو أن الشيخ نصر الله قال كلمة واحدة، ذات صلة بالمنطق النزيه، في بدايات انتفاضة الشعب السوري، لقلنا إن الرجل الآن يتطير من الجماعات المسلحة المتطرفة ومن الدواعش، وله الحق في ذلك. لو إنه قال، مرة، إن بشار الأسد أخطأ عندما ركب رأسه وتصرف بغرور، ولم يحتو الموقف، ولجأ إلى ما سماه الحل الأمني، بقسوة يُفترض أن يبادر الشيخ المععم إلى تأثيمها؛ لقلنا إن الرجل، يرى، وهذا حقه، أن اختلاط الحابل بالنابل في سورية الآن يُعزز مظنّه، استهداف وطن ووحدة ترابه ومجتمعه ومصيره، على النحو الذي أوجب الانحياز.
لو أن نصر الله ترفّق مع إخواننا السوريين، ولم يشارك في اقتراف المجازر، لقلنا إن للرجل الحق في أن يطرح ما يراه، إنه كان مستعداً للانخراط للقتال في فلسطين، أما أن يقاتل في الحسكة والقلمون، ويقول إنها الطريق إلى فلسطين، فهذا هو التدليس، لأن النظام الذي يحاول إنقاذه لم يكن له عمل، في ذروة غروره، أهم من منع أي كان من القتال في فلسطين.
فعلى مر عقود من حقبته السوداء، لم يكتف بتسكين الجبهة على نحو ما يُقال في كل سياق؛ بل إنه دأب على محاولات شق الحركة الوطنية الفلسطينية، للاستحواذ على ورقتها، وإهانة مناضليها أو اغتيالهم، فكان له على صعيد كل مكوّن في الحركة الوطنية الفلسطينية، تدبير مضاد. تماماً مثلما فعل بوحشية، عندما أعدم نحو خمسين مجاهداً من حزب الله نفسه، لكي يستحوذ على ورقته، ويكرس قيادة غير نزيهة تتبعه، بخلاف الشيخ الثائر صبحي الطفيلي، الأمين العام الأول. وكان في المرة الوحيدة، التي أوشكت فيها القوى الوطنية والقومية اللبنانية على جعل لبنان أرضاً للمقاومة، أرسل قواته لإنقاذ الطرف المعادي للمقاومة والمتحالف مع إسرائيل، وارتكب مجزرة تل الزعتر. ولما استتب له الأمر في لبنان، فرض على اللبنانيين إيلي حبيقة وزيراً، وبعض من كانوا مثله يفجرون السيارات بين الناس، وأصحاب الأدوار البشعة في مجزرة صبرا وشاتيلا.
في الحرب على العراق، ذهب النظام إلى حفر الباطن للقتال مع الأميركيين. ويصعب على نصر الله، الآن، أن ينوّه إلى ارتباط حلفائه الطائفيين في العراق بواشنطن التي جاءت بهم إلى الحكم، قبل أن يرتكبوا المجازر ضد شعبهم، ويؤسسون لتقسيم البلاد، فيما نصر الله يعيّر آخرين بارتباطاتهم الأميركية.
ما قاله الرجل عيب، ومجاف للحقيقة، ومغرق في التشاطر واستصغار عقول الناس. فالطريق إلى فلسطين تبدأ بإسقاط الطغاة والتمكين لإرادة الأمة، بأيدي من يريدونها أمة، لا طوائف.