أطلّ الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني حسن نصرالله، مساء الثلاثاء، في مقابلة مطولة عبر إذاعة "النور" المحسوبة عليه، بمناسبة الذكرى العشرين لتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، للتأكيد أنّ معادلة إسقاط المسيرات الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية ما زالت قائمة.
واستذكر نصرالله إسقاط المسيرة الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت معقل "حزب الله" في أغسطس/آب 2019، مشدداً على ضرورة أن يكون لدى "المقاومة هدف من نوع تحويل كلّ صواريخها إلى دقيقة".
وتطرق نصرالله إلى استهداف طائرة مسيرة إسرائيلية في إبريل/نيسان الماضي لسيارة تابعة لـ"حزب الله" عند الجانب السوري من الحدود مع لبنان من دون أن تسفر عن سقوط قتلى، كاشفاً أنّ "الإسرائيلي لم يخطئ في الضربة الأخيرة، وهو لم يكن يهدف إلى قتل شبابنا لذلك أرسل انذاراً قبل أن يضرب وهذا جزء من قواعد الاشتباك".
وردّ أمين "حزب الله" اللبناني على المواقف السياسية بشأن خسارة الحزب قاعدة كبيرة من شعبيته بسبب الفساد الذي هو طرف فيه ويحميه، والجوع الذي تعاني منه بيئته ومنها تلك التي صدرت عن حليفه التيار الوطني الحرّ، بالتأكيد إنّنا "لا نقول أن البيئة الاستراتيجية بكاملها لمصلحتنا لكنها ليست لمصلحة العدو بالكامل ايضاً، وهناك مستوى عال من التوازن الذي من دونه لوجدنا إسرائيل تشنّ حرباً على لبنان الآن، وداخلياً لم يكن هناك إجماع لبناني على المقاومة حتى يقال إنها خسرته والحضور الأميركي المباشر إلى المنطقة هو دليل ضعف حلفائها ومؤشر قوة لمحور المقاومة".
وأضاف أن التجويع والوضع الاقتصادي كان ولا يزال من أدوات تأليب البيئة الحاضنة على المقاومة ونحن دخلنا الحكومة وبدأنا في ملف مكافحة الفساد لكن البعض لا يزال يسأل لماذا نريد أن نكافح الفساد عبر القضاء، علماً ان وزراءنا ونوابنا والموظفين المحسوبين علينا يذهبون الى القضاء للمحاسبة إذا جرى اتهامهم ونحن نقول اسمحوا لنا كـ"حزب الله" أن نحارب الفساد على طريقتنا وأن نسير في الإصلاح على طريقتنا فالبلد يحتاج الى قضاة استشهاديين لإصلاحه من الفساد. أما أدوات التغيير في الداخل اللبناني فيجب ان تراعي تركيبة البلد والمخاوف الموجودة فيه".
مشدداً على "لا نريد حرباً أهلية في لبنان ولا نريد أن نحكم البلد والانتخابات النيابية محطة ليحاسب الناس الفاسدين، والحديث عن الفيدرالية والتقسيم من المفترض ان نكون قد انتهينا منه والنظام اللبناني بالطبع يحتاج إلى تطوير وإصلاح لكن ليس على قاعدة نسفه حيث إنه يمكن الجلوس والبحث في تطوير اتفاق الطائف".
وقال نصرالله إن "لم تتوفر إرادة لدى أبناء الطوائف اللبنانية بإصلاح النظام فلن يحصل أي تغيير، إذ بإمكاننا تخطي المأزق الاقتصادي وهناك بدائل وأفكار وتصورات تحتاج الى إرادة سياسية، خصوصاً أن الوضع الاقتصادي لا يحتمل سنوات طويلة من المعالجة ويجب التعاطي معه على نحو طارئ".
ولفت إلى أن "هناك من يمنع لبنان من التعامل مع الصين في الملفات الاقتصادية، والحلّ للوضع موجود لكن على اللبنانيين الخروج من قبضة الحرص على الرضى الأميركي والاتجاه شرقاً. ونحن معنيون بتشكيل ضغطٍ سياسيّ ورأي عام لدفع المصارف الى المساعدة في معالجة الأزمة الاقتصادية".
وبالتزامن مع خوض الحكومة اللبنانية محادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية تخرج لبنان من أزمته المالية والاقتصادية الحادة، رأى نصرالله أن من الخطأ التوجه الى الصندوق وكأن لا حلّ للأزمة الاقتصادية إلا عبره فالعراق جاهز لاتفاقات مع لبنان حول تصريف الإنتاج والأسواق موجودة، مجدداً التأكيد على ضرورة إعادة العلاقات مع سورية.
وعلى صعيد العلاقة المتوترة مع التيار الوطني الحر الذي يرأسه النائب جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية، وبين الأخير و"تيار المردة" الذي يرأسه سليمان فرنجية حيث ارتفعت حدة الهجوم بين الطرفين في الفترة الأخيرة من بوابة ملفات الفساد وأبرزها الفيول المغشوش الذي أحدث حرباً صعّبت من مهمة "حزب الله" الذي يلعب دور المصلح بين حلفائه، قال نصرالله، "نحن نعالج المشاكل بين حلفائنا ونعالج مشاكلنا مع الحلفاء من خلال إطفاء المشاكل، علماً أننا وحلفاءنا لسنا نسخة طبق الأصل لكننا لا نسمح للخلاف بأن يؤدي الى فرط التحالف"، مؤكداً أن "باسيل لم يفتح معنا موضوع رئاسة الجمهورية وهناك من يريد لعلاقتنا مع التيار الوطني الحر أن تسوء لكن مصلحة البلد تقتضي أن تبقى العلاقة قوية".
وعن انتفاضة 17 أكتوبر، أشار نصرالله الى أنّ بعض من كان يقف خلف الحراك لم يكن مخلصاً لأهداف الحراك ولو تواصلت التظاهرات من دون الاستهداف السياسي لكانت الحكومة التي كنا ضد استقالتها لتأخذ مجموعة من الإجراءات الإصلاحية لصالح الشارع اللبناني.
من جهة ثانية توجه نصرالله إلى المستعجلين على نزع سلاح "حزب الله" بالقول، "عليهم أن يقرأوا التاريخ والإنجاز اللبناني بعد التحرير هو الحماية والردع وهذا الأمر موجود باعتراف العدو".
في سياق آخر، أكد الأمين العام أن حزب الله ليس ضدّ بقاء قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) وذلك ربطاً بالإشكالات التي حدثت أخيراً في بلدة بليدا في مرجعيون جنوب لبنان بين اليونيفيل والأهالي، مشدداً على أن "التغيير في مهمتها يمسّ بالسيادة اللبنانية، وهذا ما رفضه لبنان لكن الإسرائيليين يريدون إطلاق يد اليونيفيل وأن يكون لها الحق بمداهمة وتفتيش الأملاك الخاصة والأميركيون يضغطون على لبنان بهذا الملف".
وقال نصرالله، "إسرائيل تعلم أن المقاومة ازدادت قوة بأضعافٍ مضاعفة، حيث إنّ المقاومة والعدو يملكان القدرة على المبادرة، لكن نتيجة التوازن بينهما يحسبان كل الحسابات، وعندما أرادت إسرائيل الكشف عن الأنفاق عند الحدود الجنوبية توجهت الحكومة اللبنانية عبر ثلاث قنواتٍ برسالة تفيد بأنها تريد فقط كشف الأنفاق لا أكثر، وذلك يعني أنها تدرك حساسية الموضوع، وهذا الأمر ما زال قائماً حتى اليوم، والعدو يدرك أنه ليس أمام طرف يستهان به".
وأضاف، "خلال الأسبوعين الماضيين تحدث أغلب الجنرالات لدى كيان العدو حول الموضوع، واللافت أن أغلب القيادات التي تتحمل المسؤولية عند الإسرائيليين حالياً كانوا ضباطاً في جنوب لبنان". مشيراً الى أنّ "مجيء أميركا الى المنطقة هو دليل تقدم محور المقاومة وذلك بعد رؤيتها إسرائيل والأنظمة التي ترعاها باتت عاجزة عن حماية مصالحها وهذا ما يجبرها على أن تحضر مباشرة بأساطيلها وقواعدها وجيوشها".
ولفت إلى أنّ "المقاومة المبتدئة عام 1982 شاركت فيها مجموعة كبيرة من الأحزاب الوطنية والحركات وكل من شارك في المقاومة في السنوات الأولى، وفكرة الإسرائيلي عام 2000 كانت أن ينسحب هو الى الحدود ويبقي جيش لحد ليقاتل المقاومة، وبذلك يحوّل الحرب الى أهلية بيد أن انهيار جيش لحد (كان ينتمي إليه العميل اللبناني الأميركي عامر الفاخوري الذي غادر لبنان عبر السفارة الأميركية بتعاون مع الحكومة اللبنانية التي يعدّ حزب الله عرّابها بعد قرار كف التعقبات بحقه الذي أصدرته المحكمة العسكرية رغم اتهامه بمجازر ارتكبها بحق الجنوبيين) كان مفاجأة لجيش العدو، لكن أداء المقاومة عام 2000 جنب لبنان حرباً أهلية طائفية خطّط الإسرائيلي لإشعالها في حين قدمت المقاومة نموذجاً مشرفاً في التعاطي مع العملاء".