تشهد ساحة الأردن إضرابات عمالية وقطاعية، منها للمطالبة بحقوق ومكتسبات وظيفية ومعيشية، أو احتجاجاً على قرارات حكومية اتخذت في الآونة الأخيرة وألحقت أضراراً بأنشطة اقتصادية عدة في البلاد.
ونفذت نقابات عمالية وعاملون في مؤسسات حكومية وخاصة اعتصامات خلال الأيام القليلة الماضية، وما زالت مستمرة للضغط على جهات عدة لتحسين الأوضاع المعيشية للموظفين والعمال والالتزام باتفاقيات عمالية وقّعت سابقاً.
وحددت بعض القطاعات، بخاصة تجارة السيارات والمستثمرين في قطاع الإسكان، مواعيد لتنفيذ توقف عن العمل بشكل نهائي بعدما فشلت جهودها.
في هذا الإطار، أعلنت النقابة العامة للعاملين في الكهرباء التوقف التام عن العمل في كافة مواقع شركة الكهرباء الوطنية، احتجاجاً على مخالفات الشركة القوانين وقرارات المحاكم وعدم تنفيذ التوافقات التي تمت في لجنة العمل في مجلس النواب.
وقالت النقابة في بيان، إن العاملين في الكهرباء سيبدأون إضرابهم اعتباراً من صباح الإثنين المقبل، إلى أن تتم تلبية كافة المطالب العمالية.
ووفق بيان النقابة، إن الشركة خالفت قانون العمل الأردني، ودينت بجرم مخالفة أحكام المادة 59 المتمثلة في عدم الالتزام ببدل العمل الإضافي، وذلك بموجب قرار قضائي، إضافة إلى عدم التزامها بصرف مكافأة نهاية الخدمة ومستحقات مالية أخرى.
وقالت النقابة إن إدارة الشركة ما زالت تمعن في رفضها الامتثال للقوانين وقرارات المحاكم العمالية. ولذلك، فإن النقابة تحمّل مجلس إدارتها المسؤولية الكاملة والمترتبة على عدم تطبيق القوانين وقرارات المحاكم العمالية.
ومن مشاهد التصعيد، نفذ عاملون في أمانة العاصمة إضراباً عن العمل للمطالبة بحقوق وظيفية وتأكيد أهمية تحقيق المساواة بين العاملين.
وقد علق العاملون موقتاً قبل يومين إضرابهم الذي دام أياماً عدة، على وعد تحقيق مطالبهم بتحسين أوضاعهم المعيشية وصرف زيادات على الرواتب ورفع العلاوات. وبخلاف ذلك، أكد العاملون أنهم سيعاودون الاعتصام مرة أخرى من دون توقف.
كما أعلن العاملون في شركة توزيع الكهرباء عزمهم على اتخاذ إجراءات تصعيدية ضد إدارتهم، لعدم استجابتها لمطالبهم بتحسين أوضاعهم المعيشية.
إلى ذلك، قال رئيس المرصد العمالي الأردني، أحمد عوض، لـ"العربي الجديد" إن نتائج تقرير أعده المرصد أخيراً تظهر استمرار حالة الإنكار والإهمال للفجوات الحقيقية التي يعانيها سوق العمل وتعمق الاختلالات الاجتماعية، ما سيؤدي إلى عدم الاستقرار على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وأضاف أن التقرير أوصى بتطبيق مبادئ ومعايير العمل اللائق والحقوق الأساسية على العاملين بأجر ترافقه إعادة النظر في سياسات الأجور بالقطاعين العام والخاص وزيادتها، لأن مستوياتها منخفضة جداً ولا تتلاءم مع ما يشهده الأردن من ارتفاع للأسعار التي تعتبر الأعلى عربياً، وفق تقارير دولية متخصصة.
ودعا إلى وضع حد أعلى للأجور، إذ إنه في الوقت ذاته الذي تقل فيه رواتب نحو ثلثي العاملين بأجر عن 700 دولار شهرياً، فإن هنالك كبار موظفين يعملون في المؤسسات ذاتها بالقطاعين العام والخاص ويحصلون على رواتب مرتفعة جداً، ما يزيد من مستويات التفاوت الاجتماعي.
وكشف التقرير السنوي للاحتجاجات العمالية في الأردن لعام 2017 عن تنفيذ 229 احتجاجاً مقارنة بـ288 احتجاجاً لعام 2016، بانخفاض نسبته 20.4%.
وبيّن التقرير الذي صدر قبل أيام عن برنامج المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أنه لا يمكن اعتبار ذلك مؤشراً إلى تحسن ظروف العمل بالأردن أو توافر عمل لائق، بل يمكن تفسيره بشعور سائد لدى غالبية العمال بعدم جدوى الاحتجاج، كونه لا ينتج تأثيراً إيجابياً، كأن يستجاب لمطالبهم، ومرد ذلك عدم التفات الحكومة وأصحاب الأعمال للاحتجاجات وإهمال أغلبها، إضافة إلى ما يمارسه أصحاب أعمال ومؤسسات حكومية مختلفة من ضغوط، منعت مجموعات عمالية من تنفيذ احتجاجات عمالية.
وقال التقرير الذي أُعد بالتعاون مع مؤسسة "فريدريش إيبرت" الألمانية، إن استمرار الاحتجاجات العمالية "يدل على ضعف الحوار الاجتماعي بين أطراف العمل، وغياب واضح لغالبية النقابات التي تمثل العمال، ومحدودية تجربة العاملين في تقنيات التفاوض والحوار".
وفي ما يتعلق بأنواع الاحتجاجات، قسمت لغاية هذا التقرير إلى: إضرابات، اعتصامات، تهديدات، أو التهديد بإيذاء النفس أو الانتحار، إذ بلغ عدد الاعتصامات العمالية 152 وبنسبة 66.4%، أما الإضرابات فبلغت 44 وبنسبة 19.2%، فيما بلغت التهديدات بإجراءات احتجاجية 21 وبنسبة 9.2%، أما التهديد بإيذاء النفس أو الانتحار فبلغ 12 وبنسبة 5.2%.
وفي ما يخص أسباب الاحتجاجات العمالية، كان أهمها المطالبة بزيادة الأجور والعلاوات، وتحسين منافع وحوافز العاملين، والاعتراض على الفصل من العمل، والمطالبة بالتثبيت في العمل، إضافة إلى أسباب أخرى.
إضرابات قطاعية
وقد ازدادت خلال الربع الأول من العام الحالي احتجاجات القطاعات الاقتصادية على قرارات حكومية، لدرجة اللجوء إلى الإضرابات عن العمل خلال الأيام القليلة المقبلة.
وقررت جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان في الأردن البدء بالتوقف عن العمل في قطاع الإسكان، اعتباراً من 22 الجاري ولمدة أسبوع في مختلف محافظات المملكة، احتجاجاً على نظامي الأبنية والتنظيم لمدينة عمان لسنة 2018 ونظام الأبنية والتنظيم للبلديات.
كما قرر المستثمرون وفقاً لرئيس الجمعية زهير العمري تنفيذ اعتصام شامل في ساحة النخيل المشهورة وسط العاصمة عمان، يشارك فيه المستثمرون في قطاع الإسكان والجهات المتضررة من النظامين في الثاني من مايو/أيار والذي يلي البدء بتطبيق نظام الأبنية لمدينة عمان بيوم.
وقال العمري في تصريحات صحافية، إن الجمعية ستنسق الجهود للعمل مع كافة الشركاء المهنيين والقطاع التجاري والصناعي وتعزيز التواصل مع الفعاليات النيابية واللجان المحلية للتصدي لتطبيق النظاميْن.
ويطالب المستثمرون في قطاع الإسكان الحكومة بالتراجع عن نظام الأبنية الذي يحد من عمليات الاستثمار في القطاع، إضافة الى معوقات أُخرى تتعلق بحسب المستثمرين بارتفاع الكلف والبطء في إنجاز المعاملات.
وأعلن المستثمرون في تجارة المركبات أنهم سيتوقفون عن العمل والتخليص على السيارات خلال الشهر الحالي، لإصرار الحكومة على قرار رفع الضرائب والرسوم على السيارات بخاصة التي تعمل على البنزين والكهرباء معاً.
وقال رئيس المرصد العمالي عن هذه الاحتجاجات، إنها اجتماعية اقتصادية، وإن هذين القطاعين تعرضا لضغوط كبيرة خلال السنة الماضية بخاصة الأشهر الأخيرة من عام 2017، حيث تراجع قطاع الإنشاءات بسبب حالة التباطؤ الاقتصادي التي يشهدها الأردن منذ عدة سنوات، والسياسات الاقتصادية التي تطبقها الحكومة والتي أدت إلى ارتفاع غالبية الأسعار، فاتجه الناس نحو تركيز الإنفاق على السلع الأساسية اليومية كأولوية.
أما بخصوص قطاع تجارة السيارات، فقال عوض: "لقد أصابت مقتلاً القرارات الأخيرة الرامية إلى زيادة الضرائب غير المباشرة (الجمارك) على السيارات الهجينة، الأمر الذي جمد العمل في هذا القطاع، وقلل الطلب على شراء السيارات بشكل عام".