صغاراً كنّا حين سمعنا أمّهاتنا يردّدن أنّ "العمر بيخلص والشغل ما بيخلص". على عكسنا، كان هناك نهاية لعملنا أو واجباتنا. نجلس منهكين على الكنبة، ونراقبهن يواصلن عملاً لن ينتهي، وكأنهنّ وُجدن دائماً لهدف ما، هو إنهاؤه ذات يوم وقبل أن ينتهي العمر. وبحسب ما يردّدن دائماً، يبدو أنهن إذا ما توفين، سيورثن الغبار لأخريات وآخرين، قد يكونون معنيّين مثلهنّ بأعمال البيت وغيرها. والتفكير بكلّ هذه الأعمال، والحكم مسبقاً بأنّها لن تنتهي، همّ بحدّ ذاته.
يوم الإثنين مخصّصٌ لتنظيف البيت، والثلاثاء لشراء الفاكهة والخضار وتنظيفها. والأيّام الأُخرى هي لإعادة هذين اليومين بساعات أقلّ، بالإضافة إلى غسل الثياب ونشرها وكيّها وتوضيبها، وإعداد الطعام، وإنهاء بعض المهام الخارجيّة. أمّا الأحد، أي يوم العطلة الرسمي، فهو "فراغ" للتخطيط لأيّام الأسبوع الأخرى. الأحد لم يفصل يوماً بين الأيّام الستّة التي تسبقه وتلك التي تتبعه.
من دون أن ندري أو يدرين، ورثنا منهنّ هموماً كثيرة. وبتنا نخاف ألّا تنتهي الأعمال، تلك التي نبغضها، وتبقى تُلاحقنا. همّ يضاف إلى همومنا المتعدّدة، نحن الذين دخلنا في دوّامة العمل الكثير حتّى لا نفنى. والفناء هنا لا يتعلّق بالنوع، بل فينا كأشخاص.
وعملُنا أيضاً لا ينتهي، نساءً كنّا أو رجالاً. المعادلة بسيطة. فإنْ احترقت الطبخة، هذا لا يعني بأنّ عملنا/ نحن الجيل الذي كان يسخر من الجيل الذي أنشأنا، انتهى. علينا ببساطة إعداد وجبة أُخرى لأنّنا في حاجة إلى تناول الطعام. فجأةً، نصبح مثلهن، ولا نختار الحلّ الأسهل بالضرورة، أي تناول الطعام في مطعم مثلاً. ولا يتعلّق الأمر بمدى قدرتنا على تحمّل تكاليف أي مطعم في لبنان، وحتّى الأرخص من بينها، بل هي مهمّة نرغب في أن ننجح فيها، طالما اخترنا فعلها.
هنّ على حقّ. ويمكن استبدال العمل بأيّة كلمة أخرى طالما أنّ الحياة مستمرّة. هنّ أيضاً خضعن لهذه العلاقة ما بين الحياة والعمل، والتي قد تقتل أيّة فرصة للحياة. وأخشى ونخشى أنّنا نتقمّص هذا الدور أحياناً، مهما كنّا قد حزنّا عليهنّ في السابق. نرثه مثل الغبار، أم أنّنا اعتدنا هذا الفعل وهذا الهمّ؛ ثمّة تفاصيل نمقتها لن تنتهي، وستتراكم فوق حواسنا.
هنّ أنفسهنّ، يقلن اليوم إنّ العمر الذي قضينه خاضعات للعمل "لا يحرز". هو قصير، وأقصر من أن يستوعب كلّ هذه الهموم، وأفكار تقود إلى تفتيت داخلي. كان عليهنّ أن يسبقنه. والندم ليس إلّا همّاً إضافياً. أمّا الغبار، فالأذى الذي يسبّبه أقلّ من الهمّ.
اقــرأ أيضاً
يوم الإثنين مخصّصٌ لتنظيف البيت، والثلاثاء لشراء الفاكهة والخضار وتنظيفها. والأيّام الأُخرى هي لإعادة هذين اليومين بساعات أقلّ، بالإضافة إلى غسل الثياب ونشرها وكيّها وتوضيبها، وإعداد الطعام، وإنهاء بعض المهام الخارجيّة. أمّا الأحد، أي يوم العطلة الرسمي، فهو "فراغ" للتخطيط لأيّام الأسبوع الأخرى. الأحد لم يفصل يوماً بين الأيّام الستّة التي تسبقه وتلك التي تتبعه.
من دون أن ندري أو يدرين، ورثنا منهنّ هموماً كثيرة. وبتنا نخاف ألّا تنتهي الأعمال، تلك التي نبغضها، وتبقى تُلاحقنا. همّ يضاف إلى همومنا المتعدّدة، نحن الذين دخلنا في دوّامة العمل الكثير حتّى لا نفنى. والفناء هنا لا يتعلّق بالنوع، بل فينا كأشخاص.
وعملُنا أيضاً لا ينتهي، نساءً كنّا أو رجالاً. المعادلة بسيطة. فإنْ احترقت الطبخة، هذا لا يعني بأنّ عملنا/ نحن الجيل الذي كان يسخر من الجيل الذي أنشأنا، انتهى. علينا ببساطة إعداد وجبة أُخرى لأنّنا في حاجة إلى تناول الطعام. فجأةً، نصبح مثلهن، ولا نختار الحلّ الأسهل بالضرورة، أي تناول الطعام في مطعم مثلاً. ولا يتعلّق الأمر بمدى قدرتنا على تحمّل تكاليف أي مطعم في لبنان، وحتّى الأرخص من بينها، بل هي مهمّة نرغب في أن ننجح فيها، طالما اخترنا فعلها.
هنّ على حقّ. ويمكن استبدال العمل بأيّة كلمة أخرى طالما أنّ الحياة مستمرّة. هنّ أيضاً خضعن لهذه العلاقة ما بين الحياة والعمل، والتي قد تقتل أيّة فرصة للحياة. وأخشى ونخشى أنّنا نتقمّص هذا الدور أحياناً، مهما كنّا قد حزنّا عليهنّ في السابق. نرثه مثل الغبار، أم أنّنا اعتدنا هذا الفعل وهذا الهمّ؛ ثمّة تفاصيل نمقتها لن تنتهي، وستتراكم فوق حواسنا.
هنّ أنفسهنّ، يقلن اليوم إنّ العمر الذي قضينه خاضعات للعمل "لا يحرز". هو قصير، وأقصر من أن يستوعب كلّ هذه الهموم، وأفكار تقود إلى تفتيت داخلي. كان عليهنّ أن يسبقنه. والندم ليس إلّا همّاً إضافياً. أمّا الغبار، فالأذى الذي يسبّبه أقلّ من الهمّ.