نساء من هذا الزمن: شكران مرتجى تثير إشكالية "الحرام"

10 ديسمبر 2014
مشهد يبرز تعنيف المرأة (العربي الجديد)
+ الخط -
انطلاقاً من حكاية واقعية عايشتها الكاتبة بثينة عوض، بحكم عملها كصحافية حيث أنجزت تحقيقاً صحافياً عن "التلاعب بأجنة أطفال الأنابيب"، استطاعت أن تكتب هذا الواقع وتجسّده في عمل درامي عبر مسلسل "نساء من هذا الزمن". وتبرز شخصية "ليلى" (شكران مرتجى) واحدة من بطلات العمل، الأكثر تعقيداً والتباساً على المشاهد.

وتكشف الكاتبة عوض لـ"العربي الجديد" أنّ "كثيراً من تفاصيل الشخصية التي قدّمت هي حقيقية"، مشيرة إلى أنّ "واقع الشخصية كان أشد قسوة مما ظهرت عليه في المسلسل، حيث بلغ تعنيف الزوج حدّ حرقها".
 
"ليلى" امرأة متعلمة، متزوجة من عامل بناء تعاني من تعنيفه الدائم، ومعاملته السيئة لها، نتيجة عدم جمالها وإحساسه بعقدة نقص تجاهها؛ كونها متعلمة وهو أميّ. وسرعان ما تزداد وتيرة المعاملة السيئة مع عجز ليلى عن الإنجاب، لذلك ستبدو ليلى أسيرة قناعة بأنّ إنجابها من شأنه أن ينهي مسلسل تعنيفها من قبل زوجها، وهو ما يدفعها إلى البحث عن أي سبيل يجعلها أماً، إلى أن تضطر أن تقوم بالتلقيح الصناعي بنطفة رجل غير زوجها، وهكذا تصير ليلى أماً، ولكنها تخرج من أسر الرغبة في الأمومة إلى أسر الندم، من دون أن تتغير معاملة زوجها لها وتعنيفه لها، وسرعان ما يكتشف هذا الأخير أنّ "الولد ليس من صلبه" فينهي حياة ليلى وحياته، فيما بات يعرف بـ"جريمة شرف".

وتوضّح عوض أنّها عادت إلى تبني شخصية ليلى وتمنحها بعداً درامياً، وتطورها بما يخدم حكايتها، ولا سيّما في المشهد الأخير الذي جاء مفارقاً لواقع الشخصية، حيث افترضت تسلسل الأحداث في المسلسل وطريقة تفكير الزوج وسلوكه أن ينتهي الأمر بجريمة قتل الزوجة.

وتؤكد الكاتبة في هذا السياق أنّ القتل الصريح للزوجة كان مقترحاً للمخرج، أمّا مقترحها الذي قدمته على الورق فقد كان ينتهي بمشهد رفع السكين في وجه الزوجة والابن.. وهي بذلك وإن عملت على تأثيم الزوج، إلا أنها رغبت في أن تكون النهاية دعوة إلى تأمل عميق ومحاكمة عقلية لامرأة تحمل ولداً من دون "نطفة" زوجها.

عملية الكتابة الثانية للشخصية كانت عبر أداء مختلف ومتفهم لطبيعة شخصية "ليلى" من قبل الفنانة شكران مرتجى. وفي الكتابة الثانية لشكران ستزداد القضية تعقيداً، حيث ستستطيع مرتجى أن تدخل مشاهدها إلى حيز تختلط المشاعر فيه تجاه "ليلى"، فتنجح بأدائها للشخصية في دفع المشاهد نحو التعاطف مع ليلى في كثير من الأحيان، متجاوزاً الإشكالية الحقيقية في الشخصية والتي تكمن في سؤال عريض: "هل حمل المرأة من نطفة رجل غير زوجها عن طريق التلقيح الصناعي ومن دون علم الزوج، يعد حراماً وخيانة زوجية و"حملاً غير شرعي"؟!

تقول الكاتبة بثينة عوض إن "ليلى" من أهم شخصيات العمل، وإنّ نموذجها الدرامي يُقدّم لأوّل مرة في الدراما السورية والعربية. ولعلّ مشكلة حكاية ليلى أنّها جاءت وسط حكايات كثيرة طرحت في مضمونها قضايا إشكالية عديدة.

هنا نحن نتفق مع ما ذهبت إليه الكاتبة، بأن الشخصية ضاعت وسط زحام الشخصيات الأخرى. وفي تقديرنا أنّ حكاية ليلى كان من المنتظر أن تثير الإشكالية الأكبر وسط حكايات بثينة عوض. إلا أنّ المشاهد وجد نفسه وسط حيّز ملتبس تجاه شخصية ليلى، وأقرب إلى التعاطف معها من محاكمتها، وربما رافضاً خضوعها واستكانتها، أكثر من رفضه أو تأييده خيار الحمل بنطفة رجل آخر. فهل غيّب الأداء التراجيدي العالي لشكران مرتجى هذا الجانب الإشكالي في الشخصية، أم غيّبته هي، انطلاقاً من فهمها للشخصية؟

في حوار مع الفنانة شكران مرتجى حول الشخصية، أبدت فهماً كاملاً لشخصية "ليلى" وإشكالية سلوكها وتصرفاتها، وبالتالي هي ضمنياً لم تغيّب من البناء الدرامي للشخصية الجانب الملتبس لحملها، وإنما أرادت أن توازن بين كفتي الإدانة والتعاطف مع الشخصية، لتجعل محاكمتها عقلية، كما أرادت الكاتبة بثينة عوض، لا غريزية، وعلى طريقة الزوج الذي أصدر حكمه بقتل الزوجة.

وتشرح شكران لـ"العربي الجديد قائلة: "عندما قرأت الشخصية، تلمّست أنّ مشكلة ليلى الجوهرية هي الأمومة، فهي تعتقد أنّ خلاصها من تعنيف زوجها سيكون بالولادة، لذلك هي تحلم بالأمومة. وللأسف سيكون هذا الحلم نهايتها". وتكشف شكران أنّها اختارت الظهور من دون مكياج أمام الكاميرا أثناء لعب الدور، بوصف ذلك واحدة من أدوات تجسيدها للشخصية، وفهمها لحالتها النفسية، وتوضح خيارها بالقول: "ليلى امرأة لا تشعر بأنوثتها، كانت تريد طفلاً لتشعر بها". وعن ظلال شخصية "ليلى" في الواقع، عما إذا كانت هناك مبالغة في واقع تجسيدها أمام الكاميرا، فتجيب: "أعرف نماذج كثيرة تشبه ليلى، وهناك كثير من الجرائم التي تحدث لها علاقة بتعنيف المرأة، وليلى نموذج. هي بلا شك مستسلمة لأنّها كانت أسيرة رغبتها بأن تكون أماً، روحها سجينة، وأجد أنّ من حقي الدفاع عنها، رغم أنّي ضد سلبيتها، وفي كل الأحوال أرى أنّ نهاية الشخصية كانت منطقية لضعفها وسلوكها السلبي".

ومن وجهة نظرها الشخصية، عمّا فعلته ليلى، هل هي خيانة زوجية وحملها غير شرعي؟ قالت: "أعرف ماذا يسمى ذلك؛ كونه لم يحدث بعلاقة مع رجل آخر على نحو طبيعي، ولكن ليلى كانت تعتقد أنّ الغاية تبرر الوسيلة، وأنّ خلاص عذاباتها سيكون بوجود الطفل، لكن ذلك كان بداية لعذاب الضمير والموت.. ليلى ظلمتها الحياة والظروف".

الحديث عن شخصية "ليلى"، هو باب للحديث عن الشخصية النموذجية، تلك التي يفترض أن تثير أسئلة مجتمعية وتترك تأثيراً لما تتمتع به من سمات وسلوكيات ومواقف من شأنها أن تحرك الماء الراكد في سلوكنا وعاداتنا وأفكارنا.

وإشكالية الغرض الذي تحمله بمضمونها شخصية "ليلى" هو ما استدعى الوقوف أمام معالجتها الدرامية، ولا ندّعي هنا تقديم آلية تصميم الشخصية، وإنّما أردنا إثارة أسئلة الجمهور حولها، لإعادة اكتشافها من جديد، وإعادة اكتشاف معنى دقيق لكيفية تعامل شكران مرتجى معها درامياً، وكيف أعادت بناءها أمام الكاميرا وصولاً إلى التأثير المطلوب.
دلالات
المساهمون