تسرع الستينية بيّة الخطى في محاولة للّحاق بالحافلة التي تنطلق من حيها الشعبي وسط العاصمة تونس، للوصول إلى منطقة البحيرة الراقية حيث تعمل لدى عائلة فرنسية طباخة منذ ما يزيد عن 14 عاماً. بيّة تضطر إلى استعمال ثلاث وسائل مواصلات للوصول إلى عملها.
بيّة كغيرها من العاملات الكادحات، لا تعرف عن اليوم الدولي للمرأة الموافق لـ8 مارس/ آذار من كل عام. ترى أن هناك فرقاً بين الاحتفالات والواقع. هي لا تعرف الراحة، وتعمل حتى خلال أيام العطل. تقول لـ"العربي الجديد": "على الرغم من السنوات التي قضيتها في العمل، إلا أنني لا أتمتع بالتغطية الاجتماعية والصحية، وأتقاضى 400 دينار (نحو 135 دولاراً شهرياً)، في حين أن بدل الإيجار يقدر بـ300 دينار (نحو 100 دولار)، وأحاول العيش ببقية المبلغ. ولولا مساعدة ابني المتزوج الذي يعيش معي، لما تمكنت من تحمل أعباء الحياة".
بيّة التي تظهر التجاعيد على محياها، تقول: "يومياً، أذهب إلى العمل من أجل تأمين لقمة العيش، وألتقي عشرات النساء الكادحات. أحياناً، نحكي عن تجاربنا. بعضنا يعمل في المصانع وأخريات في البيوت أو المطاعم، وغالبيتهن منهكات من جراء العمل المضني وأعباء البيت والأبناء". تضيف أن المرأة التونسية متعبة والمسؤولية على كاهلها كبيرة".
وخلافاً لبيّة، تبدو الخمسينية سميرة أكثر نشاطاً. إضافة إلى كونها تاجرة ملابس تسافر إلى العديد من البلدان لجلب البضائع وبيعها لاحقاً، فإنها تعد وتبيع خبز "الملاوي"و"الطابونة" والشطائر لعابري السبيل وأبناء حيّها الشعبي في محل صغير وضيق لا يتجاوز المترين المربعين. كانت سميرة تضع العجينة التي أعدتها غير عابئة بحرارة الفرن التي كادت أن تلسع أناملها. تؤكد لـ"العربي الجديد"، أن تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا حرمها من جلب البضائع من هناك، فاضطرت إلى جلب البضائع من تركيا.
تساهم المرأة التونسية في الناتج الخام التونسي بنسبة 68 في المائة، وهي حاضرة في قطاعات التربية والتعليم والصحة بنسبة 60 في المائة، وقطاع السياحة بنسبة 75 في المائة، والقطاع العام بنسبة 55 في المائة، بحسب وزير التجارة عمر الباهي. يضيف أن عدد النساء صاحبات الأعمال ارتفع إلى 19 ألفاً في عام 2018، 36 في المائة منهن ناشطات في القطاع الصناعي، و41 في المائة في مجال الخدمات، و22 في المائة في مجال التجارة. كما أنّ المرأة في تونس تشكل النسبة الأكبر من اليد العاملة في قطاع النسيج والملابس بنسبة 90 في المائة، و45 في المائة في قطاعي صناعة الأدوية والصيدلة.
ويرى الباهي أن المؤسسات التي تديرها النساء هي الأكثر إنتاجية، وأن تونس حققت بعض التقدم في المؤشرات الاقتصادية على الرغم من الوضع الصعب الذي تعيشه البلاد بفضل جهود وطموح المرأة التي تسعى دائماً للتقدم.
إلى ذلك، تقول الناشطة الحقوقية ورئيسة جمعية النساء الديمقراطيات يسرى فراوس، إن النساء العاملات هنّ ضحايا خيارات اقتصادية اتخذتها الدولة منذ سنوات عدة نتيجة الاتكال على رأس المال الأجنبي، أي المؤسسات الأجنبية. تضيف لـ"العربي الجديد"، أن القوانين التونسية شجعت الاستثمارات الأجنبية على هضم حقوق العاملات، ليصبحن ضحايا التقشف الذي مارسه المستثمرون الأجانب. وتبيّن أن المرصد التابع للنساء الديمقراطيات يشير إلى أن نسبة النساء ضحايا العنف الاقتصادي تزداد عاماً بعد عام، خصوصاً في قطاع النسيج. تضيف أنه حتى بعد التوجه إلى المحاكم في حالات الطرد التعسفي، يكون التعويض قليلاً، علماً أن أعمار غالبيتهن ما بين 45 و47 عاماً، ما لا يسمح بإعادة تشغيلهن مجدداً.
وتلفت المتحدثة إلى أنّ نسبة هامة من النساء العاملات يتوزعن على القطاع الصناعي والسياحة، لكنهن يعملن في ظروف سيئة وأجور متدنية، مع عدم احترام شروط السلامة المهنية أو حصولهن على ضمان اجتماعي. وتشير إلى أنّ أخطر ما تتعرض له المرأة العاملة هو العنف المعنوي من شتائم وإهانات، والعنف الجسدي. وكثيرات يصمتن حتى لا يفقدن عملهن في ظل غياب آليات رقابية من الدولة.
وتفيد فراوس بأن "بعض المهن ما زالت ممنوعة على النساء. على سبيل المثال، فإن مهنة ساعي البريد محصورة بالرجل، على الرغم من أن المرأة التونسية باتت قادرة على قيادة الطائرة". وتؤكد أنه "على الرغم من الصعوبات، فإن بعض التشريعات بعد الثورة ساهمت في تعزيز وحماية حقوق المرأة. نجد تونسيات في مواقع قرار ومراكز قيادية. كما ساهم قرار المناصفة في دعم وجود المرأة في مواقع القرار السياسي".
يشار إلى أنه جرى اعتماد استراتيجية وطنية للتمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء في المناطق الريفية 2017/ 2020، وصودق عليها خلال مجلس وزاري بتاريخ 8 مارس/ آذار في عام 2017. ويجري العمل حالياً على إعداد استراتيجية تهدف إلى ضمان ظروف عمل لائقة للمرأة الريفية، بما يضمن تمتعها بأجر عادل وتغطية اجتماعية لحمايتها من المخاطر.