نذير بلحاج لـ"العربي الجديد": ماجر مظلوم.. وهذه رسالتي لمزدوجي الجنسية

12 مارس 2019
نذير بلحاج نجم الكرة الجزائرية السابق (العربي الجديد/Getty)
+ الخط -
يُعتبر الجزائري نذير بلحاج أحد أبرز لاعبي منتخب محاربي الصحراء الذين شاركوا في مونديال 2010 وتمكّن من إثبات تألقه في مركزه الدفاعي، وشق طريق النجومية في عدد من الدوريات الأوروبية والعربية.

كيف تقيّم مشوارك الكروي لحد الآن؟
الحمد لله، أعتبرها مسيرة رائعة، بعد أن لعبت لأندية جيّدة في أوروبا، ثم انتقلت للعب هنا في الدوري القطري وقطعت مشواراً رائعاً للغاية. لقد لعبت لنادي السد ونلت معه كثيراً من الألقاب، واليوم أنا مع السيلية الذي يعد هو الآخر فريقاً رائعاً، نحن هنا بمثابة عائلة واحدة ونتفاهم جيداً، كما أنني أحاول نقل تجربتي للاعبين الشبان.

هناك من يقول إنه كان بإمكانك اللعب والتألق مع أندية كبرى في أوروبا، خاصة بعد مونديال 2010، ألا تعتقد ذلك؟

بالفعل، لقد كان بإمكاني اللعب في المستوى العالي ومع أندية كبيرة وقتها، لكن عندما تكون شاباً تتخذ بعض القرارات، أعتقد بأنني تسرعت كثيراً في بعضها، أحياناً يساورني إحساس بالندم من منطلق أنه سنحت لي بعض الفرص للعب لأندية كبيرة، ولكنني راضٍ تماماً لأنني لعبت مع لاعبين كبار في أولمبيك ليون الفرنسي، وكنت قادراً على الانتظار والتريّث قليلاً قبل اختيار وجهتي، لكن في الحياة هناك قرارات وخيارات يجب اتخاذها، وبالرغم من كل شيء أنا غير نادم إطلاقاً.

ما هي الأندية الكبيرة التي كانت ترغب في ضمك بعد المونديال؟
في عام 2010، كنت محل اهتمام كثير من الأندية الأوروبية، مثلاً في إيطاليا على غرار لاتسيو، فضلاً عن فريقين أو ثلاثة من الدوري الإنكليزي الممتاز. كما تنقل مندوبون عن نادي برشلونة إلى ليون حيث كنت ألعب قبل انتقالي إلى نادي بورتسموث الإنكليزي. لقد تحدثوا عني، لكنهم في النهاية تعاقدوا مع ايريك أبيدال الذي كنت بديله في ليون.

لماذا اتخذت قرار الانتقال إلى نادي السد؟
هذا الأمر حصل فجأة، لقد كنت ألعب في بورتسموث قبل مونديال جنوب أفريقيا، وكنتُ أعاني من إصابة وجئتُ إلى مصحة "سبيتار" بقصد العلاج، لأن الاتحاد الجزائري لكرة القدم كان متعاقداً معها. لقد كانت فرصة لي لاكتشاف قطر، كما أنني شاهدتُ مباراتين أو ثلاثاً في الدوري، وبعدها أجرى مسؤولو السد اتصالات معي وأعجبتُ بالعرض وبما يمتلكه الفريق من إمكانات ضخمة، قبل أن أوقع للسد مباشرة بعد المونديال.

وماذا تغيّر في قطر منذ ذلك الوقت؟
أنا هنا في قطر منذ عام 2010. لقد طرأت تغييرات كثيرة على البلاد؛ هناك تطور كبير وعمل مستمر، خاصة في مجال الرياضة، والهياكل الرياضية هنا استثنائية. لقد وقفت على تدريبات اللاعبين الشبان الذين يشتغلون في ظروف رائعة، كما أنني لعبت مع لاعبين جيدين في السد، على غرار عبد الكريم حسن وحسن الهيدوس، كما أعتقد بأن أكاديمية أسباير لعبت دوراً كبيراً في التطوّر الحاصل في الرياضة والكرة القطرية بشكل خاص، والنتيجة كانت مذهلة بتتويج قطر بلقب أمم آسيا. لقد أثبتوا قوّتهم وأدوا مشواراً استثنائياً، أنا سعيد لأن العمل الذي قاموا به أثمر، وأعتقد بأن هذا النجاح سيتواصل مستقبلاً، وخصوصاً أن قطر تملك منتخباً شاباً سيستمر بالتطور، كما أتمنى أن تنظّم دولة قطر مونديالاً جيّداً.

هل تتوقع أن يحترف عدد من لاعبي منتخب قطر في أوروبا، على غرار الهداف المعز علي مثلاً؟
اللاعبون القطريون محترفون أصلاً، هم يتدرّبون على الطريقة الأوروبية، هناك لاعبون يملكون تجربة مفيدة، على غرار من لعب في نادي يوبين البلجيكي، لقد تعرفوا هناك إلى المستوى واكتشفوا المستوى العالمي، وهناك أكرم عفيف مثلاً، أعتقد بأنهم قادرون على الاحتراف في أوروبا، لأنهم يملكون الإمكانات الفنية اللازمة، لكن ذلك يبقى مشروطاً ببعض العوامل المهمة، على غرار الاندماج في بيئة جديدة وكذلك الجانب التكتيكي، فمثلاً عندما تلعب في إنكلترا أو ألمانيا بعيداً عن عائلتك وأصدقائك، هناك كثير من الأمور التي يمكن أن تؤثر فيك. هناك اختلافات كثيرة، على غرار اللغة والأكل، أي الثقافة الجديدة.

لننتقل إلى الحديث عن المونديال الذي ستنظّمه قطر عام 2022
مونديال قطر يشغل حديث الناس منذ مدة، أنا واثق بأن هذه البطولة ستكون استثنائية والجميع ينتظرها، وخصوصاً أنها ستجرى في موعد مناسب في فصل الشتاء، الجو رائع هنا في قطر، أعتقد بأن مونديال قطر سيكون الأفضل على الإطلاق. لقد شاركت في كأس العالم وكأس أفريقيا وأعرف قيمة المنافسات الكبيرة جيداً، خاصة من حيث الموعد الذي سيقام فيه مونديال قطر، فاللاعبون سيكونون في أوج لياقتهم في منتصف الموسم الكروي، وسيدخلون المنافسات وهم محضرون جيداً، بخلاف إجراء البطولة في نهاية الموسم والتي تشهد عادة تعرّض اللاعبين للإصابات العضلية والتعب، فاللعب شتاء سيساعدهم كثيراً.

أثار اعتزالك المفاجئ اللعب مع المنتخب تساؤلات كثيرة. هل تخبرنا عن السرّ؟
لا يوجد أي سر، لقد كنت مرهقاً بسبب السفرات الطويلة المتعبة. ليس من السهل أن تلعب في أفريقيا ثم تسافر إلى أوروبا وآسيا. المهم أنني عشت لحظات رائعة مع المنتخب الجزائري، خاصة خلال كأس أفريقيا في أنغولا ومونديال جنوب أفريقيا، وبعدها ظهر جيل جيد من اللاعبين الشبان، ونحن رحلنا تباعاً، مثل كريم مطمور وعنتر يحيى وكريم زياني، وبقي بوقرة فقط. أعتقد بأنني كنت قادراً على الاستمرار لسنتين إضافيتين، لكنني اتخذتُ قرار الاعتزال الدولي، لقد كان خياراً فقط، عموماً أنا سعيد بما قدمته للمنتخب وبما عشته مع المجموعة، واليوم هناك جيل جديد ولاعبون مميزون أتمنّى أن يحققوا شيئاً بعد تألقهم في مونديال البرازيل.

غياب الجزائر عن مونديال روسيا ترك أثرا عميقا لدى الجماهير الجزائرية؟
بالفعل، خاصة وأننا تأهلنا مرتين متتاليتين إلى المونديال، وحققنا مشوارا رائعا في البرازيل، الشعب الجزائري كان ينتظر إنجازا جديدا لكنه لم يتحقق للأسف، اليوم هناك مدرب جيد وهو يسعى لتدعيم الفريق بلاعبين مميزين والهدف الأسمى يبقى التأهل لمونديال قطر، يجب ترك المنتخب يعمل في هدوء، نحن نملك اليوم لاعبين مميزين يلعبون في أوروبا قادرين على رفع التحدي.

عملت مع كثير من المدربين في المنتخب. من كان أفضلهم؟
من دون شك، رابح سعدان، لقد أثر فيّ كثيراً، هو مدرب يملك التجربة والخبرة والحكمة والرزانة، هو أفضل مدرب تعاملت معه على الإطلاق في المنتخب، وهناك الفرنسي جان ميشال كافالي أيضاً، لكن سعدان أحبه وأحترمه كثيراً. أحب سعدان الشخص والمدرب معاً، هو يعرف كيف يسيّر المجموعة، كما أنه يتميّز بالهدوء، لقد كان الاحترام والتقدير متبادلين بيننا.



من هو المدرب الأنسب للجزائر؟ المدير الفني الوطني أم الأجنبي؟
شخصياً، أعتقد أن الأفضل هو من يعرف الذهنية الجزائرية مثل رابح سعدان. هناك أيضاً رابح ماجر الذي كان لاعباً استثنائياً، لكنه تعرض لضغط شديد ولم يتركوا له الفرصة وكان مظلوما صراحة. وهناك أيضاً جمال بلماضي الذي أعتبره مدرباً "سوبر". لقد أدّى مشواراً رائعاً مع لخويا وصعد معه من الدرجة الثانية ونال معه كثيراً من الألقاب ومع منتخب قطر أيضاً، لهذا يجب أن نترك له الفرصة. أنتم تعرفون جيداً عقلية الجماهير المغاربية التي تفرض الضغط الرهيب وتطالب بالنتائج السريعة، لكن يجب ترك المجموعة تعمل، وأنا متأكد أنهم سيحققون شيئاً ما. جمال بلماضي يعرف كل شيء عن الجزائر، ووضع النقاط على الحروف مع الجميع، وبالنسبة للمدير الفني الأجنبي، أعتقد بأنه يحتاج إلى وقت أطول للاندماج.

هل تعتقد أنه من السهل لمدرب تسيير منتخب يعجّ بالنجوم؟
خلال مشواري مع المنتخب، لم يكن لدينا أي مشكل حيال هذا الأمر. يجب فقط على المدرب أن يعرف كيف يتحدّث مع اللاعبين. يجب أن يكون الجميع متحدين ويوثّقوا علاقاتهم، في وقتنا لم يكن هناك نجوم، لأن المنتخب كان هو النجم الأوحد. اليوم هناك رياض محرز وياسين براهيمي وغيرهما، ومع ذلك لا يوجد أي أمر يدعو للقلق من هذا الجانب. لقد حدثني مقربون من اللاعبين وأكدوا لي ذلك، لا توجد أية مشاكل، وحتى لو كانت فإنني واثق من أن المدرب بلماضي سيحلها في دقيقتين، هو يعرف كيفية تسيير الأزمات. اليوم يجب ترك اللاعبين يعملون، لقد حققوا أول الأهداف وهو التأهل إلى أمم أفريقيا، في انتظار الهدف الأسمى وهو مونديال قطر، وأتمنّى من كل قلبي رؤيتهم هنا. في اعتقادي حتى بلماضي يريد رفع هذا التحدي، كي يعود إلى قطر من بواية المونديال.

الوضع الذي يعيشه رياض محرز الذي لا يلعب أساسياً منذ مدة، ألا تعتبر الأمر مثيراً للقلق؟
محرز لاعب "سوبر"، لقد كان رائعاً في ليستر، ولم أفهم لماذا لم تتعاقد الأندية الكبيرة معه سريعاً بعد تألقه هناك، هو الآن في أحد أفضل الأندية على مستوى العالم، ويعمل تحت إمرة بيب غوارديولا الذي يعتبر أحد أفضل المدربين. أظن أن ابتعاده عن التشكيل الأساسي له علاقة بالاندماج وتوفر كثير من النجوم وكذلك التنافس الشديد، لكنني أعتقد بأن غوارديولا يعرف كيف يسيّر أمور الفريق. أنا لست قلقاً عليه إطلاقاً، هو يعيش نفس وضع بيرناردو سيلفا، في الموسم الماضي، لقد عانى كثيراً ولكنه عاد بقوة وأخذ مكان دي بروين. أمام محرز كثير من الوقت للتألق والبروز، ولقد شاهدنا أنه عندما يلعب يؤدي بشكل جيد، أنا واثق بأنه سيحصل على فرصته كاملة في الموسم المقبل.

وما هي النصائح التي يمكنك تقديمها لرياض محرز؟
أنا لا أعرفه شخصيا، لكنني أقول له إنه يجب أن يصبر، عندما تلعب في فريق كبير يجب أن تنتظر فرصتك وتتحلى بالصبر، لقد عشت نفس الوضع تقريبا في ليون، لقد كان هناك غروسو بطل العالم مع إيطاليا وقتها، وتنافست معه، لكن عندما تكون لاعبا شابا تريد اللعب بسرعة، ومثلا في نادي برشلونة عندما يضمون لاعبا يتركونه جانبا لبعض الوقت، على غرار راكيتيتش، الذي انتظر فرصته مع رحيل تشافي ثم انييستا، قبل أن يحصل على مكانة أساسية.

وما رأيك في اللاعب بغداد بونجاح؟
بونجاح "سفّاح"، هو لاعب رائع ولا يضيع فرص التهديف، أتمنى أن يدون اسمه بحروف من ذهب في تاريخ نادي السد، وأتمنى أن يرحل لفريق أوروبي كبير، هو يستحق ذلك وأثبت قدراته في كل النوادي التي لعب لها.

هل تعتقد بأن اللاعب يوسف عطال يشبهك كثيراً في طريقة اللعب؟
أنا لا أعرفه شخصياً، لكنني تابعته في بلجيكا حيث لم يلعب كثيراً، ومع انتقاله إلى نيس تطوّر كثيراً، وبدأ في تفجير مواهبه، هو يملك طاقة هائلة. هو أيضاً يستحوذ على الرواق الأيمن ويندفع نحو الهجوم ويعود بسرعة إلى الدفاع. هو بالفعل يذكرني بشبابي (يضحك). عطال يجتهد كثيراً وأتمنّى أن يتعافى سريعاً من الإصابة. الجميع سعيد به في نيس، خاصة المدرب باتريك فييرا، يجب أن يستمر في العمل وألّا يحرق المراحل. أتمنى أن ينتقل إلى فريق أكبر مستقبلاً.


ما رأيك في تردد بعض اللاعبين مزدوجي الجنسية من أصول مغاربية في اللعب لبلدانهم الأصلية؟

نحن ولدنا في فرنسا ولكننا جزائريون، هناك من ولد في ألمانيا أو إيطاليا، وأصوله تنحدر من الجزائر أو المغرب أو تونس، يجب أن يكون خيار اللاعب نابعا من القلب، إذا رفضت اللعب لبلدك الأصلي فهذا خيارك، لكنني ضد الدخول في الحسابات والتردد، أنت تملك الحق في أخذ وقت للتفكير بشرط ألا يتعدى ذلك الأسبوع، من حقك أن تتشاور مع عائلتك وأصدقائك، لكن يجب الحسم سريعا، جيلنا لم يتردد لحظة لاختيار بلد الآباء والأجداد، نحن لم نحسب حسابا للمال ولا للتحديات الرياضية، لقد كان فعلا خيار القلب، ومهما كان اسم البلد الذي ولدت فيه، عندما يناديك بلدك يجب أن تأتي سريعا، وبالمقابل يمكنني أن أتفهم موقف بعض اللاعبين المتميزين الذين ينتظرون دعوة من منتخب فرنسا أو بلد آخر، خاصة إذا كان لاعبا جيدا، في أوروبا عندما تكون لاعبا فرنسيا مثلا تفتح لك كل الأبواب للاحتراف واللعب في أكبر الأندية، وإذا كنت جزائريا أو تونسيا الأمر يختلف تماما.

هناك من اللاعبين من ندم على اختياره وهناك من لم يندم، لكنني شخصيا لعبت في الفئات الشبانية في فرنسا، لكن عندما جاءني نداء الوطن الأم اخترت الجزائر وأنا فخور بذلك وغير نادم أبدا.

هناك حالة أخرى تكفل لك حرية الاختيار براحة تامة، وهي عندما تكون لاعبا كبيرا، يمكنك أن تلعب لبلد أفريقي، مثل ساديو ماني مع السنغال وديدييه دروغبا مع كوت ديفوار وبيير أوباميانغ مع الغابون أو نابي كيتا مع غينيا. ومن الرائع أيضا أن ترى المصري محمد صلاح يلعب لمنتخب مصر، أنا أعتبره نجما كبيرا وخارقا وهو يلعب لفريق أوروبي كبير، وأنا أستمتع كثيرا بمشاهدته يلعب.

ما هو الأمر الذي لا يمكنك أن تنساه خلال مشوارك الكروي؟
هناك الكثير من الأمور، على غرار المباريات التي خضتها في الجزائر سواء بملعب 5 جويلية أو البليدة، هناك أيضا التأهل إلى مونديال جنوب أفريقيا في الخرطوم بفضل عنتر يحيى الذي سجل هدفا خارقا، هي لحظات لا تنسى، أنا فخور وسعيد لأننا منحنا كل شيء للجزائر.

ما هي الرسالة التي تود تبليغها للجماهير الجزائرية؟
"وان تو ثري فيفا لالجيري"، الجماهير كانت فعلا الرجل الـ12 على مدرجات الملعب، أنا أشعر بالفخر لأنني لعبت مع الجزائر وبجماهيرها الاستثنائية، التي كانت دائما معنا لمساندتنا، لا يمكنني أن أنسى أبدا القشعريرة التي كانت تجتاح جسدي داخل الملعب، وسعيد لأننا منحنا كل شيء للجماهير، حتى في اللحظات الصعبة، أقول للجماهير الجزائرية شكرا لكم عشت معكم لحظات استثنائية.
دلالات
المساهمون