نجمة فلسطين

15 ابريل 2019

(إسماعيل شموط)

+ الخط -
أفكر أحياناً أن النجوم تغير مواقعها، فلا نعود نراها، خصوصاً عندما نكون في المدن الكبرى، حيث التشويش البعدي هائل، والسماء تتحول قبةً من العوادم والرماد. هذا الكلام أقرب إلى الشعر منه إلى الفلك.
قبل الأضواء، من أي نوع، كانت النجوم. تلك هي المصابيح التي دلّت أسلافنا إلى مقاصدهم. لكل نجمةٍ رحلة نجمة. لكل جهةٍ ذلك الشعاع الفضي الناري، فإذا كانت النجوم لا تغير مواقعها فمن يتغير؟ نحن أم الموقع الذي ننظر منه؟ نحن الذين نتغير. أقصد الأرض قرباً أو بعداً.
كنت مرة مدعواً إلى مهرجان شعري في مدن القنال، الإسماعيلية والسويس، كانت سماء القاهرة سوداء وثقيلة. ولكن ما إن خرجت من العاصمة المصرية، حتى صار بالإمكان رؤية السماء.. سماء الرب التي تعلو سماء البشر. ظهرت الزرقة وبعض الغيوم البيض.. ثم ظهرت النجوم التي هدت أسلافنا، نجوم الترحال.. والتجارة والحظوظ والشعر.
إذا افتقدنا اليوم نجمة فلسطين فهذا هو السبب: التلوث السياسي والبيئي والفكري... دار ويدور نقاش في بعض المراكز العربية عن الثمن الذي دفعته شعوب تلك البلدان من تنميتها وحرياتها في سبيل القضية الفلسطينية. وهذا صحيحٌ جزئياً، لكن آخر تلك الأثمان (حرب 1967) مرت عليه نحو ستة عقود من الانكفاء الداخلي.. والتركيز على الذات، فماذا فعلت تلك الأنظمة، ونخبها لشعوبها؟ أي تنمية تحققت؟ أي عدالة اجتماعية، بل أي حريات؟ وصل الأمر بكتاب ورجال دين ممن صدعوا أدمغتنا بإسلامياتهم إلى أنهم قالوا إن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل مجرد شأن داخلي، ثم أولئك الذين قالوا لماذا لا يتداعى الفلسطينيون في الخارج لتحرير بلادهم، بدلا من انتظار الآخرين ليفعلوا ذلك.
كلام مرسل ورخيص، لم يكن متصوّرا الجهرُ به، حتى من أعتى الرجعيين والمتصهينين. هذا عدا عن الهرولة الفعلية للتطبيع المجاني مع إسرائيل، واضعين ذلك على ظهر القضية الفلسطينية نفسها.
لقد خسر العرب النجمة الهادية التي كانت تجمعهم وتدلهم على الطريق، ولم يربحوا أنفسهم. هل الفضاء العربي الآن أفضل من دون تلك النجمة، حتى بالنسبة للأنظمة، وللذين اعتبروها عبئا سياسيا وماديا؟ كلا، لقد خفت أوزان تلك الأنظمة وفقدت أوراقها، حتى بالمعنى الانتهازي والمصلحي.
E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن