نجحت الخدعة وفشل الجمهور

25 يونيو 2015
ندى سلامة (مواقع التواصل)
+ الخط -
انتفضت صفحات التواصل الاجتماعى منذ أيام على خبر انتحار الأيقونة الزائفة ندى سلامة، فبادر القريب والبعيد، من يعرفها ومن لا يعرفها، بكلمات النعي وطلب المغفرة، دموع غير مرئية وآهات غير مسموعة، فاصل بل فصول من النعي الدعائي المبتذل، فاصل وفصول من بالونات الإنسانية الفارغة، فاصل وفصول من كلمات الأسى والحزن والرثاء..


"الله يرحمها..انتحرت ازاي؟.. كانت بنت جدعة.. أنا معرفهاش بس شفتها مرة وهي بتعزف.. كانت فنانة رقيقة.. مين ندى دي يا بني اللي الفيس مقلوب عليها.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. ربنا يصبر أهلها ويصبرنا.. والله ارتاحت من القرف اللي احنا فيه.. بس الانتحار كفر وحرام.. عموماً ربنا يرحمها هتنزل القهوة بكرة الساعة كام.. على فكرة ندى منتحرتش ندى اتقتلت.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. هو الخبر ده صحيح اتأكدت من صحته.. أختها وواحد صاحبها أوي نشروا الخبر على صفحاتهم".

والغريب أن بعض النخب المثقفة والمحسوبة على تيار الثورة تماهى مع الخبر واعتبره حدثاً جللاً، وبعضهم الآخر حاولوا توظيفه سياسياً، وبسرعة البرق خرجت علينا صور المنتحرة الكذوب فى أوضاع مختلفة وهي تضحك، وهي حزينة، وهي تعزف، وهي تدخن، ويا بختك لو كان لك صورة مع المنتحرة، وبسرعة "الفيمتو" بتاع أحمد زويل تغيرت البروفايلات وأصبحت صور المنتحرة تصول وتجول من حولك، واختنق فيسبوك من هول اللايكات والتعليقات، وانتشرت الفيروسات الكاذبة الدعائية المبتذلة على صفحات التواصل من فرط التسابق المحموم ونوبة الصرع التي انتابت الكثيرين منهم في نعي المنتحرة المخادعة، والمؤسف والمضحك أيضاً أن بعض المواقع الإخبارية والصحف الشهيرة تداولت الخبر بدون أية مهنية أو تحقق من صحته، وكأن كل هؤلاء قد شاركوا ندى سلامة في الخدعة السخيفة حتى يتعرى مجتمع فيسبوك وتويتر أمام نفسه وأمام السلطة الحاكمة، حتى تتعرف أكثر أجهزة الدولة على شخصية متصفحي التواصل كي تعلم كيف تتعامل معهم، وكيف تلهيهم وتملأ فراغهم، وكيف تكذب ويصدقون، ما فعلته ندى سلامة في خديعة انتحارها، هو اختبار حقيقى رسب فيه الكثيرون من متصفحي التواصل ونجحت فيه المنتحرة ومن شاركوها بامتياز.. وهذا لا ينفي أن بعضهم ممن عرفوا ندى عن قرب نعوها بحزن وأسى حقيقي بحكم العلاقة بالضرورة، لكن المؤكد أن الكثير نعوها بمشاعر مفتعلة ومبتذلة ودعائية على طريقة (كوهين ينعى ولده ويصلح ساعات)، ومثلما هناك أسباب كثيرة للانتحار، هناك أسباب كثيرة للإحباط تؤدي بضعاف النفوس إلى الانتحار.. والسؤال الذي يطرح نفسه أيهما أحق بالاحترام والتقدير والثناء، إنسان ضاقت به سبل الحياة فظل يصارع الفشل والإحباط باحثاً عن أمل يدفعه للاستمرار، أم إنسان آخر أقر بهزيمته مبكراً واستسلم لغيّ الانتحار؟

فالمحبطون لا يصنعون مجداً، والمحبطون لا يحققون انتصاراً، والمناضلون لا ينتحرون.. فكم من هزائم تحولت إلى انتصارات؟ وكم من فشل تحول إلى نجاحات؟ فإذا كانت ندى سلامة وبعض من شاركها استطاعوا أن يسحبوا غالبية جمهور مواقع التواصل لساعات طوال لحساب خديعة الانتحار.. فما بالك بخداع أجهزة الدولة وإعلامها الكاذب؟ فأكذوبة الانتحار وغيرها من الأكاذيب تؤكد على حقيقة عدم الوعي التي تستغلها السلطات الحاكمة لإحداث حالة من الإشباع وملء الفراغ الثوري والسياسي.

(مصر)