في ظل الضغط الشعبي الذي انعكس من خلال تظاهرة تل أبيب، مساء السبت، وتحفظات شرائح واسعة وجهات مختلفة والعديد من وسائل الإعلام، استسلم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ورفع العلم الأبيض حيال "قانون التوصيات"، أو ما يُعرف بقانون إسكات الشرطة، الذي كان من شأنه أن يحميه من التحقيق، وهو ما كان ينتظر التصويت عليه، اليوم الإثنين، في الكنيست، في وقت تلاحقه شبهات فساد في العديد من القضايا.
واعتبرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في مقال تحليلي للكاتب يوسي فيرتر، أن "نتنياهو سجل هزيمة مجلجلة وخضع للواقع من دون أية شروط، بعد محاولاته تمرير القانون، الذي يمنع الشرطة من نشر توصياتها حول التحقيقات في شبهات الفساد مع المسؤولين".
وكان نتنياهو قد تراجع وقال، أمس، إنه سيوصي بألا يسري عليه القانون المقترح، وهو ما اعتبره محللون مراوغة إضافية لحفظ كرامته، بعد أن فرض عليه الواقع التراجع إلى هذه النقطة.
ويرى فيرتر أنه "في الوقت الذي تبيّن لنتنياهو أن الأغلبية الائتلافية في خطر حقيقي، وأن الأمور ليست على ما يرام، أراد أن يحدّ من الخسائر. لقد هرب إلى الخلف لحفظ ماء وجهه، وترك خلفه الوزراء وأعضاء الكنيست الذين أذلّوا أنفسهم لأجله، وحاولوا تبرير القانون بكل الطرق، وهي تبريرات باتت بائسة".
ولا يخفى أن تصريحات نتنياهو بعدم سريان القانون عليه لا تقنع أحدا، لا سيما أن الائتلاف الحكومي حاول بكل الطرق تعجيل تمرير القانون في ظل التحقيقات معه.
ويشير المقال المنشور في صحيفة "هآرتس" العبرية إلى أن "خطوات نتنياهو الأخيرة تدل على شخص فقد حسن التقدير والتوازن النفسي". الأمر بدأ مع "القانون الفرنسي"، الذي يحظر التحقيق مع رئيس حكومة خلال فترة ولايته، والذي تم اقتراحه للإجهاز على التحقيقات مع نتنياهو في الملفات 1000 (المتعلقة بتلقي هدايا) و2000 (الفساد في قضية مالك صحيفة يديعوت أحرونوت)، بالإضافة إلى الملف 3000 المتعلق بصفقة الغواصات، و4000 المتعلق بشركة "بيزك" الإسرائيلية للاتصالات.
هذه المحاولات لتمرير القانون الفرنسي، تم دفنها في مهدها. ومنذ بدء الدورة الشتوية، يحاول نتنياهو ومساعداه المركزيان في حزب "الليكود"، دافيد أمسالم، وهو مشتبه سابق، ودافيد بيطان، رئيس الائتلاف الحكومي (المشتبه بقضية فساد ورشى وصلات مع عصابات إجرام، وتم التحقيق معه يوم الأحد)، تمرير قانون "التوصيات"، بيد أن شبهات الفساد التي تلاحقهم هبطت بسمعة الليكود والائتلاف الحاكم إلى حضيض غير مسبوق. "لقد دمغوا الليكود كحزب غارق في الفساد".
دافيد أمسالم له حساباته مع عناصر الشرطة الذين سمحوا لأنفسهم بدعوته للتحقيق في قضيتين مختلفتين في السابق، وخرج منهما من دون لائحة اتهام. أما دافيد بيطان، رئيس الائتلاف الحكومي، فواضح اليوم بعد التحقيق معه أن دافعه لتمرير القانون كان رؤيته المستقبلية لاحتمال وصوله إلى هذا الوضع، ومن خلفهما كان نتنياهو هو من تحكّم في خيوط اللعبة في الغرف المغلقة.
يتابع الكاتب متحدثا عن نتنياهو أنه "كمن يعرف كيف يحافظ على نفسه من دون أن تطاوله القذارة، لا يمكن ضبطه في أي مقولة أو فعل متّصلين بنشاط دافيد امسالم ودافيد بيطان" (ما عدا ضبط رئيس الطاقم في ديوان نتنياهو يوؤاف هيروفيتش، متلبسا أثناء توجهه إلى مكتب المبادر للقانون دافيد أمسالم الأسبوع الماضي، في ذروة المناقشات حول القانون).
ويضيف الكاتب ذاته أن "كل شيء كان جاهزا، كل شيء كان مسموحا به، من أجل بلوغ الهدف الرئيسي: بناء جدار واق حول رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، الغارق في مخالفات فساد. الرائحة الكريهة انبعثت من كل مكان ووصلت إلى مستويات لم يعد بالإمكان احتمالها، مما دفع عشرات الآلاف إلى التظاهر في شوارع تل أبيب".
ويرى الكاتب أن "هذه الاحتجاجات الشعبية دفعت رؤساء الأحزاب في الائتلاف الحكومي إلى إعادة حساباتهم. لقد أدركوا أن عاصفة الغضب الجماهيري المتسارعة ستطاولهم ولن ينجوا منها. حزب "كولانو" الذي يترأسه وزير المالية، موشي كحلون، والذي كان قد صرح سابقاً أن قانون التوصيات بصيغته المعدلة ليس شخصياً، عاد واشترط اليوم دعمه للمصادقة النهائية عليه، بالبدء بتطبيقه بعد ثلاثة أشهر من نشره في الصحيفة الرسمية. بمعنى آخر، بعد وقت طويل من انتهاء الشرطة من التحقيقات في الملفين 1000 و2000. كان هذا اعترافاً بالذنب من كحلون، والذي صوره بمظهر سيئ جدا كمن يدعم الفساد، ولم يكن صادقاً مع الجمهور، وخاف من ردة الفعل فأعاد حساباته".
وشدد المتحدث ذاته على أن "الأمر ذاته ينطبق على حزب "البيت اليهودي"، الذي أراد ترك هذا "الرجس" خلفه. وسبق ذلك موقف وزير القضاء الإسرائيلي، أييلت شاكيد، التي ضربت بالجهاز القضائي الذي تقف على رأسه عرض الحائط. فصحيح أنها قامت بتحصيل تعديل أو اثنين على القانون، ولكنها عملياً سارت مع التيار الداعم لتوجهات نتنياهو، ومدت يدها للصيغة النهائية التي رفضها واستنكرها كبار المسؤولين في النيابة في وزارتها".
وأبرز تقرير "هآرتس": "لم يكن الوضع مريحا بالنسبة لوزير الأمن الداخلي/ وزير الشرطة، جلعاد أردان، من حزب "الليكود"، والذي في مرحلة ما تعهد بأنه لن يسمح بالمس بعمل الشرطة، ولكنه فجأة اختفى عن الساحة، على ما يبدو نتيجة ضغوطات مورست عليه من مكتب نتنياهو. أما المحققون فبقوا وحدهم في الميدان".
ويخلص الكاتب إلى أن "السياسيين تحدثوا، صرحوا وتعهدوا، وفي لحظة الحقيقة لم يبق منهم أحد. لقد بقوا في عارهم، ونحن بقينا مع الرائحة الكريهة".