15 نوفمبر 2024
نتنياهو وفزّاعة الشمال
من دون سابق إنذار، استيقظ العالم على تصعيد إسرائيلي على الحدود اللبنانية، بعنوان "أنفاق حزب الله"، ضمن العملية التي أطلق عليها الإسرائيليون اسم "درع الشمال". انتشرت التأويلات في الساعات الأولى للعملية أنها تمهيد لعدوان إسرائيلي على لبنان، قبل أن تنسحب العملية من صدارة الأحداث لحساب قضايا عالمية وعربية أخرى، ولتثبت الأيام أن العملية ليست إلا مناورة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو لحساب قضايا داخلية بحتة، خصوصاً أن أمامه استحقاقين مهمين في المرحلة المقبلة، أولهما مرتبط بشخصه واحتمال توجيه القضاء اتهامات له باستغلال السلطة، والثاني على صلة بحكومته وإمكان انهيارها في حال لم يتمكن من التوافق مع "الحريديم" (يهود متدينون متطرفون) على إقرار قانون التجنيد في الكنيست الإسرائيلي، بعدما منحتهم المحكمة العليا شهراً ونصف الشهر لإصدار القانون.
من الواضح أن نتنياهو كان بحاجة إلى قنبلة دخانية أكبر من التي يلجأ إليها بين حين وآخر في قطاع غزة، وفي الوقت نفسه لا تؤدي إلى جولة تصعيدية وزخات صواريخ كما يحدث في كل مرة يتم شن عدوان على قطاع غزة، خصوصاً أن الأمور اليوم تسير في إطار اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بمبادرة مصرية، غير أن الاتفاق لا يضمن عدم الانجرار إلى مواجهة جديدة مضبوطة، وهو مشهد يزيد إحراج نتنياهو الداخلي أكثر مما يفيده، ولا سيما أنه غير راغب، وغير قادر، على الدخول في عدوان موسع على قطاع غزة.
الأمر مختلف على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، حيث ستكون الأمور أكثر انضباطاً لاعتبارات عديدة، على الرغم من أن مخاطر المواجهة، في حال اندلاعها، ستكون أكبر بكثير من التي قد تحدث في قطاع غزة، وهو ما يدركه نتنياهو ورئيس أركانه. ولأجله كان الحرص على تنفيذ عملية "درع الشمال" بالشكل الذي هي عليه اليوم، أي من الطرف الفلسطيني من الحدود، بشكلٍ لا يخلق فرصة للاحتكاك المباشر مع حزب الله.
مؤكّدٌ أن قضية الأنفاق التي يحفرها حزب الله من الداخل اللبناني إلى فلسطين المحتلة ليست جديدة، وهي محل مراقبة إسرائيلية منذ نهاية حرب 2006 وصدور قرار مجلس الأمن 1701، غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي احتاج هذه الورقة في هذا التوقيت بالذات، لاستخدامها داخلياً، وهو مدرك أن أصداءها ستكون كبيرة، ومشابهة للإعلان الذي خرج به قبل فترة عن عملية للموساد في الداخل الإيراني، والحصول على ملفات تؤكّد استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم. وبالطريقة الاستعراضية نفسها التي خرج بها على الجمهور في ذلك الوقت، ظهر ليشرح مخاطر الأنفاق، وإلى أين تصل، على الرغم من أنه لم يتم اكتشاف سوى نفق واحد حتى الآن.
استعراض نتنياهو، كما يبدو، حقق مبتغاه، إذ رفع فزاعة الشمال بوجه الداخل الإسرائيلي، من دون أن يكون مضطراً للدخول في مواجهةٍ كبيرة تهدد الأمن الإسرائيلي. يعلم الجميع أن لا نتنياهو، ولا الجيش الإسرائيلي، ولا حتى حزب الله، يريدون الدخول في حرب، وخصوصاً في ظل الوجود الروسي في المنطقة، وعلاقته مع جميع الأطراف، إذ إنه يلعب دور ضابط الإيقاع في هذه المرحلة، وقادر على ضبط أي تحرّك كي لا يتدحرج إلى مواجهة، خصوصاً قبل نهاية الحرب في سورية، والتي استنزفت حزب الله إلى درجة كبيرة. ولعل صمت الحزب عن العملية الإسرائيلية على الحدود يأتي من فهمه غاياتها وحساباتها الداخلية الإسرائيلية، إضافة إلى عدم رغبته في رفع سقف تهديد لن يكون قادراً على الوصول إليه.
عملية "درع الشمال" مستمرة وقتا طويلا، هذا ما يقوله الإسرائيليون، لكن حدودها باتت واضحة، فموعد الحرب على الحدود الشمالية لم يأتِ بعد، وربما لن يأتي أبداً.
الأمر مختلف على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، حيث ستكون الأمور أكثر انضباطاً لاعتبارات عديدة، على الرغم من أن مخاطر المواجهة، في حال اندلاعها، ستكون أكبر بكثير من التي قد تحدث في قطاع غزة، وهو ما يدركه نتنياهو ورئيس أركانه. ولأجله كان الحرص على تنفيذ عملية "درع الشمال" بالشكل الذي هي عليه اليوم، أي من الطرف الفلسطيني من الحدود، بشكلٍ لا يخلق فرصة للاحتكاك المباشر مع حزب الله.
مؤكّدٌ أن قضية الأنفاق التي يحفرها حزب الله من الداخل اللبناني إلى فلسطين المحتلة ليست جديدة، وهي محل مراقبة إسرائيلية منذ نهاية حرب 2006 وصدور قرار مجلس الأمن 1701، غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي احتاج هذه الورقة في هذا التوقيت بالذات، لاستخدامها داخلياً، وهو مدرك أن أصداءها ستكون كبيرة، ومشابهة للإعلان الذي خرج به قبل فترة عن عملية للموساد في الداخل الإيراني، والحصول على ملفات تؤكّد استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم. وبالطريقة الاستعراضية نفسها التي خرج بها على الجمهور في ذلك الوقت، ظهر ليشرح مخاطر الأنفاق، وإلى أين تصل، على الرغم من أنه لم يتم اكتشاف سوى نفق واحد حتى الآن.
استعراض نتنياهو، كما يبدو، حقق مبتغاه، إذ رفع فزاعة الشمال بوجه الداخل الإسرائيلي، من دون أن يكون مضطراً للدخول في مواجهةٍ كبيرة تهدد الأمن الإسرائيلي. يعلم الجميع أن لا نتنياهو، ولا الجيش الإسرائيلي، ولا حتى حزب الله، يريدون الدخول في حرب، وخصوصاً في ظل الوجود الروسي في المنطقة، وعلاقته مع جميع الأطراف، إذ إنه يلعب دور ضابط الإيقاع في هذه المرحلة، وقادر على ضبط أي تحرّك كي لا يتدحرج إلى مواجهة، خصوصاً قبل نهاية الحرب في سورية، والتي استنزفت حزب الله إلى درجة كبيرة. ولعل صمت الحزب عن العملية الإسرائيلية على الحدود يأتي من فهمه غاياتها وحساباتها الداخلية الإسرائيلية، إضافة إلى عدم رغبته في رفع سقف تهديد لن يكون قادراً على الوصول إليه.
عملية "درع الشمال" مستمرة وقتا طويلا، هذا ما يقوله الإسرائيليون، لكن حدودها باتت واضحة، فموعد الحرب على الحدود الشمالية لم يأتِ بعد، وربما لن يأتي أبداً.