خرج الإسلاميون بخيبة سياسية من الانتخابات البلدية التي جرت، الخميس الماضي، في الجزائر، بفعل كثافة العوامل التي تصد، في كل استحقاق انتخابي، محاولتهم التقدم إلى صدارة المشهد، برغم أن واقع الحال والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية والتراجع الرهيب للحريات، وإخفاقات السلطة على هكذا أصعدة، وموجة الإحباط المجتمعي، كان يمكن أن تعطيهم فرصة أكبر لتحقيق اختراق انتخابي، وذلك في ظل مناخ سياسي غامض، يجعل من استمرار هذه القوى في المنافسة السياسية منجزاً في حد ذاته، وسط التراجع الديمقراطي الكبير في الجزائر.
وسارعت قيادات أحزاب سياسية من التيار الإسلامي إلى الاحتجاج على وجود ما اعتبرته تزويراً فاضحاً طاول الانتخابات البلدية. وأعلن رئيس حركة مجتمع السلم، عبد المجيد مناصرة، أن "الحركة ستقدم عدداً من الطعون أمام المجلس الدستوري بسبب التزوير الذي شاب عملية الانتخاب في بعض البلديات". وقال مناصرة، في مؤتمر صحافي أعقب الانتخابات، إنه "بالرغم من أن الحركة حصلت على نتائج أولية تفوق تلك التي حصلت عليها في العام 2012، بزيادة تقدر بنسبة 30 في المائة، غير أنه سيرفع عدة طعون أمام الهيئة المختصة بسبب التزوير الذي حدث في بعض البلديات". وفاز الإسلاميون برئاسة أقل من 60 بلدية من مجموع 1541 بلدية، سيطر على رئاستها حزبا السلطة، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي. وحازت حركة مجتمع السلم على رئاسة 49 بلدية، وحصلت على 152 مقعداً في المجالس الولائية، فيما حاز التحالف الإسلامي، الذي يجمع حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية وحركة البناء، على رئاسة ثماني بلديات.
لكن قيادات إسلامية فاعلة رفضت تبرير الإخفاق الانتخابي للإسلاميين بوجود تزوير أو تلاعب في النتائج. وأكد الأمين العام السابق لحركة النهضة، فاتح ربيعي، أنه يتعين على الإسلاميين التوقف عن تبرير إخفاقهم بوجود تزوير. وقال "أتمنى أن يلغي الإسلاميون من قاموس خطابهم هذه الأيام لفظ التزوير، وأن يفكروا ملياً في أسباب الإخفاقات". وبرأيه فإن النتائج تحتاج إلى تحليل أعمق من مسألة التزوير. ويشاطره في هذا الموقف يوسف خبابة، القيادي في التحالف الإسلامي، الذي يجمع بين ثلاثة أحزاب سياسية هي حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية وحركة البناء. واعتبر خبابة أن شماعة التزوير لم تعد وجهاً يبرر هذا الإخفاق، لافتاً إلى عجز الإسلاميين عن الانفتاح على كوادر المجتمع، الذي "يحتاج إلى إعادة هيكلة، والحركة الإسلامية التقليدية استنفدت أغراضها، ولا بد أن ينبعث من ركامها مشروع جديد"، مشيراً إلى أن السلطة نجحت في حشر الإسلاميين في زاوية ضيقة في المشهد السياسي. وأوضح أنه "لا بد من كسر الطوق الذي ضربه التيار على نفسه، ما أدى إلى تحوله إلى طائفة. لقد استطاع النظام حشرنا في الزاوية، من خلال استدراجنا إلى معارك انتخابية محسومة سلفاً، فيما عجزنا عن تقديم قوائم وطنية، واكتفينا بشماعة التزوير". وأوضح أنه إضافة إلى مشكلة الخطاب السياسي فإن "هناك غياب للرؤية وعدم تحسين للمشروع والأهداف، يضاف لهما العجز عن تجديد النخب في التيار والضعف في إنتاج الأفكار وإقناع المجتمع بتبني المشروع السياسي".
وإذا كان القيادي في جبهة العدالة والتنمية، لخضر بن خلاف، يقر أن التزوير ليس السبب الوحيد في نتائج الإسلاميين، وأن هناك أسباباً داخلية قاتلة، فإن الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، رفض هذا التوجه في تفسير واقع الحال الانتخابي، وطرح تساؤلات بصيغة مفردة. ويعتقد مقري أن السؤال الواجب طرحه لا يتعلق بسبب إخفاق الإسلاميين في الانتخابات في الجزائر، ولكن عن قدرتهم على البقاء والاستمرار في المنافسة السياسية، بالرغم من كافة الظروف والمعطيات التي شابت المسيرة السياسية والتدمير السياسي الذي تعرضوا له في العقدين الماضيين والمكافحة الكاسحة التي يبديها النظام ضد الحركة وقوى التغيير، نافياً حصول تراجع على صعيد النتائج المحققة في هذه الانتخابات. وأكد بن خلاف أن "الأمر لا يتعلق بتراجع الحركة، لأن الحركة لم تتراجع، لأننا إذا قارنا نتائجها في هذه الانتخابات بنتائجها سنة 2012 كما تفعل كل الأحزاب في العالم سنجد أنها تقدمت في جل المؤشرات، إذ تقدمت في عدد الناخبين، تقدمت في عدد المنتخبين بلدياً وولائياً وتقدمت في الرتبة، وتقدمت في عدد الولايات التي حققت فيها التمثيل في المجالس الولائية"، إذ توسع تمثيل الحركة إلى 23 ولاية بدلاً من 16 ولاية في انتخابات 2012، وارتفع مجموع منتخبيها المحليين إلى 1385 منتخباً بدلاً من 1270 منتخباً في 2012، و500 ألف صوت في تلك الانتخابات مقابل 632 ألف صوت في انتخابات الخميس الماضي.
وبغض النظر عن النقاش الحاصل داخل الكتلة الإسلامية بشأن تفسير النتائج الانتخابية، سواء تعلق الأمر بوجود تزوير استهدف مرشحي وقوائم هذا التيار، وحجم الدعاية السياسية المدمرة التي تستهدفهم، والتراجع الذي تشهده الجزائر في السنوات الأخيرة في الممارسة الديمقراطية وهيمنة الأجهزة الإدارية على المشهد السياسي، أو بوجود عوامل ذاتية أدت إلى ظهور خلل في خطاب وأدوات العمل الانتخابي للإسلاميين في الجزائر، فإن مراقبين مستقلين يعيدون نتائج الإسلاميين في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، إلى ما يعتبرونه تداخل الخيارات والمواقف لدى الإسلاميين، وفقدانهم خط سير سياسي واضح، بين المشاركة السابقة في السلطة والعودة إلى خط المعارضة في الوقت الحالي، ناهيك عن أن أحزاب التيار الإسلامي تعيش مرحلة تجدد على الصعيد التنظيمي والهيكلي والبشري، إذ تخرج في هذه المرحلة من عقل الشيخ الزعيم إلى المؤسسة السياسية.