في منطقة كفر لوسين الواقعة في ريف إدلب الشمالي، يؤوي مخيّم "القطري"، الذي شيّدته منظمة "قطر الخيرية" لاستقبال المهجّرين السوريين الهاربين من الحرب، نحو 460 عائلة نازحة من مناطق عدّة في ريف إدلب الجنوبي وريفَي حماة الشمالي والغربي، وكذلك من أنحاء أخرى في البلاد. وتعاني تلك العائلات من جرّاء انقطاع المساعدات الإغاثية التي كانت تقدّمها الجهة المسؤولة عن تجمّع مخيمات كفر لوسين، وهي إدارة شؤون المهجّرين التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة الإنقاذ المعروفة بتبعيتها لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، بالإضافة إلى شحّ إعانات المنظمات الإنسانية التي تنتشر في الشمال السوري. يُذكر أنّ إدارة شؤون المهجرين قطعت دعمها عن المخيّم نتيجة دخول عائلات كثيرة إليه بطريقة غير قانونية، بعد رفض دخولها مباشرة.
وسكّان المخيّم الذين نزحوا إليه في الآونة الأخيرة بعدما أجبرهم التصعيد العسكري على الخروج من منازلهم تاركين خلفهم ممتلكاتهم وأثاث منازلهم، لا يشكون من النقص الحاد في المستلزمات الصحية والغذائية فحسب، إنمّا كذلك من عدم توفّر مياه الشرب والكهرباء وشبكات الصرف الصحي، فالمخيّم ما زال قيد الإنشاء وعدد كبير من منازله مجرّد جدران.
عبد الإله الموسى، نازح من بلدة كنصفرة في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، يشكو لـ"العربي الجديد"، من الأوضاع المعيشية الصعبة لسكان المخيّم ومحاولاتهم الحصول على دعم من الجهات المعنية. يقول إنّ "العائلات التي تقطن في مخيّم القطري نزحت بمعظمها في خلال فترة التصعيد الأخيرة على ريفَي حماة وإدلب"، شارحاً أنّه "ما أن وصلت حتى فوجئت بعدم السماح لها بالدخول بحجة أنّ المخيّم ما زال قيد الإنشاء وأنّ المنازل الجاهزة فيه لا تكفي جميع النازحين الجدد. لذا، اضطرت إلى الدخول بطريقة غير قانونية والاستقرار في منازل غير مكتملة الإنشاء. هي كانت مجبرة على ذلك نظراً إلى عدم توفّر أماكن لإيوائها في الشمال السوري وصعوبة الحصول على خيمة أو حتى استئجار منزل".
يضيف الموسى أنّ "أحوال السكان هنا تسوء بشكل كبير بسبب ندرة الغذاء والماء والعلاج والخدمات بأشكالها كافة، بعد مرور مدّة على وجودنا في المخيّم من دون الحصول على أيّ مساعدات. فحاولنا التواصل مع إدارة شؤون المهجرين للمطالبة بتقديم المساعدات لنا، لكنّ الردّ ربط كل شيء بالعائلات التي دخلت بطريقة غير قانونية. فرأى كثيرون ذلك بمثابة ورقة ضغط لإخراج العائلات من المخيم، وبقيت الأمور على حالها". ويتابع: "ظللنا متمسكين بمطالباتنا اليومية حتى وعدتنا إدارة شؤون المهجرين بتقديم الدعم بعد أيام قليلة. مضت أيام كثيرة، ولم نرَ بعد شيئاً منها".
ويكمل الموسى: "لا بدّ من طرح سؤال في هذا السياق. إذا خرجت العائلات النازحة من المخيّم، من يحلّ محلّها؟ هل تخصص إدارة شؤون المهجرين هذا المخيّم لعائلات مقاتلي هيئة تحرير الشام؟ أم تتركه خالياً من الناس؟". ويشير إلى أنّ "الإدارة وعدتنا بتجهيز مخيّم لنا وتقديم لوائح بأسمائنا إلى المنظمات المعنية بالإغاثة بهدف دعمنا. لكنّ شيئاً من ذلك لم يتحقق بعد، وما حدث في الأيام القليلة الماضية يثبت أنّ الإدارة متواطئة مع حكومة الإنقاذ وجناحها العسكري هيئة تحرير الشام". ويخبر بأنّ عناصر من هيئة تحرير الشام عمدوا إلى كتابة عبارات على جدران بعض منازل المخيّم من قبيل "مصادر لصالح الهيئة"، مؤكداً أنّ "الأمر يثبت سيطرة هيئة تحرير الشام ونفوذها على هذا المخيّم بصورة كاملة".
اليوم، على الرغم من كلّ ما يعانيه سكان مخيّم "القطري" من جرّاء الأوضاع المعيشية الصعبة التي تُضاف إلى ألم التهجير، فإنّ المنظمات الإنسانية وإدارة شؤون المهجرين ما زالت ممتنعة عن تقديم الدعم اللازم، وتتمسّك بحجتها: دخول عائلات إلى المخيّم والاستقرار فيه بطريقة غير قانونية.
تجدر الإشارة إلى أنّ عدد المخيمات المخصصة للنازحين في الشمال السوري تخطّى 600 مخيّم. وتلك المخيّمات بمعظمها مخيمات عشوائية وغير منظمة أنشأها النازحون بأنفسهم، وتُسجَّل فيها كلها أوضاع إنسانية متدهورة. والسبب هو كثافة النازحين الذين يسكنون فيها من جهة، على خلفية حركة النزوح الكبيرة الأخيرة نحو الشمال السوري والتي تُقدّر بنحو نصف مليون نازح، ومن جهة أخرى الاستجابة غير الكافية للمنظمات الإنسانية والجهات المسؤولة والمعنية بشؤون النازحين.