اليوم، تُعَدّ كثيرة ومختلفة المعوّقات التي تقف حائلاً بين النازحين العراقيين وأمل عودتهم إلى مدنهم. لكنّ إحصاءات أخيرة تشير إلى أنّ 40 ألف نازح عادوا إلى الموصل، سواء إلى الجانب الأيسر منها أو إلى مناطق أخرى.
عشرات آلاف العائلات العراقية تركت مخيّمات النزوح التي كانت قد لجأت إليها، وعادت إلى مناطقها في الساحل الأيسر (الشرقي) لمدينة الموصل (شمال)، بعد تحريره من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وعلى الرغم من أنّ تلك المناطق المحررة غير مؤهلة لاستقبال أهل الموصل العائدين مع انعدام الخدمات والأمن فيها، إلا أنّ العائلات تعود إليها آملة بدء الإعمار والخلاص من المخيّمات وعودة الأبناء إلى الدراسة.
يقول منسّق حملة "نينوى أولاً" لإغاثة النازحين، أحمد الملاح، إنّ "عودة النازحين في الوقت الحاضر صعبة جداً لأسباب عدّة، لعلّ أوّلها يتعلق بتدمير عدد كبير من البيوت نتيجة القصف، بالتالي فإنّ عودة أصحابها ترتبط بإعادة الإعمار". يضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "مناطق كثيرة، خصوصاً تلك الواقعة على نهر دجلة في الجانب الأيسر، تتعرّض للقصف باستمرار. كذلك، فإنّ كثيرين من سكّان الجانب الأيمن نزحوا إلى الأيسر، وعند بدء الهجمات تحوّلوا من الأيسر إلى المخيمات. وعودة هؤلاء مرتبطة كذلك بتحرير الجانب الأيمن". ويتابع أنّ "الوضع الأمني في الجانب الأيسر غير مستقر الآن، نتيجة القصف الذي يشنّه داعش بالطائرات المسيرة والتفجيرات التي ينفّذها بصورة شبه يومية". ويشير الملاح إلى "الخدمات شبه المعدومة في الجانب الأيسر، فالماء غير متوفّر وكذلك الكهرباء ووسائل النقل والعمل عموماً". وهذه كلّها أسباب تجبر النازحين على البقاء في المخيمات، وهو ما اختاره عشرات الآلاف منهم، بحسب ما يؤكد الملاح، "إذ إنّ الحدّ الأدنى من الخدمات متوفّر فيها، في حين أنّه مفقود في مناطقهم الأصلية داخل الموصل".
بناءً على متابعته لمجريات الأحداث في الموصل وأحوال النازحين، يوضح الملاح أنّ "انتهاء النزوح خلال فترة قصيرة كلام غير دقيق. ما زالت المخيمات تأوي نازحين، فيما يسكن آخرون من هؤلاء خارجها في مدن مختلفة". يضيف أنّ "المخيمات ما زالت حتى الآن في حاجة إلى دعم. المشكلة الصحية لم تحلّ بالنسبة إلى الجرحى والمرضى، والاعتماد في الجانب الصحي ما زال على مراكز صحية صغيرة لا تمتلك إمكانيات لإجراء عمليات صغيرة ولا لتقديم العلاج لحالات طارئة". ويلفت إلى أنّ المراكز "غير مدعومة من قبل وزارة الصحة، بل من قبل أطباء التحقوا بها من داخل الموصل، بالإضافة إلى مبادرات شبابية وأخرى من منظمات المجتمع المدني التي تقدّم دعماً بالأدوية والمعدات البسيطة. لكنّها ليست بديلاً عن المستشفى". ويشدّد في هذا السياق، على أنّ مواطنين مدنيين وعسكريين كثيرين يفقدون حياتهم نتيجة عدم توفّر مستشفيات في الموصل".
من جهة أخرى، يتحدّث الملاح عن "عدم وجود أيّ دعم يشجّع النازحين على العودة إلى مدنهم". بالنسبة إليه، فإنّ "ما يجري على أرض الواقع يشجّع على رحيل النازحين وعودتهم إلى المخيمات". ويشرح أنّ "المدارس بغالبيتها، توقفت خلال الأيام الماضية، بعدما فتحت أبوابها أخيراً، وذلك بسبب قصف داعش الذي استهدف بعضها، إمّا بصواريخ أو بواسطة طائرات مسيرة". ويردف أنّ "إعادة فتح المدارس كانت سبباً مشجعاً لعودة نازحين كثيرين".
وعن خدمات الماء والكهرباء، يؤكّد الملاح أنّها "ضعيفة جداً في مناطق الموصل المحررة، التي عاد إليها أهلها. وآخر ما سمعته من مدير البلدية في الموصل، أنّهم لا يملكون أيّ ميزانية، فالعمّال يعملون من دون أجر بدافع حبّهم لمدينتهم، فيما البلدية غير قادرة على شراء الوقود لتشغيل الآليات وغير ذلك". ويشير إلى أنّ "الأكل كذلك يعتمد على المساعدات. لكنّ بعض الدوائر الحكومية تمكّنت من استلام الرواتب من الحكومة، فسلّمتها لموظفيها، وهذا ما جعل الحركة الاقتصادية تدور في بعض مناطق الجانب الأيسر، مثل كوكجلي وحيّ الزهراء. لكنّ ذلك لا يشمل 10 في المائة من سكان المدينة".
ولعلّ الخلاص من المخيمات هو ما يحرّك رغبة هؤلاء في العودة إلى مناطقهم وبيوتهم على الرغم من أنّها مهدّمة وغير صالحة للسكن بغالبيتها، إلى جانب شبه انعدام للخدمات مع شحّ في العلاجات وتوقف المدارس عن التدريس والتفجيرات المستمرة التي ينفّذها "داعش". هذا ما يقوله رئيس المنظمة البلجيكية الدولية لحقوق الإنسان والتنمية (بامرو)، مخلف عبد الصمد، الذي يؤكّد لـ"العربي الجديد"، أنّ "أعداداً هائلة نزحت من المخيمات، إذ لم تعد تطيق العيش في ظل التحقيقات الأمنية". ويوضح عبد الصمد الذي تعمل منظمته على توثيق الانتهاكات في مناطق مختلفة من العراق، أنّ "النازحين في المخيمات يخضعون إلى تحقيقات من قبل عناصر أمنيين، ويتعرّضون كذلك لانتهاكات مختلفة عند اضطرارهم إلى الذهاب لمستشفيات في خارج المخيمات لتلقّي علاج ما. فيصار إلى التحقيق معهم، وقد يمتدّ التحقيق لوقت طويل، من دون أن تأبه الجهات الأمنية بحال المريض". وهذه، بحسب عبد الصمد، "أسباب تشجّع النازحين على العودة إلى مدينتهم".
من جهتهم، يؤكّد نازحون عادوا إلى بيوتهم في الساحل الأيسر من الموصل لـ"العربي الجديد"، أنّهم يعانون كثيراً ويعيشون واقعاً سيئاً نتيجة انعدام أبسط الخدمات. وهؤلاء يرون أنّ "توفيرها سهل التنفيذ، في حال أرادت الحكومة إيلاءها الاهتمام". طه العجيلي، على سبيل المثال، كان يريد ترميم بيته تدريجياً، وهذا ما دفع به إلى ترك المخيّم والعودة إلى منطقته في الساحل الأيسر. لكنّه يقول إنّ "الرعب عاد ليسيطر على الناس، خصوصاً أنّ داعش شنّ هجمات عديدة قتل خلالها مدنيون أبرياء، بالإضافة إلى جنود في القوات العراقية". أمّا حسن الطائي، فيقول إنّه عاد وسكن في بيته على الرغم من تعرّضه لقصف دمّر أكثر من نصفه، مشدداً على أنّ "ذلك يبقى أفضل من مخيمات النزوح. فهو أكثر دفئاً، بينما الخيم داخل المخيمات باردة". يضيف: "كلّ ما ننتظره هو الانتهاء من تحرير الجانب الأيمن من الموصل. عندها، تبدأ مرحلة الإعمار". بالنسبة إلى أبو خالد الجبوري، فإنّ "العيش وأسرته في المخيمات أو العودة، سيّان"، ويقول: "في المخيمات نتلقى المساعدات، وهنا كذلك نعيش على المساعدات. لذلك، أرى أنّ العيش في منزلي ومنطقتي على الرغم من انعدام أبسط الخدمات أفضل بكثير من البقاء في المخيمات".