يصر النازحون على العودة إلى مدنهم بعد تحريرها، رغم أن مدنهم تلك لم تعد صالحة للسكن؛ فقد تهدّم كل شيء تقريباً. ما لم يدمر من المنازل أصابه الضرر، والخدمات الأساسية من ماء وكهرباء لا وجود لها. أتت المعارك على كل شيء.
وتتواصل القوافل إلى الفلوجة والرمادي (غرب) محملة بالعوائل العائدة من مخيمات النزوح إلى مناطق سكناها. ورغم أن منازل كثير منهم تهدمت ولم يبق منها سوى الأطلال، لكنهم يفضلونها على الخيام، مؤكدين أن السكن في مناطقهم أفضل من الخيام التي زادتهم حزناً وألماً فوق ما يحملون من أحزان وآلام.
"الفرق كبير بين بقائي داخل خيمة ورجوعي إلى مدينتي"، يقول قاسم المحمدي، وهو يرفع الأنقاض من داخل بيته في الفلوجة، والتي نتجت عن معارك دارت في الحي الذي يسكنه بين القوات العراقية وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وأوضح المحمدي، لـ"العربي الجديد"، أن بيته ناله نصيب كبير من الأضرار، ويشير إلى آثار أكثر من صاروخ أصاب المنزل ما أدى إلى هدم جزء منه، واضطره إلى تغيير ترتيبه، "سيكون المطبخ غرفة معيشة، وحولت المخزن إلى حمام، بعد أن تهدم الحمام الأصلي وغرفتي المعيشة".
ويضيف: "سأكون داخل بيتي أحمي أسرتي من المطر والبرد في الشتاء، والحر في الصيف".
وجدول المحمدي وجاره عادل الدليمي، أوقاتاً من اليوم لتوفير احتياجات أسرتيهما من الماء، معتمدَين على دراجة هوائية يجلبان عليها الماء من النهر للاستخدام المنزلي، فيما مياه الشرب يجلبانها من مركز المدينة.
يقول الدليمي، إن "ذلك أمر بسيط وسهل؛ أن نعاني ونحن في بيوتنا ومدينتنا خير لنا من أن نعاني أكثر من ذلك داخل الخيام".
وأعلنت القوات العراقية تحرير مدينة الفلوجة (غربي بغداد) من قبضة "داعش" الذي فرض عليها سيطرته لأكثر من عامين. وشهدت المدينة معارك قوية بين القوات العراقية والمليشيات من جهة وعناصر التنظيم من جهة أخرى، ونتج عنها تدمير البنى التحتية للمدينة بشكل كامل، بالإضافة إلى خراب الأحياء السكنية.
ويعيش النازحون من مناطق سيطرة "داعش" وضعاً مأساوياً؛ إذ يسكنون داخل خيام سريعاً ما تتمزق من جراء تعرضها صيفاً لدرجات حرارة تتجاوز أحيانا الخمسين مئوية، وفي الشتاء لبرد قارس وأمطار، وهو ما نتج عنه وفيات وأمراض، لا سيما بين الأطفال وكبار السن.
عاد هيثم العاني، قبل شهرين إلى الرمادي، مركز محافظة الأنبار، وهو سعيد بالتجول في أحيائها رغم مشاهد الدمار التي خلفتها المعارك، وما زالت أطلالها قائمة. يقول العاني لـ"العربي الجديد"، إن ما يهمه "عودتي إلى مدينتي، وعودة المدينة آمنة".
لكن العاني لم يسكن في داره التي غادرها نازحاً بعد سيطرة "داعش" على المدينة العام الماضي، بل اتخذ من منزل أحد أقاربه سكناً له؛ مبيناً "منزلي تهدّم بالكامل، ولا قدرة لي على بنائه من جديد".
وعن معيشته ومصدر قوته وإنفاقه اليومي، خاصة أنه يعيل أسرة تتكون من زوجة وثلاثة أطفال، يقول "مساعدات مالية تَردني من أقاربي في بغداد، كما توجد باستمرار مساعدات غذائية ودوائية تقدم من بعض منظمات المجتمع المدني، كثيرون مثلي يعتمدون على المساعدات، لكننا أفضل حالاً بكل تأكيد مقارنة بمخيمات النزوح".
التجول في الرمادي يوضح صورة الخراب الذي تعرضت له المدينة التي تحررت مطلع العام الجاري، حيث دارت فيها معارك قوية، استخدم خلالها تنظيم "داعش" أسلوب التفخيخ بشكل مكثف، شمل الشوارع والدور والمباني والسيارات، وهو ما أدى بالإضافة إلى المعارك إلى تدمير واسع للمدينة.
يقول الناشط المدني محمد عبد القادر، إن المساعدات العينية تُقدم باستمرار من قبل منظمات مدنية للعائدين إلى مناطقهم، مشيرا لـ"العربي الجديد"، إلى أن أهم تلك المساعدات طبية "منظمات مدنية تستمر في إرسال الأدوية وتقديم العلاجات؛ إذ ما زالت هذه المناطق غير مخدومة صحياً بسبب الظروف التي مرت بها".
ويضيف عبد القادر: "تُقدم مساعدات غذائية للعائدين من قبل المنظمات المدنية والوقف السني، لكنها محدودة، ولا يمكن اعتماد المواطنين عليها بنسبة كبيرة؛ فأعداد العائدين أكبر من أن تتمكن الجهات المدنية الناشطة من تغطيتها بالخدمات".