يمرّ عيد الفطر حزيناً على مئات الآلاف من النازحين، فبالأمس القريب كانوا في بيوتهم ومدنهم وقراهم وتجارتهم وبساتينهم الغّناء التي تركوها خلفهم وما عادوا إليها، واليوم لا شيء حولهم غير الخيام الممتدة في الصحراء.
عبد الله رحيم، نازح في مخيم الوند داخل بلدة خانقين التابعة لمحافظة ديالى، يقول لـ "العربي الجديد" "لدي سبعة أطفال تتراوح أعمارهم بين العامين و16 عاماً، أخشى الحديث معهم عن العيد، فجميعهم يطلبون ملابس جديدة، وليس بوسعي تلبية طلباتهم. من يعيش حياة النزوح يدرك تماماً أنه لا عيد لمن يسكن في هذه الخيام التي لا تقينا حراً ولا برداً، بل ننتظر كل يوم من يحسن علينا بالطعام والشراب، كما أننا لا نجد عملاً نقوم به بعد أن أصبحنا عاطلين عن العمل، فنشغل يومنا بالأحاديث التي مللناها ولا شيء غير الأحاديث".
ويضيف "عيد الفطر اجتاز حدود خيامنا الصغيرة، لا أجواء له، ولا مظاهر فرح، فالكبار في خيامهم يحاولون تمضية الوقت وانتقاد السياسة التي أوصلتهم إلى ما هم عليه، والبعض منهم يتعالون على جراحهم في محاولة لنسيانها. أما الصغار فإنهم لم يجدوا مثل ما سبق من أعيادهم في هذا المخيم البائس، لا مراجيح ولا ألعاب ولا حلويات يشترونها ويلهون بها كبقية أطفال العالم في أيام العيد. وهناك من يحاول أن يتعايش مع الحالة ويسعد أطفاله بأبسط الأشياء بصنع لعب بين الخيام أو ربط حبال يعلق فيها إطارة سيارة لعمل أرجوحة صغيرة بين شجرتين، قد تسقط الأرجوحة في أية لحظة أو تسقط الشجرة".
بدورها أم مصعب، التي تسكن مخيماً في ناحية كلار منذ أكثر من عام، تشير إلى أن "عيد الفطر لم يعد يمثل لنا أي فرح كما كنا في السابق وسط بيوتنا وأحبائنا، وعند نزوحنا حملنا معنا قصصنا المفجعة. كيف لي أن أنسى ولدي الشاب ساجد، الذي اغتيل أثناء قيامه بري البستان، وكيف أنسى رحلة نزوحنا المرعبة؟ فكل من يسكن هذه الخيام يفتقد لقريب أو صديق بسبب الحرب والنزوح ولا يفرح بالعيد".
أما محمد محسن، الذي يعمل مدرب تنمية في منظمات محلية، فيوضح أن هناك غصّة كبيرة تعتري الكبار والصغار، مشيراً إلى أن الأطفال لا يشعرون بالعيد كبقية أطفال العالم، كل ما يوجد حولهم مجموعة من الخيام والكرفانات تسكنها وجوه يعتليها الحزن وتشتكي الفاقة.
كما يروي أن "أغلب الأسر النازحة لم تتمكن من شراء المستلزمات الخاصة بالعيد لهم ولأطفالهم"، منوهاً لـ"العربي الجديد"، أنّ المساعدات الإنسانية قد انخفضت نتيجة نزوح شعوب أخرى من بلدان إقليمية، لذلك لم تستطع المنظمات أو الجمعيات تقديم ما يكفي من مساعدات، لتوزيعها على النازحين لإدخال فرحة العيد إلى قلوبهم.
بحسب محسن أيضاً، فإن "الأطفال غالباً ما يقعون ضحية الصراعات والحروب التي تبقى آثارها واضحة على سلوكياتهم"، حتى يصبح من الصعب معالجتهم وإخراجهم من الحالة المرضية التي يعيشونها. لاحظنا أن الأطفال أصبحوا أكثر عدوانية من ذي قبل، كما أن بعضهم أصبح انطوائياً ومنعزلاً، أما البعض الآخر فقد تركت الحرب والنزوح والخوف والتنقل المتكرر حالة من الحزن وعدم الثقة بأي شخص كان".
كما حمّل الحكومة والجهات ذات العلاقة ما يعيشه النازحون اليوم من مآسٍ، معتبراً أن كل ما حصل ويحصل نتيجة للحروب التي تخوضها الأحزاب من أجل البقاء على كراسيهم، غير مكترثين لما يحدث للعامة من الشعب أو لنزوح شعب وإفقاره.
ويبقى الأطفال الأكثر ألماً مع حلول العيد، فتقول مريم، (11 عاماً)، طلبت من أبي أن يشتري لي فستاناً جديداً في العيد لكنه لم يفعل، وقال لي إن الثوب سيصبح متسخاً من التراب الذي يحيط بنا في الخيمة، وقد وعدني أن يشتري فستاناً لو عدنا إلى منزلنا كما وعد أخي الصغير بشراء لعبة صغيرة له.
واستدركت قائلة "أردت أن ألبس الفستان في العيد وليس في بيتنا، ولا توجد ألعاب نمرح بها خلال أيام العيد، فأجبرنا على إنشاء أرجوحة واحدة صغيرة بإمكانيات قليلة ربطناها بين شجرتين، والبعض منا أحضر صندوق خضر فارغ وربط فيه حبلاً قوياً لعمل عربة. أما آخرون فقد اشتروا بالونات لإطلاقها في الهواء".
أما حسام (13 عاماً)، الذي لجأ مع عائلته منذ أكثر من عامين من محافظة الأنبار غربي العراق، فيقول؛ الوضع في المخيم سيئ للغاية، وأمي ليس معها مال لتشتري لنا مستلزمات العيد، كما لم تقم بصناعة المعجنات لنا كما كانت تفعل في السابق عندما كنا في مدينتنا، مشيراً إلى أنهم في كل عيد كانوا يشعرون بالفرح والسعادة، إلا أن النزوح غير حالهم وطرد سعادتهم، متمنياً لو كان يملك بعض المال ليشتري دراجة هوائية يمرح بها في العيد.
وأمام هذا الواقع، يأمل جميع النازحين في المخيمات والهياكل أن يتركوا هذه الخيام والكرفانات قريباً، ليعودوا إلى قراهم ومدنهم وأعمالهم في المحافظات التي نزحوا منها، لأنّ في نظرهم ذلك هو العيد الحقيقي.