نادية الكعبي.. التاريخ كخامة فنيّة

16 اغسطس 2017
(عمل فنّي عمومي في برلين، نادية الكعبي)
+ الخط -

يستضيف متحف "كونست" في مدينة بون الألمانية، أعمال الفنانة التونسية نادية الكعبي، من 21 سبتمبر/ أيلول المقبل وحتى السابع من يناير/ كانون الثاني 2018. استعارت الفنانة عنوان كتاب المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي "النحت في الزمن" عنواناً للمعرض، الذي يقام في واحدٍ من أبرز فضاءات عرض الفن المعاصر على مستوى العالم.

يضمّ معرض الكعبي (1978) التي تعيش حالياً في برلين، 14 عملاً بينها سلسلتا "ألوان الزمن" وتتضمن 13 لوحة، و"تموج متمدد" الذي يضم واحداً وخمسين لوحة حفر.

بالنسبة للفنانة التي تعيش في برلين منذ 12 عاماً فإن المعرض إضافة لحياتها وعملها الفني الذي تواصله في ألمانيا وتحمّله هوياتها المتعددة، فهي نصف أوكرانية أيضاً، تنقّلت في حياتها للعيش بين تونس وكييف ودبي وباريس، من هنا نلمح طبقات وغنى بصرياً وعمقاً هوياتياً في أعمالها وتجهيزاتها.

ورغم أن حياتها قائمة على تعدّد الأمكنة والهويات إلا أن الفنانة أكدت في أكثر من مرة أن عملها لا يحمل رسالة سياسية، فهي مهتمة أكثر في إظهار التناقضات في المجتمعات، تلك التي ينكرها الإعلام وأفراد المجتمع أنفسهم. ولكن ذلك ليس دقيقاً تماماً فأساس أعمالها عادة هو بحث تاريخي ثقافي سوسيولوجي سياسي.

مثلاً، في هذا المعرض تتناول تاريخ ألمانيا بعد الحرب، من حيث إن بون كانت عاصمة الجمهورية الفدرالية الألمانية منذ أن انتهت الحرب العالمية الثانية وإلى أن جرى هدم الجدار. فتقف عند المدينة التي تصفها بأنها كبسولة زمن عاشت تحولاً جذرياً، من عاصمة أحد أكثر البلدان نفوذاً إلى مدينة ريفية، حيث لا شيء كثيراً يحدث.

لا يمكن أن يكون الموضوع هذا إلا سياسياً تاريخياً عن التحولات في مصائر المدن بعد تغيّر سياسي جذري كالذي حدث في تاريخ ألمانيا الحديث، إذ يبدو الحاضر كما لو كان مادة مصنّعة في الماضي، وفقاً لتعبير الكعبي، من هنا فإن المعرض ينظر إلى ثيمات البيروقراطية التي تخضع لها كل مدن ما بعد الحرب أو الثورة أو تبدّل النظام السياسي، والوطنية والفاشية والماضي المنسي للحرب؛ مواد وإشكاليات دسمة جداً تطلّ عليها الكعبي من خلال وسائط مختلفة.

أي أن الفنانة التونسية قد غيّرت في سؤال "كيف نكتب التاريخ؟" الذي شغل فلاسفة ومؤرخين وباحثين، لتطرح سؤالاً في السياق نفسه هو كيف نشتغل من مادة التاريخ عملاً فنياً، وهو موضوع يلح على الفنانين المعاصرين منذ مطلع الألفية الثالثة، وخصوصاً مع أخذ الفن المفهومي لموقع الصدارة في الفن المعاصر. الكعبي بدأت في حفر طريقها في هذا الاتجاه منذ عملها الأبرز "السجادة الطائرة" الذي حازت عنه عدة جوائز وأصبح من مقتنيات "غوغنهايم" في نيويورك.

المساهمون