وتتابع "عندما خرجنا من القبو كان هناك ضباب أبيض واشتدت رائحة الكلور، حاولنا أن نضع قطع قماش على وجوهنا، كان هناك فارون مثلنا من الأقبية، بدأت أصرخ طلباً للمساعدة، ورحت أركض بأطفالي محاولة إبعادهم عن المنطقة، كنت أسأل الناس أين النقطة الطبية، فتلك التي أعرفها كانت قد قصفت قبل أيام، ومن ثم استفقت لأجد نفسي في نقطة طبية، لكن لم أجد زوجي وأحد أبنائي بها، وقيل لي إنهم ربما أسعفوا في نقطة طبية أخرى".
من جانبه، يصف سعيد، شاب في الثلاثينيات من العمر وأحد المصابين بالاختناق، لـ "العربي الجديد"، لحظات استهدافهم بالغازات السامة، قائلا: "كانت لحظات صعبة جدا، شعرت برائحة الكلور تتسلل إلى القبو، لا أستطيع أن أصف لكم مشاعر الذعر والخوف البادية على وجوه الأمهات، وهن يحاولن إخراج أبنائهن من القبو، والابتعاد بهم قدر استطاعتهن".
ويتابع " كنت أول الخارجين من القبو، حاولت طلب المساعدة من الدفاع المدني، كانت الطرقات مفروشة بركام الأبنية جراء القصف المتواصل، وكان هناك من يغمى عليه وهو يجري، عشرات الأشخاص أغلبهم أطفال ونساء، يصارعون الموت اختناقا، ولكن أعتقد أن الكلور المستخدم كان مخففا، وكأنه يستخدم لإرعاب الأهالي وزرع الخوف بداخلهم علهم ينزحون من مدينتهم".
بدوره، يقول عدي الغوطاني، ممرض في نقطة طبية استقبلت المصابين بالغازات السامة، "وصلتنا عشرات الحالات المصابة بالاختناق إلى النقطة، كانوا بالكاد يستطيعون التنفس، لكن المشكلة الأكبر في عدم توفر النقطة على "مَنافس" أوكسجين كافية، ما اضطرنا إلى استخدام المنفس بالتناوب بين المصابين، كما أنه لا تتوفر لدينا أدوية لتخفيف تشنج الرئتين الناجم عن استنشاق الغازات السامة والسعال الشديد".
من جانبه، يقول ابن حمورية والناشط عبد المنعم عيسى، في اتصال مع "العربي الجديد"، "أنا متعب جدا ولا أستطيع التحدث، لكن هناك إصابات كثيرة معظمها من الأطفال والنساء، والأطباء أكدوا أن الاصابات ناتجة من استنشاق غاز الكلور السام"، مضيفا أن "الحصيلة تجاوزت 250 إصابة".
ويلفت إلى أن "عملية الإسعاف كانت صعبة جدا بسبب استمرار القصف الجوي، وسيارات الدفاع المدني التي توجهت للمنطقة كان يتم استهدافها بشكل مباشر، وهناك سيارات تعطلت، إذ تراوح زمن الإسعاف بين نصف ساعة وساعتين، وهناك مصابون كانوا عالقين في أحد الأبنية القريبة من مكان القصف بالكلور".
من جهته، يوضح مسؤول الإعلام في الدفاع المدني بالغوطة الشرقية، عبدو أبو يامن، أن "استهداف حمورية تم بحدود الساعة التاسعة والربع من مساء الأربعاء، عبر برميل محمل بغاز الكلور من الطيران المروحي لمنطقة سكنية تقع بين حمورية وسقبا، الإحصائية الأولى كانت 124 مصابا، بينهم أكثر من 100 طفل ومرأة"، مبينا أن هذا هو الهجوم الثاني على حمورية، وقد سبق استهداف ذات المنطقة بصواريخ محملة بمادة الفوسفور المحرمة دوليا تسببت بوقوع حرائق، في ظل قصف من الطيران الحربي الروسي، وعقب القصف بالكلور تم استهداف المنطقة بالفوسفور".
ووصف عملية إسعاف الدفاع المدني للمدنيين بـ"العمل الانتحاري، حيث يتم استهدافهم بشكل مباشر، فعنصر الدفاع المدني يخرج لإسعاف المدنيين ولا يعلم إن كان سيعود"، مضيفا "أمس حاولنا إطفاء الحرائق الناجمة عن الفوسفور بطرق بدائية وبالتراب، فالطيران استهدف سيارات الإطفاء، وحتى سيارات الإسعاف يتم استهدافها، وقتل 3 عناصر من الدفاع المدني وأصيب 4 آخرون، جراء استهداف سيارة إسعاف بشكل مباشر من الطيران الحربي".
بدوره، قال وزير الصحة في "الحكومة المؤقتة"، محمد فراس الجندي، لـ"العربي الجديد"، "سبق استهداف أكثر من 25 نقطة طبية ومشفى في الغوطة الشرقية، خرجت من بينها 4 مشاف بشكل كامل عن الخدمة، في وقت هناك نقص شديد في المستلزمات الطبية والأدوية والأدوات الجراحية، إضافة إلى أكياس نقل الدم والمصل، وبسبب الضغط والقصف هناك من يعجز عن الوصول إلى النقاط الطبية".
وأضاف "أما حان وقت صحوة الضمير العالمي، إننا نوجه نداء لمنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والأمم المتحدة ألّا تتخلى عن دورها الإنساني، خاصة أنها خلال 7 سنوات لم يكن لها أثر يذكر".