27 ابريل 2016
مْلَهّي الرُعيان
هو طائر يعرفه الفلاحون العراقيون، وقد أحيل، بسلوكه وطريقة خداعه، إلى مخزون أمثلتهم. قيل، في توصيفه العلمي، إنه يألف الشجيرات كثيرة الالتواء، ولا تهدأ أعصابه، حين يلعب، إلا بوجود شقوقٍ في الأرض أو في الصخر، تساعده على التواري عن الأنظار، في اللحظة المناسبة. لكن علاقته المريرة مع رعاة الأغنام، وهي التي ذهبت مثلاً، لا يُشبهها في السياسة، سوى طرفين مخادعين وعنيدين، لا يتزحزحان عن استعلائهما الذميم: المفاوض الإسرائيلي، أي العدو، ووفد مفاوضات النظام السوري، أي المستبد الذي لا يخجل من جرائمه، في مباحثات جنيف.
ما الذي يفعله مْلهي أو مْسَهّي الرعيان؟ يقترب من الراعي، ويحوم حوله، فيتبدّى له قريباً متاحاً إمساكه. يهم الراعي بإمساكه، فيقفز قفزة قصيرة بارعة. لا يطير ولا يذهب بعيداً. يبتعد متراً أو أقل، فيظن الراعي أنه أخطأه، لعيبٍ في انقضاضه هو، فيما الطير متاح. يُعاود الراعي المحاولة، فيعاود الطير القفز قريباً. تتكرّر المحاولة، ويتكرّر قفز مْلهي الرعيان، حتى يبتعد الراعي عن غنماته، ما يتيح للذئب أن يتصرف.
دبلوماسية الطير اللئيم، يعتمدها النظام الحاكم في دمشق، تحايلاً على قفزات البشر الطبيعيين، الذين يستهولون ذبح الشعب السوري. أما مؤسس هذا النظام، وهو حافظ الأسد، فقد كانت له دبلوماسية أخرى، تلائم زمنها ومعطيات مفاوضاتها، وكنا، بصراحةٍ، نؤيدها، لأن الطرف الذي كان يحاول أن يقفز ويمسك، هو الأميركي الذي يسعى إلى تسويةٍ تفتح خطاً سريعاً للمشروعات الإسرائيلية، من الجولان الى دمشق. دبلوماسية حافظ الأسد تلك، كانت مشتقةً من تكتيكات حبس الأنفاس، واللعب على مفرزات الأجسام، وسمّاها الأميركيون، لا سيما جيمس بيكر "دبلوماسية المثانة". ففي مذكراته، يصف وزير الخارجية الأميركية الأسبق واحدة من مناسبات الإطالة المريرة في المباحثات مع الأسد الأب، وكانت قصيرتُها لا تقل عن سبع ساعات كاملة، يتخللها تكرارٌ متعمد للقهوة التي يتبعها الليمون المُحلّى. ولكي يتضاءل موضوع الضيف الأميركي، كان الأسد يبدأ من عند سايكس ــ بيكو في العام 1916، وهو ما لا يملك المفاوض دواءً لها، وتبدو، بالنسبة له، ترف كلامٍ عن التاريخ، ولا علاقة لها بجوهر الموضوع. ويقول جيمس بيكر إنه ظلّ، مرّةً، أكثر من ساعتين، وظلت كليتاه تعملان بشكل غير طبيعي، ويلح عليه التبول، فيما هو يعاند نداء الجسد. ويضيف: "في الأخير، سحبت منديلي الأبيض، ولوّحت به للأسد، معلناً الاستسلام مع الرغبة في الهرولة سريعاً إلى الحمّام".
كان الأسد الأب يرى في التسوية، أياً كانت، انكشافاً لمشروعية الحكم، وذلك هو السبب الأول للعناد والتطويل، لكي تكون المباحثات عقيمة، وغير ذات جدوى. لذا، فإننا حيال "دبلوماسية المثانة" كنا ، نحن الأبعدين، نراها، بمنطق نتائجها، أكثر من كافيةٍ للتغاضي عن الدكتاتورية. أما المكتوون بنيران جحيم الأسد، من السوريين، فكانوا يتمنون للأميركيين، مثانات أوسع وأكثر احتمالاً، لكي تسقط ذريعة التشبث بالحكم والتغالظ فيه.
أما في دبلوماسية مْلهّي الرعيان التي يعتمدها الوفد الذي أرسله إلى جنيف، وارث حكم ذي دبلوماسية المثانة؛ فإن الموجوعين السوريين، لا الأميركيين الواجعين، هم الطرف المقابل. ذلك لأن مْلهي الرعيان، الذي لا يبدأ بسايكس ــ بيكو ويُطيل، وإنما يؤسّس، بأفاعيله، لتقسيم آخر مصغر، لسورية نفسها؛ يجادل في صدقية شروط الدولة، وفي كيفية أن تكون، رصينةً وحاضنةً أطياف شعبها، ويعاند حق الناس في أن يعترف لها الطير اللئيم، بأسباب عذابها وحقيقته. ويجزم واحدنا، أن التكتيك كان، وسيظل، القفز المتتالي القريب، لكي يظل الوفد وفداً، يوحي بأن التباحث معه متاح، حتى تنفجر مرارة الراعي دي ميستورا، وصولاً إلى اللحظة التي يلعن فيها الذئب، ويتأسى على الغنمات، ويسخر من نفسه.
في الطبائع الكريهة للطير، مْلهّي الرعيان يتبدّى كل شيء مخادعاً. فم واسعٌ فاغر، تحفُّه شعيراتٌ خشنةٌ تساعد على اصطياد الفريسة. ينشط في الظلام، يفتن ويتظاهر بالألم والإعياء، لكن مبتغاه، أن يعود الراعي خائباً، ثم يتفلّى هو، مزهواً بنفسه.
ما الذي يفعله مْلهي أو مْسَهّي الرعيان؟ يقترب من الراعي، ويحوم حوله، فيتبدّى له قريباً متاحاً إمساكه. يهم الراعي بإمساكه، فيقفز قفزة قصيرة بارعة. لا يطير ولا يذهب بعيداً. يبتعد متراً أو أقل، فيظن الراعي أنه أخطأه، لعيبٍ في انقضاضه هو، فيما الطير متاح. يُعاود الراعي المحاولة، فيعاود الطير القفز قريباً. تتكرّر المحاولة، ويتكرّر قفز مْلهي الرعيان، حتى يبتعد الراعي عن غنماته، ما يتيح للذئب أن يتصرف.
دبلوماسية الطير اللئيم، يعتمدها النظام الحاكم في دمشق، تحايلاً على قفزات البشر الطبيعيين، الذين يستهولون ذبح الشعب السوري. أما مؤسس هذا النظام، وهو حافظ الأسد، فقد كانت له دبلوماسية أخرى، تلائم زمنها ومعطيات مفاوضاتها، وكنا، بصراحةٍ، نؤيدها، لأن الطرف الذي كان يحاول أن يقفز ويمسك، هو الأميركي الذي يسعى إلى تسويةٍ تفتح خطاً سريعاً للمشروعات الإسرائيلية، من الجولان الى دمشق. دبلوماسية حافظ الأسد تلك، كانت مشتقةً من تكتيكات حبس الأنفاس، واللعب على مفرزات الأجسام، وسمّاها الأميركيون، لا سيما جيمس بيكر "دبلوماسية المثانة". ففي مذكراته، يصف وزير الخارجية الأميركية الأسبق واحدة من مناسبات الإطالة المريرة في المباحثات مع الأسد الأب، وكانت قصيرتُها لا تقل عن سبع ساعات كاملة، يتخللها تكرارٌ متعمد للقهوة التي يتبعها الليمون المُحلّى. ولكي يتضاءل موضوع الضيف الأميركي، كان الأسد يبدأ من عند سايكس ــ بيكو في العام 1916، وهو ما لا يملك المفاوض دواءً لها، وتبدو، بالنسبة له، ترف كلامٍ عن التاريخ، ولا علاقة لها بجوهر الموضوع. ويقول جيمس بيكر إنه ظلّ، مرّةً، أكثر من ساعتين، وظلت كليتاه تعملان بشكل غير طبيعي، ويلح عليه التبول، فيما هو يعاند نداء الجسد. ويضيف: "في الأخير، سحبت منديلي الأبيض، ولوّحت به للأسد، معلناً الاستسلام مع الرغبة في الهرولة سريعاً إلى الحمّام".
كان الأسد الأب يرى في التسوية، أياً كانت، انكشافاً لمشروعية الحكم، وذلك هو السبب الأول للعناد والتطويل، لكي تكون المباحثات عقيمة، وغير ذات جدوى. لذا، فإننا حيال "دبلوماسية المثانة" كنا ، نحن الأبعدين، نراها، بمنطق نتائجها، أكثر من كافيةٍ للتغاضي عن الدكتاتورية. أما المكتوون بنيران جحيم الأسد، من السوريين، فكانوا يتمنون للأميركيين، مثانات أوسع وأكثر احتمالاً، لكي تسقط ذريعة التشبث بالحكم والتغالظ فيه.
أما في دبلوماسية مْلهّي الرعيان التي يعتمدها الوفد الذي أرسله إلى جنيف، وارث حكم ذي دبلوماسية المثانة؛ فإن الموجوعين السوريين، لا الأميركيين الواجعين، هم الطرف المقابل. ذلك لأن مْلهي الرعيان، الذي لا يبدأ بسايكس ــ بيكو ويُطيل، وإنما يؤسّس، بأفاعيله، لتقسيم آخر مصغر، لسورية نفسها؛ يجادل في صدقية شروط الدولة، وفي كيفية أن تكون، رصينةً وحاضنةً أطياف شعبها، ويعاند حق الناس في أن يعترف لها الطير اللئيم، بأسباب عذابها وحقيقته. ويجزم واحدنا، أن التكتيك كان، وسيظل، القفز المتتالي القريب، لكي يظل الوفد وفداً، يوحي بأن التباحث معه متاح، حتى تنفجر مرارة الراعي دي ميستورا، وصولاً إلى اللحظة التي يلعن فيها الذئب، ويتأسى على الغنمات، ويسخر من نفسه.
في الطبائع الكريهة للطير، مْلهّي الرعيان يتبدّى كل شيء مخادعاً. فم واسعٌ فاغر، تحفُّه شعيراتٌ خشنةٌ تساعد على اصطياد الفريسة. ينشط في الظلام، يفتن ويتظاهر بالألم والإعياء، لكن مبتغاه، أن يعود الراعي خائباً، ثم يتفلّى هو، مزهواً بنفسه.