09 يوليو 2015
مَن يريد تحرير فلسطين؟
منذ الخامس عشر من مايو/ أيار 1948، والإسرائيليون يحتفلون كل عام بذكرى انتصارهم على الفلسطينيين والعرب وإعلان تأسيس إسرائيل، بينما يزداد هروب الفلسطينيين والعرب من ذكرى نكبة فلسطين وتشرّد أهلها، بسبب عدم قدرتهم على استرجاع أي شبر منها، لا بالقوة العسكرية ولا بأية قوة أخرى.
في السنوات الأولى للنكبة، وعلى امتداد العقدين الأولين، ظل هدف تحرير فلسطين، والقدرة على ذلك، يراود الفلسطينيين والعرب المجاورين لفلسطين، بل كان الشغل الشاغل لهم، إعلاماً وسياسة، وما يتبعها من لقاءات ومؤتمرات. وكانوا يحيون ذكرى النكبة سنوياً بتأكيد العزم على السعي إلى تحرير فلسطين وإزالة إسرائيل. وكان الظن الفلسطيني، آنذاك، أن التحرير ممكن، متى تقدم الفلسطينيون الصفوف، واتّخذ العرب القرار.
وقد أسهمت الثورات التي حصلت في دول عربية، وفي مقدمتها مصر والعراق وسورية واليمن والسودان، وانتصار الثورة الجزائرية، واستقلال دول عربية، ومن ثم بدء عقد مؤتمرات القمة العربية، وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وانطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة، أسهمت في تضخيم الظن بإمكانية التحرير وقرب موعده، على الرغم من أن لا أحد من قادة الدول العربية منفردين، أو مجتمعين، اتخذ قراراً بحرب التحرير، أو وضع خطة للتحرير، كما اعترف كبيرهم، الرئيس المصري جمال عبد الناصر، في حينه.
وما حدث بعد عقدين على النكبة، وارتفاع منسوب شعار وهدف التحرير إلى حده الأعظم، هو العكس تماماً، عندما احتلت إسرائيل في عدوانها في الخامس من يونيو/ حزيران 1967، وخلال ستة أيام فقط، أربعة أضعاف ما احتلته من فلسطين عام 1948 على امتداد عام تقريباً.
مع هزيمة 1967، اكتشف الفلسطينيون والعرب أن لا قدرة لديهم على تحرير فلسطين، وأنهم إذا احتشدوا وتضامنوا بالكاد يستطيعون تحرير، أو استرداد، ما احتل عام 1967، وإن كل الجهد يجب أن ينصب على إزالة آثار العدوان الحزيراني. فكانت حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 تعبيراً عن قمة ما استطاع العرب جمعه من قوة وتخطيط وتنفيذ (كانت المرة الأولى، وما زلنا نأمل أن لا تكون الأخيرة)، إلا أن العرب في تلك الحرب لم يستطيعوا تحرير ما احتل عام 1967، وكادوا أن يُهزموا مجدداً أمام إسرائيل التي تمكنت من احتلال أراضٍ جديدة على الجبهتين المصرية والسورية.
بُعيد حرب تشرين (التي سُمّيت تحريرية)، بدأت رحلة الابتعاد، ومن ثم التخلي عن هدف تحرير فلسطين، وإسقاطه من السياسات والخطابات والبرامج الفلسطينية والعربية، عبر التمييز والفصل المستجد بين هدف استراتيجي (تحرير فلسطين) وهدف تكتيكي (استعادة الأراضي التي احتلت عام 1967)، والذي تلقفته القيادة الفلسطينية، وتبنته، عبر إقرارها ما سمي بالبرنامج المرحلي وإقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فتقدم التكتيكي على الاستراتيجي، واحتل صدارة القول الإعلامي والفعل السياسي والدبلوماسي، عبر اتفاقات فصل القوات على الجبهتين المصرية والسورية، ومن ثم مبادرة السادات والمعاهدة المصرية ـ الإسرائيلية، وتلتها مبادرة قمة فاس، 1982، ثم مؤتمر مدريد للسلام، 1991، واتفاقية أوسلو، 1993، والمعاهدة الأردنية ـ الإسرائيلية، 1994، ورحلة المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية المتوقفة منذ عقد، ومعها رحلات المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية التي ولدت متعثّرة وتستمر كذلك إلى الغد.
لقد غُيّب هدف تحرير فلسطين، بذريعة أنه مؤجل، وأن المعجل هو استعادة المحتل عام 1967 بالتفاوض مع إسرائيل، والاعتراف بها، وليس بتحريره منها، بعد فشل التحرير عام 1973. وتمكن المصريون من استعادة سيناء بالكامل، بعد الزيارة المشهورة للرئيس السادات، وما تلاها من اعتراف ومعاهدة، واستعاد السوريون القنيطرة المحتلة عام 1967 والقرى التي احتلت عام 1973، في مفاوضات فصل القوات عام 1974، ولم يتمكنوا من استعادة كامل مرتفعات الجولان في المفاوضات التي جرت على امتداد عقد بعد مؤتمر مدريد، 1991. وعلق الفلسطينيون في التفاوض مع إسرائيل والولايات المتحدة منذ 1991، ومن ثم أوسلو 1993 وما تبعها من محطات ومبادرات، من دون التمكّن من الفوز بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة (ترفض إسرائيل الإعلان رسمياً عن نهاية احتلالها للقطاع، على الرغم من سحب قواتها ومستوطنيها منه).
وعلى الرغم من مرور عقدين من التفاوض منذ اتفاقية أوسلو، ترفض إسرائيل وقف الاستيطان في الضفة الغربية، وترفض الدعوة إلى تفكيك المستوطنات وسحب المستوطنين، كما ترفض الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وتمضي في إجراءات تهويدها وضمها، وترفض الانسحاب من مرتفعات الضفة وغور الأردن، وتفرض شروطاً تعجيزية على الجانب الفلسطيني، مثل الاعتراف بها دولة لليهود.
فشل العرب في تحقيق الهدف الاستراتيجي (تحرير فلسطين)، وفي تحقيق الهدف التكتيكي، أو المرحلي (سورية والأردن والفلسطينيون)، عبر التفاوض، برعاية الأمم المتحدة، أو برعاية أميركية ـ سوفياتية، أو برعاية أميركية خالصة. وكان الفشل الأكبر من نصيب الفلسطينيين الذين راهنوا كثيراً على العرب من أجل تحرير فلسطين، وراهنوا عليهم أكثر من أجل تحرير واستعادة الضفة والقطاع كهدف تكتيكي، من دون جدوى، ثم راهنوا على أنفسهم، وعلى دعم عربي، وتفهّم دولي، للفوز بانسحاب إسرائيلي من الضفة والقطاع في مقابل الاعتراف بإسرائيل بحدود 4 حزيران/ يونيو 1967، والتخلي عن هدف تحرير فلسطين، عبر اتفاقية أوسلو وما تلاها. لكن مسيرة عقدين من الاعتراف والتفاوض والتخلي عن العنف المسلح، لم تنهِ بعد هذا الاحتلال، ما يطرح أكثر من سؤال واحتمال عن مستقبل المسار التفاوضي الفلسطيني مع إسرائيل، وخصوصاً أن الأحوال الفلسطينية والعربية تزداد تدهوراً وسوءاً، ومعها تزداد ابتعاداً القدرة على الاقتراب من تحقيق أي من الهدفين الاستراتيجي والتكتيكي، وتزداد الضغوط والمطالب والاشتراطات الإسرائيلية من الفلسطينيين وسلطاتهم.
لم يعد العرب في وارد الحديث عن تحرير فلسطين، ولو همساً، وكذلك حال السلطة الفلسطينية في الضفة وسلطة حركة حماس في القطاع، فالكلام عنه غُيّب كلياً من خطابهم الإعلامي والسياسي، وغاب أي ذكر لتحرير فلسطين (الفصائل الفلسطينية التي أنشئت قبل 1967 حملت أسماء تضمنت هدف تحرير فلسطين، مثل منظمة التحرير الفلسطينية، وجيش التحرير الفلسطيني وحركة التحرير الوطني الفلسطيني والجبهات الشعبية والديموقراطية والقيادة العامة لتحرير فلسطين، بينما معظم الفصائل التي تشكلت بعد 1967 وصولاً إلى حركتي حماس والجهاد، وما بعدها، لم يتضمن اسمها نصاً على ذلك). وبالكاد تحلم، الآن، بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الكامل للضفة والقطاع وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، من دون أن تضطر لدفع الثمن الباهظ المتمثل:
أولاً ـ بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، مع ما قد يترتب على ذلك من ترحيل للفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية التي احتُلت عام 1948.
ثانياً ـ التخلي عن مطلب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرض وطنهم فلسطين، كما نص على ذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 194.
ثالثاً ـ الإبقاء على المستوطنين الإسرائيليين ومستوطناتهم في الضفة، مع ما يقتضيه ذلك من قوة حماية إسرائيلية لهم.
واضح أننا كلما ازددنا بُعداً عن ذكرى نكبة فلسطين، ازددنا بعداً عن تحرير فلسطين، وأن انتصار إسرائيل المدوّي عام 1967، وانشغال العرب والفلسطينيين، في العقود الماضية، في السعي من أجل انسحاب إسرائيل ممّا احتلته عام 1967 في مقابل اعترافهم بها، وبحدودها وإقامة سلام معها، قد فرض على الجميع التخلي عن هدف تحرير فلسطين، وقد يفرض عليهم، لاحقاً، فلسطينيين وعرباً، التخلي عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم، وبتعبير أدق، إلى أرض فلسطين التي اعترفوا بها كإسرائيل.
وربما طلبت إسرائيل منهم، لاحقاً، إذا ما استمر الحال بالتدهور، أن يكفّوا عن ذكر اسم فلسطين، والانتساب إليها، وأن يبحثوا عن مسمّى آخر، تماماً، كما فعلوا بالفلسطينيين الذين لم يغادروا أرض فلسطين عام 1948 عندما أقيمت عليها إسرائيل، حين أطلقوا عليهم تسمية عرب 1948، أو عرب إسرائيل، والتي تحمل دلالات انعدام هويةٍ لا تخفى على أحد.
في السنوات الأولى للنكبة، وعلى امتداد العقدين الأولين، ظل هدف تحرير فلسطين، والقدرة على ذلك، يراود الفلسطينيين والعرب المجاورين لفلسطين، بل كان الشغل الشاغل لهم، إعلاماً وسياسة، وما يتبعها من لقاءات ومؤتمرات. وكانوا يحيون ذكرى النكبة سنوياً بتأكيد العزم على السعي إلى تحرير فلسطين وإزالة إسرائيل. وكان الظن الفلسطيني، آنذاك، أن التحرير ممكن، متى تقدم الفلسطينيون الصفوف، واتّخذ العرب القرار.
وقد أسهمت الثورات التي حصلت في دول عربية، وفي مقدمتها مصر والعراق وسورية واليمن والسودان، وانتصار الثورة الجزائرية، واستقلال دول عربية، ومن ثم بدء عقد مؤتمرات القمة العربية، وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وانطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة، أسهمت في تضخيم الظن بإمكانية التحرير وقرب موعده، على الرغم من أن لا أحد من قادة الدول العربية منفردين، أو مجتمعين، اتخذ قراراً بحرب التحرير، أو وضع خطة للتحرير، كما اعترف كبيرهم، الرئيس المصري جمال عبد الناصر، في حينه.
وما حدث بعد عقدين على النكبة، وارتفاع منسوب شعار وهدف التحرير إلى حده الأعظم، هو العكس تماماً، عندما احتلت إسرائيل في عدوانها في الخامس من يونيو/ حزيران 1967، وخلال ستة أيام فقط، أربعة أضعاف ما احتلته من فلسطين عام 1948 على امتداد عام تقريباً.
مع هزيمة 1967، اكتشف الفلسطينيون والعرب أن لا قدرة لديهم على تحرير فلسطين، وأنهم إذا احتشدوا وتضامنوا بالكاد يستطيعون تحرير، أو استرداد، ما احتل عام 1967، وإن كل الجهد يجب أن ينصب على إزالة آثار العدوان الحزيراني. فكانت حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 تعبيراً عن قمة ما استطاع العرب جمعه من قوة وتخطيط وتنفيذ (كانت المرة الأولى، وما زلنا نأمل أن لا تكون الأخيرة)، إلا أن العرب في تلك الحرب لم يستطيعوا تحرير ما احتل عام 1967، وكادوا أن يُهزموا مجدداً أمام إسرائيل التي تمكنت من احتلال أراضٍ جديدة على الجبهتين المصرية والسورية.
بُعيد حرب تشرين (التي سُمّيت تحريرية)، بدأت رحلة الابتعاد، ومن ثم التخلي عن هدف تحرير فلسطين، وإسقاطه من السياسات والخطابات والبرامج الفلسطينية والعربية، عبر التمييز والفصل المستجد بين هدف استراتيجي (تحرير فلسطين) وهدف تكتيكي (استعادة الأراضي التي احتلت عام 1967)، والذي تلقفته القيادة الفلسطينية، وتبنته، عبر إقرارها ما سمي بالبرنامج المرحلي وإقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فتقدم التكتيكي على الاستراتيجي، واحتل صدارة القول الإعلامي والفعل السياسي والدبلوماسي، عبر اتفاقات فصل القوات على الجبهتين المصرية والسورية، ومن ثم مبادرة السادات والمعاهدة المصرية ـ الإسرائيلية، وتلتها مبادرة قمة فاس، 1982، ثم مؤتمر مدريد للسلام، 1991، واتفاقية أوسلو، 1993، والمعاهدة الأردنية ـ الإسرائيلية، 1994، ورحلة المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية المتوقفة منذ عقد، ومعها رحلات المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية التي ولدت متعثّرة وتستمر كذلك إلى الغد.
لقد غُيّب هدف تحرير فلسطين، بذريعة أنه مؤجل، وأن المعجل هو استعادة المحتل عام 1967 بالتفاوض مع إسرائيل، والاعتراف بها، وليس بتحريره منها، بعد فشل التحرير عام 1973. وتمكن المصريون من استعادة سيناء بالكامل، بعد الزيارة المشهورة للرئيس السادات، وما تلاها من اعتراف ومعاهدة، واستعاد السوريون القنيطرة المحتلة عام 1967 والقرى التي احتلت عام 1973، في مفاوضات فصل القوات عام 1974، ولم يتمكنوا من استعادة كامل مرتفعات الجولان في المفاوضات التي جرت على امتداد عقد بعد مؤتمر مدريد، 1991. وعلق الفلسطينيون في التفاوض مع إسرائيل والولايات المتحدة منذ 1991، ومن ثم أوسلو 1993 وما تبعها من محطات ومبادرات، من دون التمكّن من الفوز بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة (ترفض إسرائيل الإعلان رسمياً عن نهاية احتلالها للقطاع، على الرغم من سحب قواتها ومستوطنيها منه).
وعلى الرغم من مرور عقدين من التفاوض منذ اتفاقية أوسلو، ترفض إسرائيل وقف الاستيطان في الضفة الغربية، وترفض الدعوة إلى تفكيك المستوطنات وسحب المستوطنين، كما ترفض الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وتمضي في إجراءات تهويدها وضمها، وترفض الانسحاب من مرتفعات الضفة وغور الأردن، وتفرض شروطاً تعجيزية على الجانب الفلسطيني، مثل الاعتراف بها دولة لليهود.
فشل العرب في تحقيق الهدف الاستراتيجي (تحرير فلسطين)، وفي تحقيق الهدف التكتيكي، أو المرحلي (سورية والأردن والفلسطينيون)، عبر التفاوض، برعاية الأمم المتحدة، أو برعاية أميركية ـ سوفياتية، أو برعاية أميركية خالصة. وكان الفشل الأكبر من نصيب الفلسطينيين الذين راهنوا كثيراً على العرب من أجل تحرير فلسطين، وراهنوا عليهم أكثر من أجل تحرير واستعادة الضفة والقطاع كهدف تكتيكي، من دون جدوى، ثم راهنوا على أنفسهم، وعلى دعم عربي، وتفهّم دولي، للفوز بانسحاب إسرائيلي من الضفة والقطاع في مقابل الاعتراف بإسرائيل بحدود 4 حزيران/ يونيو 1967، والتخلي عن هدف تحرير فلسطين، عبر اتفاقية أوسلو وما تلاها. لكن مسيرة عقدين من الاعتراف والتفاوض والتخلي عن العنف المسلح، لم تنهِ بعد هذا الاحتلال، ما يطرح أكثر من سؤال واحتمال عن مستقبل المسار التفاوضي الفلسطيني مع إسرائيل، وخصوصاً أن الأحوال الفلسطينية والعربية تزداد تدهوراً وسوءاً، ومعها تزداد ابتعاداً القدرة على الاقتراب من تحقيق أي من الهدفين الاستراتيجي والتكتيكي، وتزداد الضغوط والمطالب والاشتراطات الإسرائيلية من الفلسطينيين وسلطاتهم.
لم يعد العرب في وارد الحديث عن تحرير فلسطين، ولو همساً، وكذلك حال السلطة الفلسطينية في الضفة وسلطة حركة حماس في القطاع، فالكلام عنه غُيّب كلياً من خطابهم الإعلامي والسياسي، وغاب أي ذكر لتحرير فلسطين (الفصائل الفلسطينية التي أنشئت قبل 1967 حملت أسماء تضمنت هدف تحرير فلسطين، مثل منظمة التحرير الفلسطينية، وجيش التحرير الفلسطيني وحركة التحرير الوطني الفلسطيني والجبهات الشعبية والديموقراطية والقيادة العامة لتحرير فلسطين، بينما معظم الفصائل التي تشكلت بعد 1967 وصولاً إلى حركتي حماس والجهاد، وما بعدها، لم يتضمن اسمها نصاً على ذلك). وبالكاد تحلم، الآن، بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الكامل للضفة والقطاع وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، من دون أن تضطر لدفع الثمن الباهظ المتمثل:
أولاً ـ بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، مع ما قد يترتب على ذلك من ترحيل للفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية التي احتُلت عام 1948.
ثانياً ـ التخلي عن مطلب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرض وطنهم فلسطين، كما نص على ذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 194.
ثالثاً ـ الإبقاء على المستوطنين الإسرائيليين ومستوطناتهم في الضفة، مع ما يقتضيه ذلك من قوة حماية إسرائيلية لهم.
واضح أننا كلما ازددنا بُعداً عن ذكرى نكبة فلسطين، ازددنا بعداً عن تحرير فلسطين، وأن انتصار إسرائيل المدوّي عام 1967، وانشغال العرب والفلسطينيين، في العقود الماضية، في السعي من أجل انسحاب إسرائيل ممّا احتلته عام 1967 في مقابل اعترافهم بها، وبحدودها وإقامة سلام معها، قد فرض على الجميع التخلي عن هدف تحرير فلسطين، وقد يفرض عليهم، لاحقاً، فلسطينيين وعرباً، التخلي عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم، وبتعبير أدق، إلى أرض فلسطين التي اعترفوا بها كإسرائيل.
وربما طلبت إسرائيل منهم، لاحقاً، إذا ما استمر الحال بالتدهور، أن يكفّوا عن ذكر اسم فلسطين، والانتساب إليها، وأن يبحثوا عن مسمّى آخر، تماماً، كما فعلوا بالفلسطينيين الذين لم يغادروا أرض فلسطين عام 1948 عندما أقيمت عليها إسرائيل، حين أطلقوا عليهم تسمية عرب 1948، أو عرب إسرائيل، والتي تحمل دلالات انعدام هويةٍ لا تخفى على أحد.