مَلاك الزبيدي... معيار للتمييز بين الإنسان والأنعام

27 ابريل 2020
+ الخط -
هل سمعتم بالأنعام؟.. قبل العروج إلى فاجعة ملاك الزبيدي، لا بد من بيان معنى الأنعام في اللغة العربية لأننا بصدد التمييز بينها وبين الإنسان:

الأنعام: غنم وماعز وحمير وبقر، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل.
الأنعام السائمة‏: الماشية التي ترسل للرعي ولا تعلف‏.
‏الأنعام العوامل: الماشية المستفاد من ركوبها ولحومها وألبانها‏.
‏الأنعام المعلوفة‏:الماشية التي تأكل العلف وتتغذى عليه‏.

أتحدث هنا عن الفتاة العراقية (ملاك) الزبيدي. لكن بما أن ما حدث لها يتنافى مع القيم الإنسانية، وحالتها جسدت سلوكيات هي أقرب إلى الأنعام وأحوالها وأنواعها المعروفة عند العرب، فهي غير الإنسان ولو أنها تشارك الإنسان في الحركة، حيث في الأرض مخلوقات، وكائنات حية، كلها تتحرك، لكن الروح التي تحركها مختلفة..

الشيخ البهي الخولي في كتابه عن آدم عندما يتحدث عن الروح الإلهية التي نفخها الله في الإنسان وحقيقتها، يبين أنواع الروح، فليس كل من تحرك يمتلك الروح التي يتحدث الله عنها في القرآن، فالدودة تتحرك والحشرات والحيوانات والبهائم والزواحف، منها ما يمشي على بطنه وما يمشي على رجلين وما يمشي على أربع، ومن ذوات الحياة ما يطير، ما يعني ليس كل متحرك ببشر.

آية قرآنية يقارن الله خلالها بين الأنعام والإنسان، مفضلا الأنعام على بعض البشر "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ" (سورة الأعراف 179)، بمعنى هم أردأ من الأنعام والأنعام أهدى من هؤلاء، لأنهم لم يعودوا من أحسن الكائنات تقويماً..

ملاك الزبيدي، التي ماتت حرقا، هل أحرقوها أم أحرقت نفسها ، الأمران لا يختلفان كثيرا، لأنها لو هي من أشعلت النار في جسدها فإن السبب هو حياة الضنك التي كانت تحياها، فأُحرقت مباشرة أو بخطوة لاحقة، خطوة الدفع لإشعال النيران..

إذا كان الفارق بين الإنسان والأنعام، هو تلك الصفات التي بها يتميز عن الكائنات الأخرى، الرحمة والرأفة والرفق والحنان والحب والمحبة والخير والصدق والإحسان والشعور بالمسؤولية تجاه الرعية، وغيرها من الصفات الإنسانية، فإن المحيط بملاك من الكائنات الأخرى، لأن أدوات الفهم والعلم والعقل والتفكر والتثقف، مما يعطي الإنسان الوعي ويتصرف بناء عليه بروح تسمى الإنسانية، هذه الأدوات معطلة، بفعل الزمن، أو بفعل التربية التي يتلقاها المرء أو البيئة التي يعيش فيها، وعند تعطلها فإن الأنعام أهدى منه سبيلا، لأن الأنعام لها من الأساسيات الإجبارية التي تتحرك وفقا لها، لكن الإنسان المخير داس بإرادته على تلك الأساسيات العقلية والروحية المخلوقة فيه، ففقدت الخصال المميزة له عن البهائم والزواحف، فأصبح أردى منهم، وهذا معنى قوله سبحانه "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ" (سورة التين 4 - 5).

ملاك كانت في مسؤولية من لم يكن أهلا لحملها، كثيرة هي المشاهد التي تصور مصارعة الحيوانات من أجل الحفاظ على صغارها أو زوجها. وفاء، وصدق، وإخلاص، و حب ومحبة.. لكن هل ما حدث لملاك هو سلوك لائق بالإنسان وفقا للشروط الطبيعية، حتى الفطرة التي لم تُنَمَّ بفعل الزمن، هل يتناسب مع هذه الفطرة؟ الحل كان بسيطا "فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ" (سورة البقرة 229).

إن القضية هنا تتجاوز فتاة تجسد صورة لنمط من الحياة في العراق وغيره من المجتمعات، القضية هي التردي إلى الدرك الأسفل، ليست الذكورة والأنوثة والنزاع الأزلي بينهما، ولا انعدام القوانين، ففي الغرب المليء بالقوانين والتشدق بحقوق المرأة يحدث فيه من تعدٍّ على النساء ما لا يحدث إلا في المجتمع الرعوي، القضية هي قلة تربية أو غيابها، القضية هي تعفن الروح الإنسانية..

الإنسان مكون من روح ومادة، أساس المادة وفق المنطق القرآني هو التراب، والماء "إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ" (سورة ص 71)، والطين له خصائصه، غير خصائص الروح التي بها أصبح بشرا، وبامتلاك الصفات والمؤهلات والخصائص القيمية يكون إنسانا، فإذا تردى البشر إلى الطور الأول من مسار خلقه يفقد خصائص الروح ويعود طينا وترابا كما يقول الشيخ محمد الغزالي، من سواد الوجه والخشبية والعفونة وإصدار أصوات مزعجة، فالطين -الفخار- النفخ فيه يصدر الصوت وضربه كذلك.. فمن يعود على عقبيه إلى مستوى الطين والفخار، لا يمتلك أية قيمة إنسانية فهو "مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ" (سورة الحجر 26).

ملاك الزبيدي وأضرابها، كل ما يُرِدنَه هو التعامل الإنساني.. فإن لم يكن الإنسان الراقي صاحب الشعور بالمسؤولية، فليكن الإنسان البدائي الفطري!

دلالات