ميونيخ السوري: روسيا تضغط لوقف نار بشروطها والمعارضة ترفض

12 فبراير 2016
أعلن لافروف تقديم عرض "ملموس" لوقف إطلاق النار (Getty)
+ الخط -


سعت روسيا لاستغلال اجتماع "مجموعة الدعم الدولية" الخاصة بسورية في ميونيخ، أمس الخميس، لمواصلة محاولتها فرض رؤيتها لوقف إطلاق النار في سورية، بما يخدم النظام السوري ويُشكّل ضرباً للثورة، وذلك استباقاً لجولة المحادثات السياسية المفترض أن تعقد في 25 من شهر فبراير/ شباط الحالي ما لم تطرأ تطورات تفضي إلى تقديم موعدها، كما ألمح مسؤولون روس أمس، أو تؤدي إلى تأجيلها.

وبينما كانت تعقد اجتماعات، أمس الخميس، على هامش مؤتمر ميونيخ ضمت وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره السعودي عادل الجبير، ووفد المعارضة السورية التي شاركت من خلال منسق الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، أعلنت موسكو تقديم ما سمّته "عرضاً ملموساً" لوقف إطلاق النار، في ما بدا محاولة روسية لتكون في موقع المبادِرة لجعل مواقف باقي الأطراف، وخصوصاً المعارضة السورية والدول الداعمة لها، مجرد ردود أفعال تعمد إلى تصويرها على أنها ردود تعرقل "الحل" من منظور روسيا.

وتستند موسكو في سياستها المتبعة إزاء الملف السوري إلى موافقة أميركية، غالباً ما باتت تظهر عبر مواقف تصبّ في صالح الاستراتيجية الروسية، على غرار ما جرى أمس. وبينما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف،في مستهل لقائه بنظيره الأميركي جون كيري، أن روسيا قدّمت عرضاً "ملموساً" لوقف إطلاق النار في سورية وتنتظر رداً أميركياً، اكتفى كيري بالقول "نريد إحراز تقدم في مسألتي إيصال المساعدات الإنسانية ووقف إطلاق النار". إلا أن دبلوماسياً أميركياً كان يوضح لـ"فرانس برس" من واشنطن أن بلاده تريد "وقفاً فورياً لإطلاق النار"، مشيراً إلى أن "الولايات المتحدة تواصل العمل من أجل وقف فوري لإطلاق النار. نواصل عملنا عبر قنوات مختلفة للتوصل إلى ذلك في أقرب وقت".

في غضون ذلك، كان لافتاً تجديد السعودية تأكيدها، أمس الخميس، استعدادها لإرسال قوات برية إلى سورية "بمجرد اتخاذ التحالف الدولي قراراً بذلك"، كما أعلن المستشار في وزارة الدفاع السعودية أحمد العسيري، أمس، بعد حديث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن "الخطة ب" في سورية في حال فشل الجولة الثانية من مفاوضات جنيف. أما تركيا، فأكدت عبر رئيسها رجب طيب أردوغان، أمس، أنه "لا يمكن حل الصراع السوري من دون إنشاء منطقة آمنة ومنطقة حظر طيران"، مضيفاً: "سنستمر في القيام بالخطوات التي نراها ضرورية".

اقرأ أيضاً: السعودية لن تتراجع عن إرسال قوات برية إلى سورية

وفي خضم هذه التطورات، تبدو المعارضة السورية مدركة لمدى صعوبة خياراتها في ظل الضغط الذي تتعرض له على الأرض من قِبل قوات النظام المدعومة من المليشيات والطيران الروسي، خصوصاً في حلب، إضافة إلى الضغوط السياسية الأميركية عليها. لكن على الرغم من ذلك بقيت متمسكة بموقفها من الطروحات الروسية التي تعتبرها "مشبوهة"، رافضة أي طرح لا يخدم الثورة السورية.
وهو ما ترجم برفضها أمس، على لسان عضوة الهيئة العليا للمفاوضات، هند قبوات، للمقترح الروسي، مطالبة موسكو، في المقابل بوقف القصف في سورية بشكل فوري، دون إبطاء. وقالت قبوات لوكالة "الأناضول" من ميونيخ "لا يمكننا انتظار الأول من مارس/آذار، فهذا يعني تدمير سورية بالكامل، لذلك ندعو لوقف إطلاق النار في أقرب وقت".

وشددت، قبوات على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية، إلى المناطق المحاصرة، داخل سورية، من أجل العودة إلى محادثات جنيف، مضيفة "الشعب السوري علق آماله علينا، ويجب أن نجلس على طاولة الحوار بجنيف، وألا نُسعد روسيا وإيران، بغيابنا، ولكن لن نجلس على الطالولة مالم يتم اتخاذ خطوات ملموسة". وأشارت قبوات إلى أن وفد المعارضة اجتمع مع وزيري الخارجية الأميركي جون كيري، والألماني فرانك فالتر شتاينماير، أمس، ونقل إليهما طلباته، المتمثلة في "ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية بشكل فوري للسوريين، وإنهاء الحصار، وإطلاق سراح المعتقلين، وبعدها يمكن أن نتحدث بخصوص الحل السياسي".

من يؤكد نائب رئيس الائتلاف السوري، هشام مروة، لـ"العربي الجديد"، أن "المعارضة أبدت رغبتها منذ مؤتمر الرياض، بتنفيذ وقف إطلاق النار، وذلك بناءً على الشروط التي يتم الاتفاق عليها، في حال تأسيس مؤسسات الحكم الانتقالي، وفي إطار الحصول على ضمانات دولية، مدعومة بقوة الشرعية الدولية"، مضيفاً أن وقف إطلاق النار "سيكون مقبولاً إذا كان ضمن إجراءات نجاح العملية السياسية والانتقال السياسي، وتحقيق أهداف الثورة". لكنه يشدد على أن "العملية مرتبطة في أن يكون فيها مصلحة للطرفين، والروس الآن صنعوا للنظام تقدّماً على الأرض، ولهذا فإننا نعتبر طرحهم مشبوهاً" في هذا التوقيت، معرباً عن أمله في أن يفضي اجتماع ميونيخ إلى "شيء إيجابي".

ويشير مروة إلى أن "المعارضة ترى أن وقف إطلاق النار هام وينبغي أن يشمل وقف الروس والنظام قصف المدنيين والمعارضة المعتدلة (على حد وصفه) والجيش الحر، وانسحاب المليشيات العراقية واللبنانية والقوى الإيرانية"، مشدداً على أن "الملفات الإنسانية هي ملفات غير تفاوضية بل واجبة التنفيذ مثل إدخال المساعدات، وفك الحصار ووقف استهداف المدنيين والإفراج عن المعتقلين، وهذه ملفات لا تُعتبر شروطاً مسبقة". لكن تُظهر تصريحات مسؤولي النظام الأخيرة، أنه غير مكترث بمحادثات الحل السياسي، مقلّلة من أهمية الجهود الدبلوماسية، إذ أعادت المستشارة السياسية لرئيس النظام بثينة شعبان، في تصريحات صحافية، العزف على وتر "مكافحة الإرهاب"، وذلك في معرض حديثها عن وقفٍ محتملٍ لإطلاق النار.

في غضون ذلك، يناشد رئيس هيئة الأركان العامة للجيش السوري الحر العميد الركن أحمد بري، الدول الإقليمية الداعمة للمعارضة بتزويد فصائل الجيش الحر بمضادات طيران ومضادات أرضية وأسلحة نوعية، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن المعارضة السورية المسلّحة قادرة على دحر قوات النظام ومليشيات إيران الطائفية وتغيير الموازين العسكرية على الأرض في حال توفر لها السلاح المطلوب. ويؤكد بري أن الطيران الروسي لا يستهدف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إنما يستهدف المعارضة والمدنيين في المناطق التي تسيطر عليها، مشيراً إلى أن آلاف القذائف تسقط يومياً على مدن وبلدات ريف حلب الشمالي، مضيفاً أن "القصف يشمل كل شيء، بما فيها قوافل الإغاثة".

من جهته، يقول المستشار القانوني للجيش السوري الحر أسامة أبو زيد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن السعودية تبذل جهوداً كبيرة حيال ما يجري في سورية، مضيفاً: "لكن المرحلة أصبحت تتطلّب ما هو أكثر من التهديد". ويشير أبو زيد إلى أن الجيش الحر يريد من الرياض العمل "خارج إطار الإدارة الأميركية"، معرباً عن اعتقاده بأن هذه الإدارة هي "السبب الرئيسي وراء منع تزويد الجيش الحر بالسلاح القادر على مواجهة قوات النظام والمليشيات الطائفية والمدعومة بالطيران الروسي".

أما الكاتب والمحلل السياسي أيمن أبو هاشم، فيعتبر أن الخطة "ب" التي أشار إليها الجبير هي "ترتيبات جديدة لدى السعودية وتركيا للتعامل مع المتغيّرات الكبيرة التي فرضها التدخل الروسي على الأرض". ويرى أبو هاشم في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الخطة "ربما تتضمن تحركات عسكرية قد تكون مباشرة عبر قوات تركية، وخليجية، أو إسلامية لمواجهة تمدد وحدات حماية الشعب الكردية على الحدود السورية التركية، واستهداف تنظيم الدولة الإسلامية، أو تحرّك غير مباشر عن طريق تكثيف دعم الجيش الحر وتزويده بمضادات طيران، وأسلحة متطورة". لكن أبو هاشم يبدي خشية من أن يكون الحديث عن "الخطة ب" هو "مجرد وعود تضاف إلى سلسلة طويلة من وعود سابقة، لم تنفذ، وتركت الساحة نهباً للفراغ، ولمزيد من التمادي الروسي والإيراني".

اقرأ أيضاً: اجتماع ميونخ يسعى لاستئناف عملية السلام السورية

المساهمون