ميلر: الشعوب الغربية تجهل كثيراً عن عالمنا العربي

06 فبراير 2015
نهى ميلر: نحتاج إلى مؤسسات تمثل العرب (العربي الجديد)
+ الخط -

مرّ معظم أبناء جيلنا في مرحلة ضياع تقرير المصير في ظلّ الأوضاع التي عايشناها في بلادنا العربية، وألمّ بأكثرهم ذلك الإحساس بالحيرة. ببساطة، بدأت الدكتورة نهى ميلر كلامها بالحديث عن تلك المرحلة من حياتها حين بقيت لفترة طويلة عاجزة عن رسم خطة أو هدف لحياتها، بيد أنّ الدراسة لازمتها في جميع مراحل حياتها حتّى بعد حصولها على الدكتوراه، وتأليفها للعديد من الكتب عن وسائل الإعلام والحلم المصري، عن الهوية الوطنية المصرية والصحافيين العرب في وسائل الإعلام العابر للحدود والصحافة العربية الحديثة...

الدكتورة ميلر أستاذة في الإعلام  في جامعة "بيدفوردشير" شمال العاصمة البريطانية لندن، درست في ثلاثة بلدان مختلفة وتمكّنت من تحقيق النجاح على الرّغم من اختلاف النظم التعليمية. وصلت إلى عالم الصحافة مصادفة، وساهمت في الترويج للسلام من خلال تحالف الأمم المتحدة للحضارات، حيث مثّلت الأورومتوسطي ووسائل الإعلام في الاجتماع الوزاري للاتحاد الأوروبي عن الثقافة. وهنا نص الحوار مع "العربي الجديد":

لماذا غادرت مصر؟

لأنني مثل الكثير من المصريين من جيلي أردنا المغادرة لنرى الغرب، فسافرت إلى الدنمارك، حيث اكتشفت أنني لا أستطيع البدء بدراسة الماجستير لأنّني كنت حاصلة على إجازة في مصر، واضطررت إلى إعادة دراسة سنوات الجامعة من البداية، وتقبّلت الموضوع. بيد أنّني شعرت بالفرق الكبير بين التّعليم في بلادنا وفي اسكندنافيا. 

غادرت مصر في سن الخامسة والعشرين، وعشت في الدنمارك أولاً، وبعدها أتيت إلى بريطانيا، منذ عشر سنوات، حيث لمست أيضاً اختلافاً في نظام التعليم عن اسكندنافيا، واستفدت من تلك التجربة التعليمية في ثلاثة بلدان مختلفة، في مصر والدنمارك ولندن.

أنا مثل أشخاص كثيرين من أبناء جيلي، بقيت لفترة طويلة عاجزة عن رسم خطة أو هدف لحياتي، وفي أي مجال قد أنجح، بيد أنّ الأمر الجيد الذي قمت به هو الاستمرار في الدراسة لأنّنا في بلادنا العربية ننشأ على مبدأ أهمية التعليم، ورحت أنال الشهادة  تلو الأخرى، ولم أتوقف أبداً عن التعلّم.

كيف دخلت مجال الإعلام؟ وكيف تصفين تلك التجربة؟

ذات يوم كنت أستمع إلى نشرة أخبار هيئة الإذاعة الدنماركية، وذلك بعد حصولي على الماجستير، وشعرت برغبة بالعمل معها، فاتّصلت برئيس تحرير الإذاعة، الذي طلب مقابلتي، وهكذا التحقت بمجال الإعلام بمحض المصادفة. وخلال تلك الفترة تعرّفت إلى العديد من الصحافيين الدنماركيين، وبدأت تتحرّك ميولي نحو الإعلام، ما دفعني إلى دراسة الدكتوراه في هذا المجال، وتقديم رسالتي عن حرب العراق في عام 2003، على الرغم من أنّي حائزة على ماجستير في اللسانيات البعيدة كل البعد تقريباً عن الإعلام.

* ما هو أثر الإعلام برأيك على صورة العرب والإسلام في المجتمع البريطاني؟

غالباً ما نعتقد أنّ الإعلام يلعب دوراً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط، لكن اقتصار مفهومنا على تلك المنطقة خاطئ، لأنّ الإعلام هنا أيضاً يؤثر كثيراً على آراء الناس، فهم عموماً يجهلون الكثير عن العالم العربي، حتى أنّني حين كنت أقدم رسالة الدكتوراه عن حرب العراق، توجّه أحد الأشخاص إلى نواب بريطانيين وسألهم، ما الذي يعرفونه عن الحرب هناك أو عن المشاكل المذهبية بين السنة والشيعة، بيد أنّهم لم يفقهوا شيئاً عن الموضوع.

لا أتّهم شعوب هذه البلاد بجهل شؤون المنطقة العربية، لأنّنا نحن أيضاً كعرب قد تغيبت عن بالنا مسائل عديدة عن بلدان قد لا نكترث بتتبع أخبارها، كونها لا تمتّ إلينا بصلة أو لا تؤثّر على مجرى حياتنا.

لو أخذت مثلاً تغطية "داعش"  كمثال، روّجت الـ "بي بي سي" كغيرها رواية أو حقيقة إنشاء دولة الخلافة الإسلامية، بيد أنّهم سلّطوا الضوء على تلك المسألة من دون غيرها، حتّى تحوّلت إلى بروباغندا، وعمدوا إلى التغاضي عن تغطية نواحٍ أو جوانب أخرى بالغة الأهمية، مثلاً من يموّل "داعش"؟ ومن أين يحصل التنظيم على السّلاح؟

كلّها تساؤلات لم يتطرّق إليها الإعلام، فلا يعقل أن يكون التنظيم مسيطراً على آبار نفط كما أشيع، ولنفترض تصديق ذلك، فالمنطق يحثّنا على البحث عن إجابات على أسئلة بديهية ومنها، من يشتري أو لمن يبيع "داعش" النفط؟

أمّا عن تركيز الإعلام على أولئك الشباب الذين التحقوا بالقتال في سورية وخطرهم على المجتمع البريطاني في حال عودتهم، أود أن أشير إلى أنّ هؤلاء أقل خطراً من المتطرفين المقيمين بيننا، لأن أسماءهم لدى الاستخبارات ويبقون تحت المراقبة.

ولا أعتقد أنّه من الممكن تطبيق قانون سحب الجنسية على أرض الواقع ببساطة، خصوصاً إنْ كان الشخص لا يمتلك جنسية أخرى، لأنّ ذلك يناقض حقوق الإنسان فالأمم المتحدة تنص على حقّ كل إنسان بحمل جنسية، وما يحدث في بعض البلاد العربية لا يمكن أن يُسمح به هنا. إنّه أمر في غاية الصعوبة، فهناك إجراء قانوني ومحاكمة، ولا أعتقد أن القضاء البريطاني سيوافق على حرمان شخص من الجنسية، مثال أبو قتادة (عمر محمود عثمان) المتهم بالانتماء للقاعدة، عجزوا عن ترحيله أو طرده عن طريق المحاكم التي رفضت أن تصدر حكماً بذلك.

الجدير بالذكر، أنّ بريطانيا تبقى أرحم من مناطق أخرى في الغرب حيث تتبع غالبية دوله سياسة الالتحام أو الاندماج، وينبغي على الأجنبي أن يتماشى مع الثقافة الجديدة كي يتمكّن من العيش من دون مضايقات. بينما تختلف الأوضاع في بريطانيا فهناك تمازج وتنوّع ثقافات.

الطلاّب العرب في جامعة "بيدفوردشير" ماذا عن اهتماماتهم ودراستهم؟

هناك الكثير من الطلاب العرب، الذين يأتون للدراسة لأنهم علموا أن هناك مدرّساً من أصول عربية، ولاحظت في السنوات الأخيرة خلال فترة التدريس، أن الطالبات خصوصاً القادمات من المجتمعات المحافظة، مثلاً السعودية، يرغبن بدراسة وضع المرأة، حتى أنّهن يعمدن إلى تقديم رسالة الدكتوراه عنها، وهو أمر مهم ولافت لأنّه يفتح مجالات للتعرّف على الكثير ممّا يغفل عنه الإعلام. ومن الممكن أن تهدف تلك الطالبات إلى تحسين وضع المرأة، بيد أنهن يكتبن بحذر شديد. 

برأيك كيف من الممكن أن تحسّن الجاليات العربية صورتها في المجتمع البريطاني؟

للأسف الجاليات العربية، ليس لديها جمعيات مدنية هنا، حتى لو حاولنا إنشاء تلك الجمعيات على "فيسبوك"، لن نتمكّن من إنجاز نشاطات على أرض الواقع، وتبقى مجرّد كلام. فلو كان لدينا جمعيات مدنية في بريطانيا، كان من الممكن أن نقوم من خلالها، بحملات أو تصريحات قد تساهم في تجميل أو إظهار صورتنا الحقيقية للغرب. وربما تكمن المشكلة، أنّنا أتينا من مجتمعات لا توجد فيها ثقافة الجمعيات المدنية.

المساهمون