من أم بصرية وأب أنباري، ولدت الفنانة العراقية، ميلاد سري، إحدى أبرز المسرحيات العراقيات في الوقت الحالي، عام 1976. أكملت معهد الفنون الجميلة ببغداد عام 2015. متزوجة ولها ابن واحد. تحدثت سري لـ"العربي الجديد" عن بدايتها الفنية قائلةً: "بدأت مشواري الفني في عام 1993 في عمل مسرحي بعنوان "عقود فرهود" للمخرج حسين علي صالح، وبعدها "ملعب المنافقين" الذي عرض على المسرح الوطني وسط العاصمة بغداد. وكانت بدايتي كفنانة استعراضية مع فرقة "شهرزاد"، ومن ثمة تحولت من راقصة استعراضية إلى فنانة".
لست مجرد فنانة استعراضيَّة
وأضافت: "لم تواجهني في مسيرتي الفنية عقبات كثيرة إلا واحدة، وهي عدم الموافقة على أن يُسنَد إلي دور في المسرح الجاد كوني فنانة استعراضية. إذْ يعتقد أكثر الفنانين العراقيين أن ميلاد سري مجرد فنانة استعراضية، ولا يمكنها أن تمثل الأعمال الجادة التي تحتاج إلى إدراك عالٍ وعمق فكري، لكنني فاجأتهم بمسرحية "الموت والعذراء" في عام 2008. وبعد هذا الدور، أصبحت من ممثلات الخط الأول، إن صح التعبير، في المسرح الجاد. وعملت مع كبار نجوم الفن العراقي مثل المرحوم يوسف العاني، والمرحومة ناهدة الرماح، وسامي عبد الحميد والفنانة شذى سالم وعواطف نعيم وعزيز خيون، وهذه النخبة من عمالقة الفن العراقي".
الحكومة العراقية لا تعترف بالفنانين
وصفت سري حال الفنان العراقي بأنه آيل للسقوط: "فلا يمكننا القول إنَّه سقوط تام. ولكن نقول إنّه آيل، لأنه يصحو تارة، ويغفو تارة أخرى. والفنان العراقي غير معترف به بعد عام 2003 مع شديد الأسف، من قبل الحكومة العراقية الجديدة التي لا تعترف ولا تقيم أي اعتبار للفن العراقي والفنانين أو للثقافة والتشكيل. كلّ هذه الأمور لا تشكِّل شيئاً عند الحكومة العراقية. وبالرغم من هذه الاستهانة التي نواجهها، نعمل ونقدم، فلا يأس في الحياة، والفنان يبقى فناناً".
انعدام الحماية الأمنيَّة
تشير سري إلى أنَّ الوضع الأمني يعرقل عمل الفنانين في العراق، تقول "نحن نعمل في الشارع العراقي بدون أي حماية أمنية. فمنذ عام 2003 إلى هذه اللحظة، لا ترافقنا أي جهات أمنية لما نقوم بالعمل والتصوير، فهل هذا يجوز؟ أمّا كامرأة فأنا لا أسير كما يُراد لي. لكني أسير واثقة الخطى، كما أريد أنا، لا كما يراد لي. والوضع الأمني في العراق اليوم سيئ جدًا، لا نقول إنهّ لا يوجد أمن تماماً. لكن الأدق هو أن نقول إن الأمن غير مستتب".
غياب الذائقة العراقية
وفي مقارنة بين جمهور الأمس واليوم، قالت سري: "أكيد لا يقارن. فجمهور الأمس كان جمهوراً مثقفاً وواعياً جداً. أما جمهور اليوم (دون تعميم)، فلا فن ولا ثقافة ولا وعي ثقافياً، لأنه لم يكبر وينشأ في زمن السينما والمسرح أو التلفزيون، إنما زمن "فيسبوك" و"السوشيال ميديا"، لأنَّ الشبكة العنكبوتية اصطادت عقولهم، ومسحت الذائقة العراقية. أنا متصالحة مع نفسي ومع كل الفنانين. وأنا بلا مشاكل مع أي فنان وفنانة. الحمد لله أنا متصالحة مع الفن والفنانين ونفسي". وتشير سري إلى أنه يمكنها عمل الأدوار الجريئة، شرط أن يكون الدور غير مخل بالشرف. و"أنا كميلاد سري نجحت بالأعمال الجريئة، لكن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها".
اليوم، يشهد المسرح العراقي صحوة جديدة، كمسرح شعبي وجماهيري كما يسمى. بحيث عادت العوائل العراقية لمواكبة الحضور إلى العرض المسرحي كما كانت سابقاً. "فقدنا العائلة العراقية منذ سنوات لكثرة الأعمال المسرحية غير اللائقة، التي لا تناسب قيم مجتمعنا العراقي. ولكن، الحمدلله، تمكنا اليوم من الوصول إلى ذائقة العائلة العراقية، وعودتها إلى الحضور للمسرح من جديد من خلال مسرحية "ماكو مثلنا" التي تعرض على المسرح الوطني الآن. وهي مسرحية مأخوذة من الواقع، وتُعرَض بلا إسفاف، وتجد فيها الغناء والكوميديا والجد والحزن".
وعن جديدها تقول سري: "لي عمل جاد بعنوان "أمكنة إسماعيل"، ويدور حول شخص يدّعي الجنون، للخوف الذي ينتابه من الخروج إلى الشارع ولقائه بأي إنسان. ويمثل الجنون، إلا أنه غير مجنون، وقريباً سنكون على خشبة المسرح الوطني لعرض المسرحيَّة".
عُرفت ميلاد سري بعد عام 2003 إعلامياً، وترجع ذلك إلى أسباب عدة، تقول "لأنني كنت أعمل في المسرح قليلاً. وأظهر فقط في الأعمال التلفزيونية. لكن بعد عام 2003، انتهى المسرح، ولم يبق للفنان العراقي إلا المسرح الوطني، الذي تمت حمايته من الحرق، وتسرب خبرٌ عن نيات مبيتة لحرقه. كما أنَّ مسرح الرشيد الذي يحكى أنهم سيقومون بترميمه ولم يرمم ولن يرمم فقط لأن اسمه مسرح الرشيد. وليعلم السياسيون أن اسمه لن يتغير، وأنهم راحلون. ولو يملك السياسي العراقي الثقة بنفسه لما احتمى خلف الحواجز الكونكريتية".
وعن صناعة السينما في العراق، تؤكد سري أنه يجري بين الفنانين ووزارة الثقافة والإعلام العمل على نظام التمويل الذاتي إلى الآن، "ولهذا، يبقى الفنان براتب 300 ألف دينار عراقي أو 400 ألف دينار عراقي. فعن أي سينما نتحدث وكيف سيكون الإنتاج ومن سينتج؟".