ميريل ستريب تمثل القيم الأكثر ندرة
ربما كانت لحظة الممثلة الأميركية ميريل ستريب في غولدن غلوب، يوم أمس، نقطة الضوء الباهتة في النفق المظلم الذي نخشى أن ينهار على رؤوسنا في أي لحظة.
فمن بين كل أخبار الدمار المحيط بنا، وذلك الذي نتخيل، تأتي ستريب، الممثلة من طراز رفيع، لتذكرنا أن البشر ما زالوا قادرين على تمثل أكثر القيم احتراماً وإجلالاً على مر التاريخ؛ الدفاع عن الضعفاء في وجه الأقوياء.
قالت ستريب يوم أمس، بعد تكريمها بجائزة (سيسل بي دوميل) عن مجمل أعمالها:
"كان هناك أداء (مشهد تمثيلي) صعقني هذه العام، وانغرس في قلبي. ليس لأنه جيد، بل لم يكن هناك أي شيء جيد فيه. لكنه فعّال وقام بمهمته على أكمل وجه. كان المقصود منه أن يُضحك الحضور، وأضحكهم حتى ظهرت أسنانهم. لقد كانت اللحظة التي قام بها الرجل الذي يسعى لحيازة أكثر المواقع احتراماً في بلدنا، بالتهكم على مراسل من ذوي الاحتياجات الخاصة. شخص قد لا يمتلك ما يكفي من الامتيازات والقوة والقدرة على الرد. ذلك المشهد حطم قلبي، وما زلت غير قادرة على جعله يغادر تفكيري، لأنه لم يكن فيلماً، بل حقيقة معاشة.
تلك القدرة على الإهانة، عندما تأتي من شخص قوي عبر منصة عامة، ستؤثر في حياتنا جميعاً، لأنها بصورة ما، تعطي الإذن لأي أحد كي يفعل الشيء نفسه. الإهانة تجلب الإهانة، والعنف يشجع العنف، وعندما يستخدم الأقوى موقعه ليتنمر على الآخرين، كلنا نخسر".
كثيرون تحدثوا عن تلك اللحظة حينها، نوفمبر/تشرين الثاني 2015، عندما تهكم دونالد ترامب على الصحافي سيرج كوفالسكي من صحيفة "نيويورك تايمز". كثيرون انتقدوا ترامب بشدة، وعلى اختلاف أهدافهم، وقد كان بينهم مدافعون حقيقون عن العدل والمساواة، إلا أن ردود الأفعال كانت في خضم خصومات سياسية في ذورة صراع انتخابي. فضاع الصادقون في غمرة تصفية الحسابات الانتخابية بين ترامب وخصومه.
اليوم تأتي ستريب لتعيد تلك اللحظة المخزية إلى الواجهة من جديد، بعيداً عن الحملات الانتخابية. تعيد إحياء تلك اللحظة، من خلال القيمة الأخلاقية الأكثر ندرة اليوم، وهي الوقوف في وجه الأقوى، للدفاع عن القيم التي نؤمن بها، ونعتنقها، تلك التي تتعلق بالمساواة، والرغبة بالعيش باحترام، رغم كل شيء.
صحيح أن سيرج كوفالسكي صحافي في "نيويورك تايمز"، ولكنه لم يكن في تلك اللحظة كذلك، بل كان إنساناً من ذوي الاحتياجات الخاصة، تعرض للتهكم لإضحاك الجماهير. وصحيح أن ميريل ستريب كانت تدافع عن موقف تتبناه هوليوود أصلا، من خلال رفض نخبها لترامب، وكل ما يمثله. كما أن ما قالته لن يكون له كلفة على الإطلاق، فلن تتأثر "عقود عملها" بانتقادها الرئيس، ولن تلاحقها السيارات السوداء في شوارع لوس أنجليس.
إلا أن هذه الوقائع لا تطعن في وهج تلك اللحظة، ولا تقلل من قيمتها، فقد صاغت موقفاً يجب أن يحتذى، في مسارح وعوالم أخرى.