ميخائيل ساكاشفيلي: من رئيس لجورجيا إلى رحّالة بلا جنسية

12 سبتمبر 2017
تحوّل ساكاشفيلي إلى المطلوب الأول في تبليسي(جينيا سافيلوف/فرانس برس)
+ الخط -
كان ذلك في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في العاصمة الصينية بكين، صيف عام 2008، حين "طرأ" أمر ما، دفع رئيس الوزراء الروسي في حينه، فلاديمير بوتين، إلى ترك الدورة، والعودة سريعاً إلى موسكو. وقتذاك، سأل الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، بوتين: "لمَ الاستعجال؟"، ردّ الروسي "سأُعلّق مشنقة ساكاشفيلي في الساحة الحمراء في موسكو".

كان الرئيس الجورجي السابق ميخائيل ساكاشفيلي، قد أعلن هجوماً لقمع الأحلام الانفصالية لإقليم أوسيتيا الجنوبية الموالي للروس، في صورة مشابهة لحوض دونباس (منطقتي لوغانسك ودونيستك) في الشرق الأوكراني. استند ساكاشفيلي إلى أمرين. الأول، وصوله هو بالذات إلى قيادة بلاده عبر "ثورة الورد" عام 2003، التي أطاحت أشهر رؤساء الجمهوريات السوفييتية السابقة، إدوارد شيفاردنادزه. استند ساكاشفيلي إلى دعمٍ شعبي كبير، بالإضافة إلى اعتبار نفسه "مناضلاً ضد الهيمنة الروسية". الأمر الثاني، متعلق بإيمانه بأن الغرب، الأميركيين تحديداً، مستعد لنجدته بغية ضمّ جورجيا إلى حلف شمال الأطلسي.
كل شيء انهار في 5 أيام في أغسطس/آب 2008. خسرت جورجيا حربها ضد الروس، واجتاحت قوات موسكو الأراضي الجورجية، مطوّقة العاصمة تبليسي. باتت أوسيتيا الجنوبية حالياً، في سياج الحماية الروسي، وبعض قواتها أصبح فرقة شبه رسمية في الجيش الروسي، ولم تصبح جورجيا عضواً في الحلف الأطلسي.

الخسائر المتلاحقة لساكاشفيلي، أدت إلى خروجه من السلطة، في عام 2013. ليس هذا فحسب، بل تحوّل إلى "المطلوب رقم واحد" في تبليسي، بسبب "اتهامات جنائية". دفعه ذلك إلى مغادرة بلاده متجهاً إلى أوكرانيا، التي يعرفها جيداً، فقد خدم في آخر سني الاتحاد السوفييتي، في الجيش الأحمر، في عامي 1989 ـ 1990، في مطار بوريسبيل الأوكراني. ثم تعلّم في جامعة "تاراس شيفيشتينكو الوطنية" في كييف، وتخرّج بإجازة في القانون عام 1992. في الجامعة تعرّف إلى "صديقه"، الرئيس الأوكراني الحالي، بيترو بوروشينكو، الذي حضنه بعد خروجه من جورجيا، وعهد إليه إدارة منطقة أوديسا الأوكرانية على البحر الأسود، عام 2015. لم يستمرّ ساكاشفيلي في منصبه مطولاً، فاستقال في العام التالي متهماً بوروشينكو بـ"دعم الفساد".


عليه، قام الأخير بتجريد "صديقه" أيام الجامعة من الجنسية الأوكرانية، ليُصبح ساكاشفيلي فعلياً "إنساناً من دون جنسية"، إذ سبق لجورجيا أن جرّدته من جنسيتها عام 2015. أي أن قائد "ثورة الورد" بات رحّالة متنقلاً في أوروبا، فغادر كييف لاستجماع قوته، والعودة إلى أوكرانيا. وفي غياب أي "هوية قومية" لساكاشفيلي، بات لزاماً عليه "القتال" في أوكرانيا، فحاول العودة إليها مراراً عبر بولندا، إلى أن نجح في ذلك، مساء الأحد، بعد احتشاد الآلاف من النشطاء السياسيين وأنصاره أمام نقطة التفتيش شيغيني على حدود أوكرانيا مع بولندا. ورغم دفع كييف بقوات إضافية لمنعه من الدخول، إلا أنه دخل ليصل إلى مدينة لفوف، حيث يخطط مع أنصاره لخطوة تالية.

وكأن كييف لا يكفيها مشاكل الشرق، ليأتي ساكاشفيلي من الغرب، فأعلنت شرطة لفوف، أمس الإثنين، بأنها "باشرت التحقيقات التمهيدية بشأن الأحداث التي وقعت بالقرب من نقطة التفتيش شيغيني على حدود أوكرانيا مع بولندا، وفتحت قضية جنائية بموجب المادة 332، التي تمنع الانتقال غير القانوني للأشخاص عبر حدود الدولة الأوكرانية". وأضافت أنه "وفقاً للقانون الجنائي لأوكرانيا يعاقب مرتكبو هذه الجريمة بالسجن مدة تصل إلى خمس سنوات، فضلاً عن مصادرة وسائل النقل أو غير ذلك من وسائل ارتكاب الجريمة".
مع العلم أن كييف تدرس تسليم ساكاشفيلي إلى السلطات الجورجية، وفقاً لما أعلن نائب وزير العدل الأوكراني سيرغي بيتوخوف، في 5 سبتمبر/أيلول الحالي، مشيراً إلى أن "تبليسي قدّمت طلباً رسمياً إلى أوكرانيا لاعتقال ساكاشفيلي وتسليمه".

بالنسبة إلى كييف، فإنه من الضروري لها "إنهاء حالة ساكاشفيلي"، خصوصاً أن دعمه من قبل إحدى رموز "الثورة البرتقالية" الأوكرانية، يوليا تيموشينكو، والنائب الأوكراني إيغور فيرسوف، والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الأوكراني فالنتين ناليفايشينكو، وعدد من نواب البلاد، يُفترض أن يؤدي إلى مشاكل كبرى لا يحتاجها بوروشينكو حالياً. وطبيعي أنه مع الحرب في الشرق الأوكراني، ونموّ التيار اليميني القومي، وتفجير سيارات عدة في كييف في الأشهر الأخيرة، أمور قد تعيد السلطة الشرعية إلى الخضوع لموسكو، في أي مستقبل قريب. ولمنع ذلك، أمام بوروشينكو مهمة واحدة: القضاء على موجة ساكاشفيلي سريعاً. أما الأخير الذي تحوّل من "بطل" يقاتل في مواجهة روسيا، إلى "غجري" يبحث عن ملاذٍ له هرباً من الملاحقات القضائية، فيبقى النموذج الأمثل على عدم وضوح الرؤى في تطبيق استقلالية الجمهوريات السوفييتية السابقة عن روسيا.