على الرغم من أن شهرة الكاتب الروسي ميخائيل زوشينكو (1894-1958) تعتمد بالكامل تقريبًا على قصصه القصيرة -التي يبلغ عددها عدّة مئات، وهي بمثابة منجم لدراسة متعدّدة الأوجه لشعب في ظلّ الاتحاد السوفييتي في العقود الأولى بعد الثورة- إلا أنه أنتج بعض الأعمال في أنواع أخرى، والتي غالبًا ما تتمّ مناقشتها باعتبارها جوانب مهمّة من أدبه، وأبرزها القصص الطويلة والتي يتم التعامل معها اليوم بوصفها "نوفيلا" أو روايات قصيرة، مثل عمليه "الشباب المستعاد"، و"قبل شروق الشمس".
وكانت سلسلة "إبداعات عالمية" التي يصدرها "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" في الكويت قد أصدرت له سابقاً مجموعة من قصصه القصيرة المترجمة، وها هو زوشينكو يعود من جديد في السلسلة نفسها بروايته القصيرة أو قصته الطويلة "قبل شروق الشمس" نقلها إلى العربية عن الروسية المترجم المصري يوسف نبيل.
وكانت السلسلة، التي تصدر كلّ شهرين، قد توقّفت في شهر شباط/ فبراير الماضي بسبب أزمة كوفيد-19 وها هي تعود من جديد من خلال عمل زوشينكو الذي كان من المفترض صدوره في شهر نيسان/ أبريل.
عمل زوشينكو في القصص الطويلة يظهره مختلفًا عن شخصيته التي عرفناها في قصصه القصيرة
في الواقع إن عمل زوشينكو في القصص الطويلة يظهره مختلفًا عن شخصيته التي عرفناها في قصصه القصيرة، حيث الكاتب في النوفيلا يحاول الارتفاع فوق الواقع اليومي الذي عرفناه في قصصه. في عمله "قبل شروق الشمس"، يبحث زوشينكو بشكل أعمق في سيكولوجيته هو نفسه، محاولًا اكتشاف أصوله، والعودة حتى إلى وقت ما قبل الولادة. زمن أجل تحقيق ذلك، استخدم أساليب التحليل النفسي لسيغموند فرويد وإيفان بافلوف، والتي كانت وقتها جديدة على الأدب الروسي.
بالنسبة إلى كتابات زوشينكو بالعموم فقد سيطر عليها لعبة تضاد وتصادم الخطابات مع بعضها البعض، فنجد في منمنماته المبكرة لهجة الفلاحين ولغة التجار وكليشيهات الدعاية والبيروقراطيين. أما في أعماله الأطول، بدا أن مزيج الأسلوب العلمي والحكاية والطابع الساخر أحياناً أوضح، وعمله "قبل شروق الشمس" أفضل مثال على ذلك.
لدى ترجمته إلى الإنكليزية ذكر النقاد مدى صعوبة نقل هذا الكاتب إلى لغة أجنبية، لأن أدبه يعتمد على تعبيرات فريدة يكاد يكون من المستحيل استنساخها بلغة أخرى. يتضح في هذه القصة اهتمام الكاتب بعلم النفس، وقد عرّفها زوشينكو بأنها "ليست فقط عملًا فنيًا، بل نوعًا من المختبر لدراسة نفسك".
لدى ترجمته إلى الإنكليزية ذكر النقاد مدى صعوبة نقل هذا الكاتب إلى لغة أجنبية
منذ الطفولة كان الكاتب معرضًا جدًا للمخاوف والرهاب والتأمل الذاتي. وتشكل أسلوبه أيضًا باعتباره تأملاً كبيرًا، فالمؤلف يمر بكل شيء من خلال نفسه، وغالبًا ما يكتب بصيغة المتكلم. عاش الكاتب يتيماً في سن مبكرة وتسبب له ذلك في أزمات مبكرة، وبعد التعرض للغاز في الحرب العالمية الأولى، نمت هذه المخاوف إلى اكتئاب شديد، وكان بإمكانه تجنب التحدث إلى الناس لعدة أشهر، ومرت عليه أوقات لم يكن لديه أي طاقة للاستيقاظ في الصباح والعمل.
تعكس "قبل شروق الشمس" بدقة رغبة الكاتب في فهم نفسه واستعادتها، وقد قدم زوشينكوف شخصيته في أعماله المبكرة بطريقة ساخرة وغريبة بالقليل من التفاصيل التي ساهمت في تكوين انطباع شامل عن الشخص الذي يكتب هذه القصص. وهذا ليس غريباً على من تأثر بشكل كبير بأعمال أوسكار وايلد ، وشعر طوال حياته كما لو كان في حوار إبداعي مع غوغول. كما أنه احتفظ واستشهد في "الحكايات العاطفية" بكلمات نيكولاي جوميلوف، دون الإشارة إليه.
وُلِد زوشينكو في سانت بطرسبرغ لأم روسية وأب أوكراني كان فنانًا ورسام فسيفساء مسؤولاً عن الزخرفة الخارجية لـ"متحف سوفوروف" في سانت بطرسبرغ، لكنه رحل وابنه لم يكمل 12 عاماً. التحق زوشينكو بكلية الحقوق في "جامعة سانت بطرسبرغ"، لكنه لم يتخرّج بسبب مشاكل مالية. خلال الحرب العالمية الأولى، خدم في الجيش كضابط ميداني، وأصيب عدّة مرات بجروح خطرة حصل عنها على أوسمة كبيرة. وفي عام 1919، أثناء الحرب الأهلية الروسية، خدم لعدّة أشهر في الجيش الأحمر قبل تسريحه لأسباب صحية.
بعد شجبه لما يعرف بـ مبدأ غدانوف، عاش الكاتب في فقر مدقع، ولم يحصل على معاشه التقاعدي إلا قبل رحيله ببضعة أشهر فقط، رغم ذلك لم يتوقف عن الكتابة وقد وصف أسلوبه بنفسه قائلاً "جملي قصيرة جداً، يمكن للفقراء إدراك معناها بسهولة، ربما هذا هو السبب في أن لدي الكثير من القراء".
كتب زوشينكو سلسلة من القصص القصيرة للأطفال عن فلاديمير لينين، ومن أشهر قصصه: الإنسان ليس برغوثاً، والناس العصبيون، وحكايات عاطفية، وتزخر المكتبات النقدية بالقراءات عنه وحوله.