عندما أعلن وزير الصحة العامة في لبنان وائل أبو فاعور أن 49 في المائة من عينات مياه الشرب التي أخذت من 190 مدرسة رسمية وخاصة وخضعت للتحليل الجرثومي، جاءت غير مطابقة للمعايير الصحيّة، أصيب أهالي التلاميذ بالهلع. فصحة هؤلاء الأخيرين أصبحت في دائرة الخطر، ما يستدعي التوقف عند هذه القضية ومعالجتها بالعمق.
ومسؤولية هذا التلوث قد تلقى على الدولة نفسها التي أهملت الآبار الارتوازية لسنوات وتركتها من دون أي علاج جذري لتلوثها. والسؤال يطرح: كيف يؤمن الأهالي الحماية لأولادهم وكيف يحافظون على صحتهم السليمة، طالما أن مياه الشفة في المدارس ملوثة؟
مهى الحلو أم لأربعة أولاد، تقول: "ما إن سمعت الخبر، حتى شعرت بالذعر. صحة أولادي مهددة نتيجة شرب مياه ملوثة في المدرسة. على الفور اتصلت بإدارة المدرسة، فطمأنني المعنيون بأنها ليست من ضمن اللائحة المشكوك بأمرها والتي لفت إليها وزير الصحة".
تضيف: "قد يكون بمقدوري أن أشتري المياه النظيفة لأولادي حتى أطمئن أكثر على صحة ما يشربونه، لكن ماذا عن الأهالي الذين لا يستطيعون تأمين مياه سليمة لأولادهم؟ وهل يكون مصير الصغار التسمم مثلاً؟ فليرحموا الفقير في هذا البلد".
من جهته، يقول رباح محمد وهو أب لولدين: "لم نستغرب تلوث المياه في المدراس. نحن اعتدنا أن تصل مياه الشرب ملوثة إلى منازلنا. لكن ما أثار خوفنا هو نسب التلوث في مياه المدارس، ولا من رقيب ولا من حسيب". يضيف: "المدارس تستخف بصحة تلاميذها. تستطيع على أقل تقدير شراء فيلتر لتنقية مياه الشرب قبل أن تجعلها متاحة لتلاميذها".
الدولة تدين نفسها
وعند سؤال الاختصاصي في التحاليل المخبرية والجراثيم الدكتور الياس الهرواي عن ذلك، استغرب كيف أنه لم يسمع بإصابات تلاميذ في المستشفيات حتى الآن، على الرغم من أن نسبة التلوث في مياه المدارس لا يستهان بها". يضيف لـ "العربي الجديد" أن "هذه فعلاً ملهاة للناس".
ويتابع الهراوي أن "مياه الدولة وللأسف، ملوثة في الأساس. وهي تدين نفسها علناً. من هنا، المطلوب هو ملاحقة المصدر أي بدءاً من مصلحة المياه وصولاً إلى المدرسة. ولعلّ الأكثر غرابة أن نسمع مسؤولين يشيرون إلى أن هذا التلوث لا يشكل خطراً يؤدّي إلى الوفاة. وأسأل: من يؤكد ذلك؟ إذا كان التلميذ يعاني من ضعف في المناعة، قد يؤدي به تلوث المياه إلى الوفاة نتيجة الإسهال الحاد".
اقرأ أيضاً: من يراقب مطابخ مستشفيات لبنان؟
فلاتر للحماية
أما الخبير في البيئة والمياه الدكتور ولسون رزق، فيوضح لـ "العربي الجديد" أنه "بداية علينا التأكد من شبكة المياه وصيانتها، لأنها بمعظمها ملوثة. وما صدر عن الوزير أبو فاعور لم يفاجئنا لأن 75 في المائة من المياه الجوفية ملوثة في البلد. لذا المطلوب اليوم هو إجراء فحوصات مخبرية للمياه المشكوك بسلامتها للتأكد". يضيف أنه "لا داعي للهلع، فثمة مدراس مجهزة بفلاتر مياه. لكن ثمة أخرى وللأسف لا تلتزم بذلك، ومن هنا ضرورة الكشف على جميع المدراس للتأكد من أنها تلتزم بأسس الرعاية الصحية لتلاميذها، من دون أن ننسى أهمية الفحص الطبي. بالتالي، ما علينا فعله اليوم هو معالجة هذه المسألة بتروّ وحكمة".
لن نتوقّف
ويقول هنا وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور في حديث إلى "العربي الجديد": "نواجه تحديات، والمسألة تتطلب متابعة باستمرار. نحن لن نتوقف، خصوصاً وأن ما دعمنا وزاد من زخمنا هو حماسة الشعب اللبناني. ونحن نعيد التحقق باستمرار من النتائج ونتابعها بشكل دوري. وعلى الرغم من كل العقبات التي تواجهنا، بات الجميع مقتنعاً بفكرة الكشف المستمر عن التلوث. ونحن نتابع مسألة المياه في المدراس، تحت طائلة محاسبة المسؤولين عنها ومحاكمتهم".
يضيف أبو فاعور أنه "بجهد مشترك، قام مراقبو الصحة بأخذ عينات من 190 مدرسة خاصة ورسمية. وقد جاءت نتيجة فحص العينات لتبيّن نسباً مرتفعة من البكتيريا المسببة لأمراض خطيرة. و49 في المائة من العينات التي خضعت للتحاليل الجرثومية غير مطابقة للمواصفات". ويلفت إلى أن "الحل يكون بإلزام المدارس بمعالجة مصادر مياهها والتنظيف اليومي والتعقيم وفحص عينات من الخزانات"، مشدداً على "ضرورة وضع فلاتر لجميع المدارس الرسمية والخاصة. وهذه وظيفة الدولة". ويتابع: "عممنا على المدارس التي ثبت أن المياه فيها غير مطابقة للمواصفات، أن تمنع تلاميذها من شربها".
ليس خطر موت
أما وزير التربية والتعليم العالي إلياس بو صعب، فيقول لـ "العربي الجديد" إن وزارته "تقوم بمتابعة مستمرة لهذه المسألة الدقيقة". لكنه يلفت إلى أن "خطر تلوث المياه، ليس خطر موت. وثمة عمل كثير يجب القيام به على هذا الصعيد، بالتنسيق مع الجمعيات الخاصة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ووزارة الصحة، لوضع حدّ لهذا الملف الصحي الحساس". يضيف: "الأهم بالنسبة إلينا هو الكشف عن مصدر المياه الملوثة، من الينابيع إلى مصلحة المياه وصولاً إلى المنازل أو المدارس، لكي تتم المعالجة جذرياً".
ويتابع بو صعب: "نعوّل على كل الوزراء. مسؤوليتنا تقضي بتأمين مياه نظيفة للمدارس. وبغضّ النظر عن ملف المياه، تتطلب مباني بعض المدارس إعادة إعمار".
اقرأ أيضاً: النفايات الإلكترونيّة تنشر سمومها