الاحتلال الصهيوني لا يغتصب الأرض فقط ويحرم أهلها الفلسطينيين منها بل يسرق مياههم أيضاً، ويجعل صيفهم أكثر حرارة مع انقطاع المياه فترات طويلة عنهم، ليجبروا على شراء المياه من الصهاينة أنفسهم
لا يكاد المزارع الفلسطيني محمود العصا (65 عاماً) من بلدة العبيدية شمال مدينة بيت لحم، جنوب الضفة الغربية المحتلة، يستيقظ حتى يتفقد مباشرة حال المياه إن وصلت إلى الأنابيب في منزله أم لا. هو مزارع يربي الأغنام ويزرع المحاصيل الزراعية في محيط منزله، ويعتمد بشكل أساسي في حياته على المياه التي تصل متقطعة.
يعيش العصا مع أبنائه السبعة في أحد الوديان ببلدة العبيدية شمال مدينة بيت لحم، ويشكل عمله في تربية المواشي والزراعة، مصدر رزقه الأساسي والوحيد منذ سنوات طويلة.
يقول العصا لـ"العربي الجديد": "أعيش في قاع الوادي، وهي منطقة من المفترض أن تتوفر فيها المياه بشكل جيد كونها لا تحتاج إلى قوة ضخ كبيرة كي تصل، لكنّ ذلك لا يحصل أكثر من 15 يوماً في الشهر، أما نصف الشهر الآخر فتنقطع بشكل كامل. هذا ما كبّدني خسارة كبيرة، وهو ما اضطرني أيضاً إلى شراء صهاريج مياه، فأنفق شهرياً قرابة 170 دولاراً أميركياً ثمناً للمياه، بالإضافة إلى جفاف الأرض بسبب المشكلة نفسها".
هيئات محلية
في بلدة عقربا، جنوب شرق مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، يعاني الأهالي من ضعف في ضخ المياه من بئر روجيب القريب الذي يغذي إحدى عشرة قرية بالإضافة إلى ثلاث قرى تستهلك المياه منه جزئياً.
يشير المواطن أديب قاسم وهو أحد المهتمين بشؤون عقربا، في حديثه إلى "العربي الجديد" إلى استياء أهالي البلدة من شح المياه وانقطاعها أحياناً بشكل شبه كامل عن البلدة، وذلك بسبب سوء توزيعها من قبل مجلس الخدمات المشترك الذي يدير عملية توزيع المياه على القرى والبلدات المحيطة ببئر روجيب.
بلدة عقربا تحتاج نحو ألف كوب من المياه كلّ يوم، بينما يصلها أقل من ذلك بكثير، وذلك بحسب جدول توزيع المياه على القرى المجاورة، بالإضافة إلى أنّ مجلس الخدمات المشترك أضاف عدداً من القرى ويغذي أيضاً مدينة نابلس بالمياه، وهو ما أدى إلى ازدياد المستهلكين للمياه وقلة كمية الضخ من البئر، ما جعل المياه شحيحة في عقربا، بحسب قاسم.
يعتبر أنّ الحلّ يكمن في انسحاب بلدية عقربا من مجلس الخدمات المشترك، وتوفير الأموال التي تخسرها البلدة بسبب سوء الخدمة لدى المجلس، وبعد ذلك تنفرد البلدية في عقربا بحلّ المشكلة وحدها، وبذلك تكون قد توقفت عن دفع الأموال الباهظة للمجلس، فتتحول الأموال لبلدية عقربا وأهلها، ومن هنا تنطلق في إيجاد حلّ ينهي مشكلة المياه.
اقــرأ أيضاً
المعاناة الكبرى في شح المياه، تتجسد في بلدة بديا، شمال غرب مدينة سلفيت إلى الشمال من الضفة الغربية المحتلة، فالبلدة تعاني من شح كبير في المياه وانقطاع شبه كامل عن المنازل والمؤسسات والمحال التجارية والمرفقات المختلفة في البلدة. يقول نائب رئيس بلدية بديا علي صالح لـ"العربي الجديد": "الأهالي يعيشون مأساة حقيقية في أجواء صيفية حارة جداً، فالمياه تنقطع طوال أيام عن قرابة 13 ألف نسمة يعيشون في البلدة. لا حياة من دون مياه، ووصف المأساة هو أقل ما يمكن إطلاقه على أزمة انقطاع المياه عن البلدة".
كانت المياه تصل إلى بديا من مستوطنة بركان الصهيونية المقامة على أراضيها. ومنذ فترة قصيرة بدأ الضخ يضعف شيئاً فشيئاً، بسبب تقليل كمية المياه التي تضخها سلطات الاحتلال للبلدات الفلسطينية. وبالرغم من أنّ بديا تحتاج إلى نحو 120 كوباً في الساعة لتصل إلى كلّ المنازل من دون مشاكل، إلا أنّ الاحتلال يضخ هذه الأيام ما بين 40 و50 كوباً في الساعة لقرى بديا وسرطة وقراوة بني حسان بمحافظة سلفيت.
يشير صالح إلى أنّ الأهالي المقتدرين في البلدة يشترون المياه من الصهاريج المتنقلة على الرغم من أنّها مكلفة، لكنّ الحاجة تدفعهم إلى ذلك. تحاول البلدية توفير عدد من الصهاريج لبعض المنازل غير القادرة على دفع ثمنها.
بلدية بديا راسلت المؤسسات المعنية بالموضوع من أجل الدفع باتجاه حلّ للأزمة لكنّها لم تتلق أيّ ردّ. وما زالت البلدية تواصل عملها وضغوطها حتى إنهاء مشكلة شح المياه، بحسب صالح.
تمثل أزمة المياه عائقاً أمام السيدات الفلسطينيات اللواتي بتن يقتصدن في تنظيف المنزل وغسل الملابس والأواني وكلّ الأعمال التي تعتمد على المياه.
الصهاينة متهمون
الناظر إلى ما فرضته اتفاقية أوسلو بشأن السيطرة على مياه الضفة الغربية، يجد أنّ الصهاينة يسيطرون على 85 في المائة من مصادر المياه في الضفة الغربية، بينما لا يتمكن الفلسطينيون من السيطرة إلاّ على 15 في المائة من تلك المصادر. وقد حوّلت تلك الاتفاقية الهيئات المحلية ومصالح المياه الفلسطينية إلى وكلاء لتوزيع المياه على السكان فقط.
منذ عدة سنوات والصهاينة يقطعون المياه عن الفلسطينيين، وتزيد المعاناة في فصل الصيف الحارق، بذرائع وجود أزمة مياه حقيقية ولإقناع الطرف الفلسطيني بشراء مياه التحلية من الصهاينة على أسس تجارية، فجرى قطع المياه عن عدة محافظات في الضفة، لتختلق أزمة في محافظة ما في كلّ عام. الواقع يشير إلى "عدم وجود أزمة مياه في المصادر، بل كلّ ما يجري هو أزمة سياسية فقط" بحسب مدير جمعية "الهيدرولوجيين الفلسطينيين" (مؤسسة أهلية غير حكومية وغير ربحية مختصة بتطوير مصادر المياه والبيئة) عبد الرحمن التميمي. يكشف لـ"العربي الجديد" إلى أنّ الصهاينة يسعون من خلال هذه الأزمة المفتعلة إلى إجبار الطرف الفلسطيني على شراء مياه التحلية منهم واستخدام المياه المتاحة لأغراض توسعة الاستيطان، فهم يسعون إلى إنشاء 12 محطة تحلية للمياه موزعة في عدة مناطق بالداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، من أجل توفير المياه الصالحة للشرب، تمهيداً لبيعها للفلسطينيين.
يسعى الصهاينة إلى توفير 300 مليون متر مكعّب من المياه الإضافية من مشاريع التحلية بحلول عام 2020، ضمن خطط مستقبلية، فقد جرى إنشاء 3 محطات تحلية كبرى، و5 أخرى قيد الإنشاء، فيما جرى التخطيط لإنشاء 4 إضافية في الفترة المقبلة.
وكان الجانبان الصهيوني والفلسطيني قد وقّعا نهاية الأسبوع الماضي على اتفاقية تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع "قناة البحرين" التي سيحصل الفلسطينيون بموجبها على كمية سنوية تتراوح ما بين 20 و30 مليون متر مكعب من المياه المنتجة من خلال نظام التحلية الصهيوني على شواطئ البحر الأبيض المتوسط. لكنّ جمعية "الهيدرولوجيين الفلسطينيين" شككت مسبقاً بإمكانية تنفيذ المشروع في المدى المنظور، كون البنية التحتية في الأراضي الفلسطينية غير مهيأة له.
اقــرأ أيضاً
سوء توزيع
بالرغم من ازدياد عدد الفلسطينيين منذ اتفاقية أوسلو والتوسع العمراني الحاصل، إلا أنّ نسبة المياه التي توزعها شركة "ميكروت" على الضفة الغربية لم تزد، ما خلق عدم تناسب مع حجم الطلب على المياه. يبلغ حجم المياه الفلسطينية على مساحة الضفة 650 مليون متر مكعب، يسيطر الصهاينة على 85 في المائة منها. أما النسبة المتبقية للفلسطينيين فتحتاج إلى تنسيق مع الجانب الصهيوني من أجل الحصول عليها، فيما تبيع شركة "ميكروت" الصهيونية 52 مليون متر مكعب من المياه للفلسطينيين.
وبالرغم من أنّ التميمي يحمّل الصهاينة المسؤولية عن هذه الأزمة، إلا أنّه يعتبر أنّ المياه المتبقية إذا أحسن توزيعها بعدل، فإنّها ستخفف من الأزمة بشكل كبير، خصوصاً في المدن الكبيرة، لكنّ سوء توزيع المياه على المناطق والقطاعات المختلفة وعدم وجود أولوية في التوزيع، خصوصاً في مياه الشرب، يفاقم الأزمة.
بعد مرور 23 عاماً على توقيع اتفاقية أوسلو بما خلفته من التزامات على الجانب الفلسطيني، في قضية المياه وهي الإطار الرسمي لكلّ اتفاقيات المياه الموقعة بين الجانبين، إلا أنّ الاستيطان زاد وحاجة الفلسطينيين زادت للمياه، فلم يحصل الفلسطينيون على أيّ زيادة في كميات المياه، ما فاقم المشكلة وزاد حجمها، وفقاً للتميمي. بحسب اتفاق أوسلو، فإنّ صلاحيات مصادر المياه واستخراج المياه وتوزيع المياه تكون للإدارة المدنية الصهيونية وشركة "ميكروت" أما الطرف الفلسطيني فيوزع المياه على التجمعات الفلسطينية، أي ليس له الحق باستخدام مصادر المياه التي تكون تحت سيطرة الصهاينة إلا باتفاق اللجنة المشتركة للطرفين الفلسطيني والصهيوني.
كلفة باهظة
في كثير من الأحيان يضطر المواطن الفلسطيني لشراء مياه الصهاريج. يضطر المواطن لشراء المياه بنسبة 10 إلى 12 في المائة من دخله، أما في المناطق التي لا تعاني من أزمة مياه فيدفع الفلسطيني ما يصل إلى 3 في المائة من دخله، أما الفرد الصهيوني فلا يدفع أكثر من 1.2 في المائة من دخله.
إلى الغرب من مدينة جنين، شمال الضفة الغربية المحتلة، يعاني نحو ألفي مواطن فلسطيني في قرية زبدة من شح المياه وانقطاعها الدائم خلال فصل الصيف، فتكاد تصل إلى خزاناتهم وآبارهم مرة كلّ عشرة أيام.
يقول رئيس المجلس السابق لقرية زبدة، صالح عمارنة: "المياه شحيحة جداً في فصل الصيف، ويعاني الأهالي من انقطاعها المتكرر، إذ تأخذ القرية مياهها من بئر بلدة يعبد المجاورة، وفي بلدة يعبد هناك معاناة من انقطاع المياه، إذ توزع البلدية المياه بالحصص على الحارات يومياً ومن ضمنها قرية زبدة".
يشير عمارنة في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أنّ "بعض الأهالي في القرية، يستغلون يوم وصول المياه، ليخزنوها في الآبار، لتكفيهم خلال فترة الانقطاع، أما من لا ينتبه لموعد وصول المياه، فلا يحصل على الكمية الكافية التي سيستخدمها خلال فترة الانقطاع، ويضطر إلى شراء مياه ااصهاريج وهو أمر مكلف مالياً.
وحول أسعار المياه في الضفة الغربية ولدى الصهاينة، يعتبر التميمي أنّ المقارنة غير عادلة أساساً، إذ إنّ معدل دخل الفرد الصهيوني 29 ألف دولار في السنة، أما المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية فمعدل دخله السنوي 1500 دولار. ولذلك، فإنّ ما يدفعه الفلسطيني بالمقارنة مع دخله أعلى بكثير مما يدفعه الصهيوني.
تعد المياه الجوفية والينابيع أهم المصادر المائية الفلسطينية، إذ يوجد 270 بئر مياه عاملا في الضفة الغربية، لكنّها غير منتجة بشكل فعال وبعضها يحتاج إلى تأهيل، ولم يجرِ تحديثها أو تأهيلها منذ عام 1967، كما أنّ بعض الآبار التي أعيد تشغيلها صغيرة غير عميقة.
اللافت في قضية الآبار الجوفية في الضفة الغربية، كما يقول التميمي، أنّ الآبار الـ 270 العاملة تلك، لا تضخ إلا 14 إلى 15 مليون متر مكعب، في حين أنّ لدى الاحتلال الصهيوني 50 بئر مياه جوفية تضخ ضعفي هذا الرقم.
ويستخدم الفلسطينيون المياه لمختلف احتياجاتهم بحدود 130 متراً مكعباً من المياه للفرد الواحد سنوياً، أما الفرد الصهيوني فيستخدم ما بين 500 و600 متر مكعب سنوياً.
اقــرأ أيضاً
لا يكاد المزارع الفلسطيني محمود العصا (65 عاماً) من بلدة العبيدية شمال مدينة بيت لحم، جنوب الضفة الغربية المحتلة، يستيقظ حتى يتفقد مباشرة حال المياه إن وصلت إلى الأنابيب في منزله أم لا. هو مزارع يربي الأغنام ويزرع المحاصيل الزراعية في محيط منزله، ويعتمد بشكل أساسي في حياته على المياه التي تصل متقطعة.
يعيش العصا مع أبنائه السبعة في أحد الوديان ببلدة العبيدية شمال مدينة بيت لحم، ويشكل عمله في تربية المواشي والزراعة، مصدر رزقه الأساسي والوحيد منذ سنوات طويلة.
يقول العصا لـ"العربي الجديد": "أعيش في قاع الوادي، وهي منطقة من المفترض أن تتوفر فيها المياه بشكل جيد كونها لا تحتاج إلى قوة ضخ كبيرة كي تصل، لكنّ ذلك لا يحصل أكثر من 15 يوماً في الشهر، أما نصف الشهر الآخر فتنقطع بشكل كامل. هذا ما كبّدني خسارة كبيرة، وهو ما اضطرني أيضاً إلى شراء صهاريج مياه، فأنفق شهرياً قرابة 170 دولاراً أميركياً ثمناً للمياه، بالإضافة إلى جفاف الأرض بسبب المشكلة نفسها".
هيئات محلية
في بلدة عقربا، جنوب شرق مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، يعاني الأهالي من ضعف في ضخ المياه من بئر روجيب القريب الذي يغذي إحدى عشرة قرية بالإضافة إلى ثلاث قرى تستهلك المياه منه جزئياً.
يشير المواطن أديب قاسم وهو أحد المهتمين بشؤون عقربا، في حديثه إلى "العربي الجديد" إلى استياء أهالي البلدة من شح المياه وانقطاعها أحياناً بشكل شبه كامل عن البلدة، وذلك بسبب سوء توزيعها من قبل مجلس الخدمات المشترك الذي يدير عملية توزيع المياه على القرى والبلدات المحيطة ببئر روجيب.
بلدة عقربا تحتاج نحو ألف كوب من المياه كلّ يوم، بينما يصلها أقل من ذلك بكثير، وذلك بحسب جدول توزيع المياه على القرى المجاورة، بالإضافة إلى أنّ مجلس الخدمات المشترك أضاف عدداً من القرى ويغذي أيضاً مدينة نابلس بالمياه، وهو ما أدى إلى ازدياد المستهلكين للمياه وقلة كمية الضخ من البئر، ما جعل المياه شحيحة في عقربا، بحسب قاسم.
يعتبر أنّ الحلّ يكمن في انسحاب بلدية عقربا من مجلس الخدمات المشترك، وتوفير الأموال التي تخسرها البلدة بسبب سوء الخدمة لدى المجلس، وبعد ذلك تنفرد البلدية في عقربا بحلّ المشكلة وحدها، وبذلك تكون قد توقفت عن دفع الأموال الباهظة للمجلس، فتتحول الأموال لبلدية عقربا وأهلها، ومن هنا تنطلق في إيجاد حلّ ينهي مشكلة المياه.
كانت المياه تصل إلى بديا من مستوطنة بركان الصهيونية المقامة على أراضيها. ومنذ فترة قصيرة بدأ الضخ يضعف شيئاً فشيئاً، بسبب تقليل كمية المياه التي تضخها سلطات الاحتلال للبلدات الفلسطينية. وبالرغم من أنّ بديا تحتاج إلى نحو 120 كوباً في الساعة لتصل إلى كلّ المنازل من دون مشاكل، إلا أنّ الاحتلال يضخ هذه الأيام ما بين 40 و50 كوباً في الساعة لقرى بديا وسرطة وقراوة بني حسان بمحافظة سلفيت.
يشير صالح إلى أنّ الأهالي المقتدرين في البلدة يشترون المياه من الصهاريج المتنقلة على الرغم من أنّها مكلفة، لكنّ الحاجة تدفعهم إلى ذلك. تحاول البلدية توفير عدد من الصهاريج لبعض المنازل غير القادرة على دفع ثمنها.
بلدية بديا راسلت المؤسسات المعنية بالموضوع من أجل الدفع باتجاه حلّ للأزمة لكنّها لم تتلق أيّ ردّ. وما زالت البلدية تواصل عملها وضغوطها حتى إنهاء مشكلة شح المياه، بحسب صالح.
تمثل أزمة المياه عائقاً أمام السيدات الفلسطينيات اللواتي بتن يقتصدن في تنظيف المنزل وغسل الملابس والأواني وكلّ الأعمال التي تعتمد على المياه.
الصهاينة متهمون
الناظر إلى ما فرضته اتفاقية أوسلو بشأن السيطرة على مياه الضفة الغربية، يجد أنّ الصهاينة يسيطرون على 85 في المائة من مصادر المياه في الضفة الغربية، بينما لا يتمكن الفلسطينيون من السيطرة إلاّ على 15 في المائة من تلك المصادر. وقد حوّلت تلك الاتفاقية الهيئات المحلية ومصالح المياه الفلسطينية إلى وكلاء لتوزيع المياه على السكان فقط.
منذ عدة سنوات والصهاينة يقطعون المياه عن الفلسطينيين، وتزيد المعاناة في فصل الصيف الحارق، بذرائع وجود أزمة مياه حقيقية ولإقناع الطرف الفلسطيني بشراء مياه التحلية من الصهاينة على أسس تجارية، فجرى قطع المياه عن عدة محافظات في الضفة، لتختلق أزمة في محافظة ما في كلّ عام. الواقع يشير إلى "عدم وجود أزمة مياه في المصادر، بل كلّ ما يجري هو أزمة سياسية فقط" بحسب مدير جمعية "الهيدرولوجيين الفلسطينيين" (مؤسسة أهلية غير حكومية وغير ربحية مختصة بتطوير مصادر المياه والبيئة) عبد الرحمن التميمي. يكشف لـ"العربي الجديد" إلى أنّ الصهاينة يسعون من خلال هذه الأزمة المفتعلة إلى إجبار الطرف الفلسطيني على شراء مياه التحلية منهم واستخدام المياه المتاحة لأغراض توسعة الاستيطان، فهم يسعون إلى إنشاء 12 محطة تحلية للمياه موزعة في عدة مناطق بالداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، من أجل توفير المياه الصالحة للشرب، تمهيداً لبيعها للفلسطينيين.
يسعى الصهاينة إلى توفير 300 مليون متر مكعّب من المياه الإضافية من مشاريع التحلية بحلول عام 2020، ضمن خطط مستقبلية، فقد جرى إنشاء 3 محطات تحلية كبرى، و5 أخرى قيد الإنشاء، فيما جرى التخطيط لإنشاء 4 إضافية في الفترة المقبلة.
وكان الجانبان الصهيوني والفلسطيني قد وقّعا نهاية الأسبوع الماضي على اتفاقية تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع "قناة البحرين" التي سيحصل الفلسطينيون بموجبها على كمية سنوية تتراوح ما بين 20 و30 مليون متر مكعب من المياه المنتجة من خلال نظام التحلية الصهيوني على شواطئ البحر الأبيض المتوسط. لكنّ جمعية "الهيدرولوجيين الفلسطينيين" شككت مسبقاً بإمكانية تنفيذ المشروع في المدى المنظور، كون البنية التحتية في الأراضي الفلسطينية غير مهيأة له.
بالرغم من ازدياد عدد الفلسطينيين منذ اتفاقية أوسلو والتوسع العمراني الحاصل، إلا أنّ نسبة المياه التي توزعها شركة "ميكروت" على الضفة الغربية لم تزد، ما خلق عدم تناسب مع حجم الطلب على المياه. يبلغ حجم المياه الفلسطينية على مساحة الضفة 650 مليون متر مكعب، يسيطر الصهاينة على 85 في المائة منها. أما النسبة المتبقية للفلسطينيين فتحتاج إلى تنسيق مع الجانب الصهيوني من أجل الحصول عليها، فيما تبيع شركة "ميكروت" الصهيونية 52 مليون متر مكعب من المياه للفلسطينيين.
وبالرغم من أنّ التميمي يحمّل الصهاينة المسؤولية عن هذه الأزمة، إلا أنّه يعتبر أنّ المياه المتبقية إذا أحسن توزيعها بعدل، فإنّها ستخفف من الأزمة بشكل كبير، خصوصاً في المدن الكبيرة، لكنّ سوء توزيع المياه على المناطق والقطاعات المختلفة وعدم وجود أولوية في التوزيع، خصوصاً في مياه الشرب، يفاقم الأزمة.
بعد مرور 23 عاماً على توقيع اتفاقية أوسلو بما خلفته من التزامات على الجانب الفلسطيني، في قضية المياه وهي الإطار الرسمي لكلّ اتفاقيات المياه الموقعة بين الجانبين، إلا أنّ الاستيطان زاد وحاجة الفلسطينيين زادت للمياه، فلم يحصل الفلسطينيون على أيّ زيادة في كميات المياه، ما فاقم المشكلة وزاد حجمها، وفقاً للتميمي. بحسب اتفاق أوسلو، فإنّ صلاحيات مصادر المياه واستخراج المياه وتوزيع المياه تكون للإدارة المدنية الصهيونية وشركة "ميكروت" أما الطرف الفلسطيني فيوزع المياه على التجمعات الفلسطينية، أي ليس له الحق باستخدام مصادر المياه التي تكون تحت سيطرة الصهاينة إلا باتفاق اللجنة المشتركة للطرفين الفلسطيني والصهيوني.
كلفة باهظة
في كثير من الأحيان يضطر المواطن الفلسطيني لشراء مياه الصهاريج. يضطر المواطن لشراء المياه بنسبة 10 إلى 12 في المائة من دخله، أما في المناطق التي لا تعاني من أزمة مياه فيدفع الفلسطيني ما يصل إلى 3 في المائة من دخله، أما الفرد الصهيوني فلا يدفع أكثر من 1.2 في المائة من دخله.
إلى الغرب من مدينة جنين، شمال الضفة الغربية المحتلة، يعاني نحو ألفي مواطن فلسطيني في قرية زبدة من شح المياه وانقطاعها الدائم خلال فصل الصيف، فتكاد تصل إلى خزاناتهم وآبارهم مرة كلّ عشرة أيام.
يقول رئيس المجلس السابق لقرية زبدة، صالح عمارنة: "المياه شحيحة جداً في فصل الصيف، ويعاني الأهالي من انقطاعها المتكرر، إذ تأخذ القرية مياهها من بئر بلدة يعبد المجاورة، وفي بلدة يعبد هناك معاناة من انقطاع المياه، إذ توزع البلدية المياه بالحصص على الحارات يومياً ومن ضمنها قرية زبدة".
يشير عمارنة في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أنّ "بعض الأهالي في القرية، يستغلون يوم وصول المياه، ليخزنوها في الآبار، لتكفيهم خلال فترة الانقطاع، أما من لا ينتبه لموعد وصول المياه، فلا يحصل على الكمية الكافية التي سيستخدمها خلال فترة الانقطاع، ويضطر إلى شراء مياه ااصهاريج وهو أمر مكلف مالياً.
وحول أسعار المياه في الضفة الغربية ولدى الصهاينة، يعتبر التميمي أنّ المقارنة غير عادلة أساساً، إذ إنّ معدل دخل الفرد الصهيوني 29 ألف دولار في السنة، أما المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية فمعدل دخله السنوي 1500 دولار. ولذلك، فإنّ ما يدفعه الفلسطيني بالمقارنة مع دخله أعلى بكثير مما يدفعه الصهيوني.
تعد المياه الجوفية والينابيع أهم المصادر المائية الفلسطينية، إذ يوجد 270 بئر مياه عاملا في الضفة الغربية، لكنّها غير منتجة بشكل فعال وبعضها يحتاج إلى تأهيل، ولم يجرِ تحديثها أو تأهيلها منذ عام 1967، كما أنّ بعض الآبار التي أعيد تشغيلها صغيرة غير عميقة.
اللافت في قضية الآبار الجوفية في الضفة الغربية، كما يقول التميمي، أنّ الآبار الـ 270 العاملة تلك، لا تضخ إلا 14 إلى 15 مليون متر مكعب، في حين أنّ لدى الاحتلال الصهيوني 50 بئر مياه جوفية تضخ ضعفي هذا الرقم.
ويستخدم الفلسطينيون المياه لمختلف احتياجاتهم بحدود 130 متراً مكعباً من المياه للفرد الواحد سنوياً، أما الفرد الصهيوني فيستخدم ما بين 500 و600 متر مكعب سنوياً.