مياه الشمال السوري خطيرة

19 نوفمبر 2019
أزمة حقيقية (عارف وتد/ فرانس برس)
+ الخط -
طوال سنوات، حُرم جزء من السوريين المدنيين من حقهم في الحصول على الماء بيسر، إذ قُطعت الخدمة عن المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، فأجبروا على دفع تكاليف تفوق إمكاناتهم بكثير، للحصول على مياه غير آمنة على صحتهم، في ظل غياب الجهة الرقابية والصحية المسؤولة. يقول معتز حسن، من سكان إدلب، لـ"العربي الجديد": "بعدما سيطرت الفصائل المسلحة المعارضة على المنطقة قبل سنوات، قطع النظام المياه عنا، وبسبب عدم توفر إمكانية لتشغيل المولدات على الآبار، والتي سرق بعضها ودمر بعضها الآخر، بتنا مضطرين للشراء من الصهاريج، وهي بدورها تحصل على المياه من الآبار الخاصة". يضيف: "كانت المشكلة حينها أنّ المياه لا تخضع للمعالجة والتعقيم، خصوصاً أنّها مياه كلسية في غالبها، ونحن ليست لدينا إمكانية لتعقيمها أو تكريرها، فكنا حيناً نغلي المياه ونصفيها، لكن حتى قلة الوقود جعلتنا نلغي هذه العملية، ونشرب المياه كما تأتينا". يلفت إلى أنّ "بمرور الزمن، نشأت مشكلة أخرى، وهي أنّ غالبية أصحاب الصهاريج لا يعتنون بنظافة صهاريجهم، ما ضع احتمالاً أن تكون ملوثة، وتؤدي إلى أمراض، كالالتهابات المعوية، كما حدث مع ابنتي قبل مدة، فقد قال لنا الطبيب إنّ من المهم أن تغلوا المياه جيداً قبل أن تشربوها".




من جانبه، يقول عامر علي، من مدينة إدلب، لـ"العربي الجديد": "أعتقد أنّ تعقيم الصهاريج غائب، وحتى الناس لا تمتلك ثقافة تعقيم الخزانات في منازلها". يضيف: "يقال إنّ شركة ضخ المياه تعقم، لكنّ كثيراً من المناطق لا تصل إليها مياه الشركة، وحتى المناطق التي يصل إليها الضخ فإنّ كمياته غير كافية، ما يضطر الناس لجلب المياه عبر الصهاريج. وبشكل عام، فإنّ من المعروف أنّ المياه في إدلب كلسية". يلفت إلى أنّ "الناس تعتمد على مياه الصحة المستوردة، ومنهم من يبقي المياه التي تصله من الشركة للشرب، ويستعمل مياه الصهاريج للاستخدامات الأخرى، لكنّ هناك أناساً ليس بمقدورهم تحمّل تكلفة المياه الصحية، فيضطرون لشرب مياه الصهاريج".

من جهته، يقول مصطفى رجب، لـ"العربي الجديد"، "تأتينا المياه عبر الصهاريج، من الآبار الخاصة، ولا أعتقد أنّها نظيفة، فقبل عام 2011 كانت تعالج وتعقم بالكلور، لكن خلال السنوات الماضية توقف ذلك، ومن الواضح أنّ نسبة الكلس مرتفعة جداً". يلفت إلى أنّه "بالرغم من وجود وحدة مياه تابعة للمجلس المحلي، فليست لها علاقة بالآبار الخاصة. وبشكل عام، فالمياه تتسبب في أمراض الرمل والبحص في الكلية، وليس لدينا أيّ إمكانية لتصفيتها".

ويقول المهندس الزراعي عبد الحميد أشقر، من سكان إدلب، لـ"العربي الجديد": "المياه في معظمها صالحة للشرب، وجزء منها في المدينة يتم تعقبها، ولكن المشكلة الرئيسية أن نسبة الكلس عالية جدا". وأوضح أنّه "في المقابل، هناك بعض المناطق تحتاج المياه فيها إلى تعقيم دائم، في حين يجري في بعض الأحيان استخدام طرق بدائية، لا تحقق بشكل عام النتائج المطلوبة".

من جانبه، يقول عضو المجلس المحلي في قرية الحلزون، غربي إدلب، نهاد مستو، لـ"العربي الجديد" إنّ "المصدر الرئيس للمياه لدينا هي الآبار، وليست لدينا أيّ معلومات مؤكدة عن وجود تلوث في المياه من عدمه، إذ لا نملك أجهزة فحص أو رقابة". يضيف: "في المقابل، لا نغيب الرقابة ولا تعقيم المياه، لكن هناك زيادة ملحوظة في عدد المرضى بالتهابات الأمعاء والتهاب الكبد والكلى".

بدوره، يقول مدير الرعاية الصحية الأولية في مديرية صحة حلب، طبيب الأطفال عبد الكريم ياسين، لـ"العربي الجديد": "بالنسبة للمياه المتوفرة في مناطقنا، فهي من آبار ارتوازية صالحة للشرب، وهناك بعض الآبار الكبريتية أو الكلسية، التي يشرب منها الناس مجبرين بالرغم من ضررها". ويوضح أنّ "التلوث يحدث جراء نقل المياه من البئر إلى خزانات الأهالي، لكنّ الأمر لم يصل إلى حدّ أن تكون هناك ظاهرة لانتشار الأمراض عبر المياه، مثل الكوليرا والبلهارسيا أو غيرهما". ويلفت إلى أنّ "تلوث المياه الجوفية بمياه الصرف الصحي في الأرياف محدود، فمصبات الصرف الصحي بعيدة عن الآبار عموماً، لكنّ الوضع اليوم مريب، إذ تغيب الرقابة عن مياه الشرب".




في الإطار نفسه، يقول مصدر مسؤول في مجلس مدينة إدلب، طلب من "العربي الجديد" عدم ذكر اسمه لأسباب خاصة: "تقسم المياه لدينا إلى نوعين؛ قسم تضخه المنظمات، وغالبا هو ضمن المعايير الدولية، والقسم الثاني الذي تنقله الصهاريج، وهنا تكمن المشكلة، فمسألة تعقيم الصهاريج غير موجودة، حيث يقوم الصهريج بتعبئة المياه من أي بئر وينقلها مباشرة إلى الأهالي، في حين هناك صعوبة في متابعة الصهاريج، خصوصاً أنّها اليوم منتشرة بأعداد كبيرة". يضيف: "ليست لدينا آليات لفحص مياه الآبار، وغالباً نستبعد تلوث مياه الآبار بالصرف الصحي مثلاً، فهي آبار ارتوازية عمقها أكثر من 400 متر". ويلفت إلى "أنّ متابعة نظافة المياه بحاجة إلى تدخل من المنظمات الأممية، ونتمنى أن يكون هناك تدخل سريع، لتأمين مياه نظيفة وآمنة".
المساهمون