موندياليات: كرة قدم بين القبور

03 يوليو 2014
المقبرة الفرنسية في لبنان، الصور من موقع (hello961)
+ الخط -
أمام حرش بيروت ما يعرف بـ"مقابر الفرنسيين". تمركزت قوّات الاحتلال الفرنسي في تلك المنطقة، قبل العام 1945، جُعلت مقرّا لسكن عائلات كبار الضباط منهم، وباقي أفراد الجالية. بعد العام 1990، كغيرها من المناطق، شهد محيط المقابر إهمالا. سقطت الأسيجة التي كانت تحيط المقابر، وصارت المقبرة ساحة كبيرة لأبناء مخيمي صبرا وشاتيلا يلعبون كرة القدم داخلها.

بقمصان ملوّنة، جلّها رسمت عليها الأرقام بعيدان الفحم، يهرول الصبية خلف الكرة. بعض الأحذية الصينية الصنع كانت تمزّقها أحجار الرخام المتطايرة من المقابر خلال الحرب.

 في رمضان تبرّع سكان المنطقة بتركيب "بروجكتورات" كبيرة للاعبين - الصبية. أُقيمت الدورة الرمضانية في المقابر، وأحاط السكان بلاعبين صغار، سمر البشرة، يبالغون في الاستعراض الكروي والحركات البهلوانية على التراب الناعم.

وفجأة خرجت الكرة من الملعب وصرنا أمام ركلة ركنية، أمام مدفن قاضٍ فرنسي توفي العام 1941. فاستأذن أحدهم المدفن ليرفع الركنية. زميله سدّد كرة بين مدفنين، كأنهما المرمى. وكلّ المشاهدين كانوا يتوقّعون مستقبلا كرويا باهرا للفتية الصغار.

لطالما انتهت الدورات الرمضانية بينهم بالفوز بإفطار في مطعم "الفراريج" بالمنطقة. كانت الكأس فرّوجا، مدعوما بأكواب الجلاب التي يقدّمها أصحاب المحلات لصبية المخيم. فيفترش الفريق الفائز أرض المقبرة ليحتفل باللقب الرمضاني خلف قبور مهجورة.

بعد 24 عاما على تلك البطولات الصغيرة. أُقفلت المقبرة. أُعيد ترتيب السياج وأُصلحت باقي المدافن. وصارت تحت رعاية السفارة الفرنسية. ثم اختفت المساحات الرملية، واحتفظت البلدية بفسحة في الحرش، زرعتها بالعشب الاصطناعي لهواة الكرة مقابل بدل ماديّ عن كلّ مباراة.

أما جائزة الدورة الرمضانية فلم تتغيّر أبدا. الفريق الفائز ما زال يحظى بفرّوج وقناني الجلاب. لكن هذه المرّة كان من يقدّم الجائزة لهم، هم العاملون في تلك المحلات: صبية مرّوا قبلهم على المقبرة... قبل 24 عاما.

المساهمون