موندياليات: علي.. زيدان حيّ اللجا

23 يونيو 2014
الصورة من ساوباولو البرازيلية لـ(Oli Scarff/Getty)
+ الخط -
كان صباحاً مختلفاً لعلي. لم ينزل الفتى الصغير إلى دوامه المعتاد في محل عصير "الخال". فاليوم هو في صدد دخول تجربة قد تغيّر حياته البائسة رأساً على عقب. إنّه يوم الامتحان الكروي الكبير له.

علي هو زيدان المنطقة (نسبة إلى اللاعب الفرنسي، العربي الأصل، الشهير زين الدين زيدان). هكذا سمّاه زملاؤه والجيران. الفتى اليافع ابن الـ17 ربيعاً، ما أن ينهي دوامه في محل العصير حتّى يهرول خلف الكرة. في الدورات الرمضانية على الملعب الرملي في حيّ اللجا الشعبي داخل بيروت، كل اللاعبين على علي. يمرّ الفتى بين الخصوم بخفّة غزال، وسرعة فهد، يرى الملعب بعيون كثيرة، يوزّع الطابات ويسجّل الأهداف، هي الموهبة التي لا تعرف حدوداً، حتّى في قلب الاحياء المتروكة، المهملة.

عند "الخال" ترى علي خلف ماكينات عصير القصب. حين يبدأ بكسر عيدان القصب على ركبته تبرز عضلات باطن الرجل: هي رجلا لاعب كرة. يُدخِل القصب في المعصرة بخفة المتمكّن لتتحوّل إلى شلال بطيء فوق الأكواب. يقدّمها إلى الزبائن ومعظمهم من أبناء المنطقة، وهم يردّدون: تسلم إيدك يا كابتن زيدان.

علي معيل أمّه وأخويه. الكرة تسلب شقاء الحياة التعيسة منه. أبوه الذي توفي إثر "ماس كهربائي" كان يعارض توجهه الكروي. الكرة عنده إدمان كي ينسى. لذا أحبّها من قلبه. علّق صورة زين الدين زيدان فوق سريره. همس لرفيقه، إنّه يسمع في نومه هتاف "زيدان... زيدان"، ويشعر أنّه نفسه علي، صبي العصير، من يحمل كأس العالم ويصافح الرؤساء.

الامتحان الأكبر كان حين جاء كشّاف اللاعبين. رجل بقبعة شتوية، ومعطف شتوي مخملي. أصحاب علي استقبلوه بالمصافحة فرداً فرداً. وليد ابن صاحب محل "الخال" هو من حكى له عن موهبة علي وقال: عنّا زيدان... تعا شوف بعينك.

الكلّ علّق الآمال على علي. سيكون أوّل لاعب من الحيّ في أكبر النوادي اللبنانية إذا أعجب "كشّاف الفريق".

كان زيدان حيّ اللجا، ملك المباراة. الفريق الخصم المطعّم بـ3 لاعبين محترفين لم يستطع مجاراة موهبته. سجّل الاهداف الخمسة، "كلّ غول شكل"، لم يتسبّب وحل ملعب الحيّ في إعاقة علي. غمزة فنية منه. فهو اعتاد على اللعب بعد المطر. كما تحت شموس الصيف. وانتهت المباراة فتوجّه علي نحو الكشّاف ليصافحه على وقع هتاف، "زيدان... زيدان". فربت الكشّاف على رأسه ومضى من دون أن يهمس بحرف واحد. ابتساماته كانت كمن يراضي طفلاً باللبان.

هرول علي نحوه. وقف محدّقا به ونطحه برأسه على صدره. وقع الكشّاف على الوحل، بمعطفه الثمين. ساد الصمت واعتلت الدهشة وجوه الجميع... فركض وليد صارخاً، "شو عملت؟ شو عملت!".

فأجابه: عملت زيدان ببساطة... أنا زيدان.. في نهائي كأس العالم 2006، لم يتحمل إهانة لاعب أقلّ منه فنطحه".

قال وليد: أقلّ منه؟!..هيدا أهمّ كابتن بالبلد. وقالها بحدّة.

فأجاب زيدان حيّ اللجا: بحيّ اللجا هيدا مغمور... بحيّ اللّجا فيه زيدان وبس. قالها علي ودخل محل العصير ليكسر عيدان القصب.

المساهمون