حي مولنبيك سان جان، هو واحد من 19 مقاطعة تضمّها العاصمة بروكسل. كان حيّاً صناعياً، وتحوّل منذ بداية الثمانينيات إلى حي شعبي يقطنه خليط من المهاجرين يبلغ عددهم نحو 100 ألف نسمة، و80 في المائة من ساكنيه ينحدرون من أصول مغربية. يعتبر أفقر أحياء بلجيكا وأكثرها كثافة سكانية. ويرى العديد من الباحثين البلجيكيين أن هذا الحي يمتلك كل المواصفات التي جعلته معقلاً للحركات الجهادية؛ ومنها، الفقر، ونسبة البطالة المرتفعة، والتهميش، وغياب أي سياسة اجتماعية كفيلة بدمج أبنائه في النسيج الاجتماعي البلجيكي. كل هذه العوامل مجتمعة، جعلت الحي يبدو كمخيم معزول تحوّل إلى تربة خصبة للحركات الإسلامية المتشدّدة، والتي تمتلك مساجدها الخاصة وتمارس سياسة اجتماعية مؤثرة في أوساط العائلات الفقيرة وتتغلغل في جميع مظاهر الحياة في الحي.
تحوّل حي مولنبيك في السنوات الأخيرة إلى بؤرة للحركات الإسلامية ومعقلاً للجهاديين من كل الأصناف، كما أنّ معظم الجهاديين البلجيكيين الذين التحقوا بمناطق القتال في العراق وسورية، وعددهم نحو 500، ينحدرون من هذا الحي، فضلاً عن أنّ أغلبية العمليات الجهادية التي نُفّذت أو تلك التي تم إحباطها في بلدان أوروبية عدة، أخيراً، تؤدي خيوطها بشكل أو بآخر إلى هذا الحي البلجيكي سيئ السمعة.
انطلق من هذا الحي، بأمر من زعيم "القاعدة" السابق، أسامة بن لادن، التونسي عبد الستار دحمان؛ أحد قتلة الزعيم الأفغاني أحمد شاه مسعود، عام 2001 قبل يوميْن من اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول في نيويورك. أمضى دحمان بضعة أشهر في معسكر تدريب تابع لتنظيم "القاعدة" في جلال أباد، شرق أفغانستان، ونجح برفقة صديق له، في التقرب من مسعود بذريعة أنهما صحافيان قبل أن يفجّرا نفسيهما على مقربة منه.
كما أنّ حسن الحسكي، العقل المدبر لاعتداءات مدريد عام 2004، والتي أسفرت عن مقتل 191 شخصاً، هو مهاجر مغربي أقام لفترة طويلة في حي مولنبيك، وكان على صلة وثيقة بالمجموعات الإسلامية المتشدّدة الناشطة في الحي.
اقرأ أيضاً تداعيات اعتداءات باريس: اللاجئون والجاليات العربية يخشون دفع الثمن
غير أنّ الحدث الذي حوّل حي مولنبيك إلى "معلَم جهادي"، هو العملية التي قام بها مهدي نموش، فرنسي من أصل جزائري، ضد المتحف اليهودي في بروكسل، في سبتمبر/أيلول 2014، وأسفرت عن مقتل أربعة أشخاص. وثبُت للمحققين أنه استأجر شقة وسط حي مولنبيك، وكانت له علاقات مع عدد من الناشطين الجهاديين المعروفين في الحي.
وبرز الحي مرة أخرى في التحقيقات حول اعتداءات يناير/ كانون الثاني 2015 في باريس، إذ ثبُت للمحققين أنّ حامدي كوليبالي الذي هاجم المتجر اليهودي في باريس اشترى أسلحته من أشخاص يقطنون في حي مولنبيك. وفي أغسطس/آب الماضي، ثبُت أيضاً أنّ أيوب الخزاني، منفّذ محاولة الاعتداء التي أحبطتها القوى الأمنية، ضد قطار "تاليس" الرابط بين أمستردام وباريس كان يتردد بانتظام إلى مسجد في حي مولنبيك، حيث تقطن أخته.
لكن الشخصية الأكثر إثارة للجدل، والتي أصبح اسمها مرتبطاً بالحي، هي عبد الحميد أبا عود، أو أبو عمر السوسي، بلجيكي من أصل مغربي، من مواليد الحي، وغادر إلى سورية للقتال في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ويعتبره العديد من أجهزة المخابرات الأوروبية أحد قادة التنظيم المكلّفين بتدريب الجهاديين الأجانب. سطع نجم أبا عود بعد ظهوره في أشرطة فيديو عدة، يقود في إحداها عربة "بيك آب" تجرّ وراءها كومة من الجثث. وتشك المخابرات الفرنسية في أن يكون أبا عود العقل المدبر للعديد من الاعتداءات التي استهدفت فرنسا في الأشهر الأخيرة، ومنها اعتداءات باريس 13 نوفمبر/تشرين الثاني الأخيرة، لكون المشتبه به والمطلوب دولياً صلاح عبدالسلام، كان على اتصال وثيق به.
بعد أيام قليلة بعد اعتداءات باريس، قامت قوى الأمن البلجيكية بعملية واسعة في الحي، وفكّكت شبكة للناشطين الجهاديين مدججين بالأسلحة والمتفجرات، كانوا على وشك القيام بهجمات واسعة ضد مقرات الشرطة في بروكسل.
عودة حي مولنبيك إلى الصدارة الإعلامية بعد اعتداءات "الجمعة الأسود" في باريس تدفع السلطات البلجيكية إلى الاهتمام بهذا الحي من الناحية الأمنية والاجتماعية. ويأتي اعتراف عمدة مقاطعة مولنبيك سان جان، فرانسوا اسخيبمانز، متأخراً، أوّل من أمس الأحد، بتقصير كبير في التعامل مع الحي، قائلاً، "منذ عقود توافدت أعداد هائلة من المهاجرين إلى الحي ولم نستطع وضع سياسة كفيلة بدمجهم بالمجتمع البلجيكي، وتركنا سكان الحي يتخبطون في مشاكلهم من دون مساعدة الدولة، وهذا ما ساهم بشكل كبير في تسهيل استقطاب الشباب من قبل التنظيمات المتشدّدة".
اقرأ أيضاً: كشف هوية فرنسي سجل شريط تبني "داعش" اعتداءات باريس