في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 1917، كتب وزير الخارجية البريطاني آنذاك، آرثر بلفور، رسالة الى اللورد "روتشيلد"، أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة، أبلغه فيها بـ"كثير من السرور" "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوماً بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".
بعد ثلاث سنوات، اتفق الموقعون على معاهدة "سان ريمو" في العام 1920، على وضع فلسطين وشرقي الأردن تحت الانتداب البريطاني مع الالتزام بتنفيذ وعد بلفور.
ومنذ ذلك التاريخ، عملت الحركة الصهيونية في أنحاء العالم، وبدعم من القوى الكبرى في أوروبا، ومن الولايات المتحدة لاحقاً، على تنفيذ "بعض" مقتضيات "وعد بلفور"، وخاصة ما تعلّق منها بإقامة "وطن قومي" لليهود. ونقول "بعض"، لأن الوعد الذي ضمن الحقوق الدينية والمدنية لغير اليهود من سكان فلسطين لم يُحترم لا من بريطانيا، صاحبة الوعد، ولا من "الدولة اليهودية"، التي ما برحت توغل بالاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس والخليل وبيت لحم وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية، وتتغوّل بالاعتداء على الحقوق المدنية للسكان الفلسطينيين وتمارس عليهم أبشع صور التمييز العنصري مع حرمانهم من أبسط الحقوق الأساسية للإنسان بدءاً من حرية التنقل وانتهاءً بحرية الحياة مروراً بكل ما بينهما.
اليوم، وبعد مضيّ 97 عاماً على الوعد المشؤوم، يبدو أن التاريخ بات على موعد قريب لتصحيح المعادلة. فصيرورة التاريخ لا تستقيم في معادلة منحرفة، طرفاها " قوة لا تملك" تمنح "لقوة لا تستحق"، والشواهد عديدة ودالّة على ذلك. فهذه بريطانيا التي كانت أمبراطورية لا تغيب عن حدودها الشمس، وبعدما احتلت أو تدخلت عسكرياً في 171 بلداً من أصل 193 دولة أعضاء في الأمم المتحدة، عادت الى حدودها الطبيعية وانجلت قواتها عن كل المستعمرات وعادت الى ثكناتها. وكذلك حال فرنسا الاستعمارية وإيطاليا والبرتغال وحتى الولايات المتحدة وروسيا، فالتاريخ لم يستقم لمحتل أو غاصب، والحق لا بد أن يعود لأصحابه ولو بعد حين.
بالأمس القريب، دعا نواب الشعب البريطاني في مجلس العموم الى تصحيح الخطأ الذي ارتكبته بريطانيا بحق الشعب الفلسطيني، ونادوا بالاعتراف بدولة فلسطين، ليس كهبة أو هدية من أحد، وإنما بوصفه حقاً. وإذا كانت دعوة البرلمانيين البريطانيين غير ملزمة لحكومتهم، فإن ذلك لا يجب أن يقلّل من أهميتها، لأنها أول الغيث على طريق تحقيق الاستقلال التام للدولة الفلسطينية، فالتاريخ بات على موعد قريب لتصحيح مساره، وبريطانيا باتت قاب قوسين أو أدنى من "الاعتذار" للشعب الفلسطيني عن خطيئة "وعد بلفور" وما ترتب عليه من نكبات ونكسات وخسائر لحقت بأهل فلسطين على امتداد مئة عام من الزمن.
اقرأ أيضا:
ماذا يقول الشارع اليوم لبلفور؟
وعد بلفور المشؤوم: زياد همّو حمل الرصاص في يديه
بلفور وطفولة حيفاويّة: الشارع والوعد
موعد التاريخ لتصحيح الوعد
وعود قبل بلفور.. نابليون والروس والألمان سبقوا بريطانيا
وعد بلفور- كاريكاتير عماد حجاج