مع استمرار انقطاع رواتب موظفي اليمن الحكوميين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين منذ أكثر من عامَين، راح بعض هؤلاء يتوجّهون إلى العاصمة السياسية المؤقتة عدن، جنوبيّ اليمن، في سعي إلى متابعة موضوع رواتبهم. لكنّهم يصطدمون بعراقيل عدّة على طول الطريق، لا سيّما بسبب النقاط الأمنية التابعة لأكثر من جهة.
خالد إسماعيل مدّرس من محافظة الحديدة (غرب) يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "عناصر نقطة أمنية تابعة للحوثيين في مديرية الحوبان بمحافظة تعز (جنوب) اعتقلتني مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، في أثناء توجّهي إلى عدن لإدراج اسمي في كشوفات الرواتب، بعدما نصحني صديق بذلك". يضيف: "بعد التحقيق معي عند النقطة الأمنية، نقلوني إلى سجن مدينة الصالح حيث بقيت في زنزانة على مدى ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع خضعت للتحقيق من جديد. حاولت إقناعهم كثيراً بأنّني كنت ذاهباً إلى عدن من أجل المطالبة براتبي المتوقف منذ أكثر من عامَين، لكن من دون جدوى. وظلّوا يتّهمونني بأنّني أعمل لمصلحة الحكومة الشرعية والتحالف العربي". وبعد شهر تقريباً من احتجازه، تمكّن من إبلاغ عائلته بمكان احتجازه عن طريق أحد المساجين الذين أطلق سراحهم. ويتابع إسماعيل: "أفرج عنّي بعد مفاوضات استمرت مع عائلتي لأكثر من شهرَين، وذلك في مقابل 300 ألف ريال يمني (نحو 570 دولاراً أميركياً)، واشترطوا عليّ عدم التوجّه إلى عدن مرّة أخرى لأيّ سبب كان، وقد أجبروني على توقيع تعهد بذلك".
من جهته، يقول إبراهيم علي، وهو موظف في إحدى المدارس الحكومية في صنعاء، لـ"العربي الجديد"، إنّه "بعد قرار الحكومة اليمنية في عدن مطلع عام 2018 بصرف رواتب جميع الموظفين الحكوميين النازحين في المناطق الخاضعة للشرعية، قرّرت الانتقال إلى عدن لمتابعة المعاملات المطلوبة بعد تدهور وضعي المعيشي وعدم قدرتي على توفير الحدّ الأدنى من متطلبات أسرتي". يضيف أنّ "كل شيء كان على ما يرام، لتبدأ المعاناة عند وصولي إلى أول نقطة أمنية في محافظة الضالع (جنوب). هويّتي صادرة في صنعاء، وقد اضطررت إلى إعطاء المال لعناصر بعض النقاط الأمنية المدعومة من الإمارات في مقابل السماح لي بالمرور إلى عدن". ويتابع علي: "عند نقطة الحبيلين في محافظة لحج (جنوب)، أُجبرت على الترجّل من السيارة مع شخص آخر لأنّنا من أبناء المناطق الشمالية، على الرغم من تأكد العناصر هناك من وثائقي التي تُثبت أنّ هدفي هو الحصول على راتبي المتوقّف منذ أكثر من عامين". ويشير علي إلى أنّه لجأ إلى أحد المساجد القريبة من تلك النقطة الأمنية من أجل قضاء الليل، "على أمل أن يسمحوا لي بالمرور في اليوم التالي. لكنّهم كانوا مصرّين على موقفهم".
ويكمل علي أنّ "رجلاً من أبناء المنطقة ساعدني في اليوم الثالث على عبور نقطة الحبيلين التابعة للحزام الأمني، بعدما اطّلع على معاناتي في خلال اليومَين الماضيَين". ويتساءل علي عن "الأسباب وراء هذا التمييز ضدّ أبناء المحافظات الشمالية. ما الذي فعلناه حتى نستحق معاملة مماثلة؟ إذا كانت الأنظمة والجهات السياسية ارتكبت الأخطاء، ما ذنبنا نحن المدنيين؟".
أمّا أبو أكرم الصبري، وهو موظف في إحدى المؤسسات الحكومية في صنعاء، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "ما يحدث عند النقاط التابعة لما يُعرف بقوات الحزام الأمني التابعة لإمارات، في محافظة الضالع (جنوب)، يُعَدّ ممارسات فئوية غير إنسانية". يضيف أنّ "أحد عناصر نقطة أمنية في الضالع، جعلني أترجّل من الحافلة التي كنت أستقلها، وحقّق معي ومنعني من مواصلة رحلتي إلى عدن للمطالبة براتبي، بحجّة أنّ عملي في صنعاء ويتوجّب عليّ المطالبة براتبي من هناك". ويتابع الصبري: "اضطررت إلى العودة إلى صنعاء مكسور الخاطر، لا سيّما بعد تحمّل نفقات السفر"، مشدداً على أنّ "الإجراءات التعسفية الممارسة من قبل ما يُعرف بقوات الحزام الأمني التابعة لإمارات، في حقّ أبناء المحافظات الشمالية الباحثين عن رواتبهم، يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان ومع عادات القبائل اليمنية وتقاليدها. تلك تصرفات دخيلة على المجتمع".
تجدر الإشارة إلى أنّ عملية الانتقال من صنعاء وإليها تكون أكثر سهولة عندما ترافق نساء المسافرين، إذ إنّه يُسمَح لهم غالباً بالمرور من دون أيّ إزعاج. يقول سليم البعداني لـ"العربي الجديد": "مررت وعائلتي من دون أيّ مشكلات. أوقفونا عند نقاط أمنية مختلفة وسألونا عن سبب ذهابنا إلى عدن. وعندما كنّا نخبرهم بأنّني ذاهب لزيارة أقربائي هناك، كانوا يسمحون لنا بالمرور".
وتفيد إحصاءات رسمية بأنّ إجمالي عدد الموظفين النازحين من مناطق سيطرة الحوثيين إلى العاصمة المؤقتة عدن تخطّى سبعة آلاف موظف وموظفة من القطاع التربوي إلى جانب أكاديميين في الجامعات ومراكز البحوث الحكومية ومهندسين وأشخاص آخرين ضاقت بهم الحال بعد الانقطاع المستمر لرواتبهم منذ أكثر من عامَين. إلى جانب ذلك، أكثر من مليون موظف حكومي يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين من دون رواتب، منذ سبتمبر/ أيلول من عام 2016. وبحسب ما تفيد منظمة الأمم المتحدة، فإنّ اليمن يمرّ بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، و80 في المائة من سكانه (نحو 24 مليون شخص) في حاجة إلى مساعدات إغاثية عاجلة.