موسى حدّاد أكمل معركته الأخيرة

18 سبتمبر 2019
موسى حدّاد أثناء تصوير أحد أفلامه (من ألبومه الخاص)
+ الخط -

إحدى أكثر الصور اللافتة في بداية الحراك الشعبي كانت لشيخٍ ثمانيني يسير بين المتظاهرين في "شارع موريس أودان"، بالجزائر العاصمة، متّكئاً على زوجته وهو يُغطّي جزءاً من وجهه بوشاحٍ رمادي، ليحمي نفسه من الغازات المسيلة للدموع.

تعود الصورة إلى الرابع والعشرين من فبراير/شباط الماضي، أيْ بعد يومَين من بداية الحراك. أمّا الذي يظهر فيها، فهو المخرج الجزائري موسى حدّاد (1937 - 2019)، الذي رحل أمس الثلاثاء. رغم أنه لم يترك عدداً كبيراً من الأفلام، إلّا أن حدّاد يُعدّ واحداً بين أبرز المخرجين الذين ارتبطت أسماؤهم بـ"العصر الذهبي" لـ السينما الجزائرية في السبعينيّات والثمانينيّات. يكفي ذكر اسمه ليتذكّر كثير من الجزائريّين "عطلة المفتّش الطاهر" الذي يُعتبر علامةً فارقة في الأفلام الجزائرية.

وُلد موسى حدّاد في الجزائر العاصمة وبدأ رحلته مع التلفزيون والسينما باكراً؛ حيث عمل في مهنٍ مختلفة مع عددٍ من شركات الإنتاج. لكنَّ أوّل فرصةٍ حقيقية له ستأتي عام 1965؛ حين يقف مساعداً للمخرج الإيطالي جيلو بونتكورفو (Gillo Pontecorvo) في الفيلم الثوري البارز "معركة الجزائر". لاحقاً، ستتكرّر هذه التجربة مع الإيطالي إنزو بيري (Enzo Peri) الذي اختار مدينتَي بسكرة وبوسعادة في الجنوب الجزائري لتصوير فيلم الويسترن "ثلاثة مسدّسات ضدّ قيصر" (1966)، ومع الإيطالي لوتشينو فيسكونتي (Luchino Visconti) في "الغريب" (1967).

بعد فيلمه "المفتّش طاهر" الذي أخرجه سنة 1967، سيُقدّم سنة 1972 فيلمين هما "تحت الحور" ورائعته "عطلة المفتّش طاهر" الذي أخرجه استناداً إلى سيناريو كتبه الممثّل الكوميدي حاج عبد الرحمن (1940 - 1981)، وأدّى فيه الشخصية الرئيسية التي ظلّت مرتبطةً به، إلى جانب يحيى بن مبروك (1927 - 2004) الذي جسّد شخصية "لا برونتي"؛ أو مساعد المفتّش؛ وهما الممثّلان اللذان سيُشكّلان ثنائياً يجسّد الشخصيتَين في عددٍ من الأفلام التي ستُنتَج لاحقاً.

تكمن ميزة "عطلة المفتّش الطاهر" في كونه أوّل فيلمٍ كوميدي جزائري، في فترةٍ اتّجه معظم المخرجين إلى إنجاز أعمالٍ تاريخية عن الثورة التحريرية. هكذا ترك حدّاد ذلك الموضوع الرائج جانباً؛ مفضّلاً تناول يوميات الجزائريّين في الحاضر، موجّهاً نقداً لاذعاً للبيروقراطية التي يُجسّدها مسؤولٌ محلّي مثّل دوره الفنّان حسن الحسني (1916 - 1987).

حقّق الفيلم نجاحاً كبيراً، ما شجّع حدّاد على الاستمرار في الأعمال الكوميدية؛ فأخرج سنة 1978 فيلم "حسان طيرو في الجبل"، والذي لعب دور البطولة فيه أحد أبرز ممثّلي السينما والمسرح في الجزائر، أحمد عياد (1921 - 1999) المعروف فنّياً باسم رويشد، والذي سيُجسّد شخصية حسان في سلسلةٍ من الأفلام التي أنجزها عددٌ من المخرجين الجزائريّين.

لم يكُن حدّاد بعيداً عن أفلام الثورة؛ ففي 1988 قدّم فيلماً بعنوان "الاستقلال"، وقبل ذلك، وتحديداً سنة 1975، سجّل حضوراً بارزاً في الأفلام الثورية من خلال فيلمه "أطفال نوفمبر" الذي فضّل أنْ يُضيء فيه على دور الأطفال خلال الثورة التحريرية؛ من خلال قصّة مراد (الممثّل حمدي عبد القادر) الذي يتحوّل من بائع جرائد مغمورٍ يُعيل أسرته الفقيرة، إلى المطلوب الأوّل من قِبل الشرطة السرّية الفرنسية.

ومن حكايا أطفال الثورة، ينتقل حدّاد إلى مغامرات الشباب في فيلمه "ماد إن" (1999) ثمّ إلى قصص الذين يقطعون البحر في رحلات الهجرة السرية زمن الاستقلال في فيلم روائي طويل بعنوان "حرّاقة بلوز" (2012)، تناول فيه ظاهرة الهجرة غير القانونية؛ لكنّ العمل لم يُحقّق النجاح الذي كان منتظراً من عودة مخرجٍ بارزٍ بعد غياب طويل.

دلالات
المساهمون