تعمد الشرطة التركية إلى تفتيش السيارات التي تدخل إزمير لمنع اللاجئين من بلوغها، بالتزامن مع حملة على المهرّبين الذين ينقلونهم إلى اليونان.
في مدينة أزمير التركيّة، يتجمّع عشرات آلاف السوريين استعداداً لركوب قوارب صغيرة تقلّهم إلى إحدى الجزر اليونانية القريبة من الساحل التركي، المحطة الثانية من رحلتهم المحفوفة بالمخاطر، لبلوغ إحدى الدول الأوروبية حيث الحلم بحياة آمنة ومستقرة.
تشير المعطيات إلى أن خمسين ألف شخص وصلوا إلى اليونان في شهر يوليو/تموز المنصرم جلّهم من السوريّين، بالإضافة إلى آخرين من العراق وأفغانستان على سبيل المثال لا الحصر. وتعجّ فنادق إزمير بآلاف طالبي اللجوء، بالإضافة إلى آلاف آخرين يفترشون الحدائق العامة والشوارع الخلفية في المدينة. وكانت السلطات قد اتخذت هناك إجراءات للحدّ من دخولهم إلى المدينة ونفّذت عمليات مداهمة لبعض الفنادق ورحّلت المئات إلى مخيّم على الحدود التركية السورية، بالرغم من أن بعضهم يحمل بطاقة تعريف أو "كمليك".
وكان محافظ مدينة إزمير مصطفى طوبراك قد أصدر قراراً بمنع دخول السوريين إلى المدينة بعدما ارتفعت أعداد اللاجئين السوريين فيها إلى 500 ألف وفق تقديرات غير رسمية (70 ألف مسجّل رسمياً). وقال إن السلطات التركية لن تتساهل في معاقبة كل من تسوّل له نفسه التفكير في الهروب إلى أوروبا وجزر اليونان ويحاول الهجرة غير الشرعية عبر الأراضي التركية. لكن بعض اللاجئين الذين تواصلت معهم "العربي الجديد"، يوضحون عدم وجود تدقيق كبير بدخول السوريين إلى المدينة. يقول عبد الرحمن الذي توجّه مع رفيق له إلى إزمير من مدينة تركية أخرى، "حضرنا بواسطة حافلة ركاب عادية ولم يعترضنا أحد. وقد تواصلنا مع المهرّب الذي أمننا في فندق ونقلنا مساءً إلى نقطة تجمّع بالقرب من البحر، في انتظار أن تتاح لنا فرصة الإبحار إلى إحدى الجزر اليونانية".
من جهتها، تقول منار وهي لاجئة فلسطينية حضرت مع أولادها الصغار وشقيقها، أنها وصلت من دمشق قبل يومين وقد دفعت ألف دولار أميركي عن كل شخص بالغ للمهرّب الذي أدخلهم إلى تركيا، وذلك بعدما "بدأت سلطات النظام السوري أخيراً بالتشديد على سفر الفلسطينيين، في خطوة هدفها الابتزاز المالي فقط". وبعد دخولهم إلى تركيا، نقلتهم حافلة إلى إزمير، وهناك تواصلوا مع مهرّب نقلهم إلى منطقة بين الغابات قريبة من البحر، في انتظار الفرصة المناسبة للمغادرة.
أما محمود الذي حضر مع أسرته من مدينة حلب قبل فترة وينوي اليوم الهجرة إلى أوروبا، فيقول إنه أوصل زوجته وابنته الصغيرة إلى إزمير وعاد إلى إسطنبول، في انتظار أن تقوم زوجته لاحقاً بلمّ شمل. يخبر أنه لاحظ "وجوداً لافتاً للشرطة التركية في المدينة، وأحياناً يتمّ التدقيق بكل ما يثير الانتباه. لكن وبما أن أوراقي قانونية وأملك إقامة (كيملك)، هم لا يستطيعون اتخاذ أي إجراء بحقّي".
اقرأ أيضاً: مهرّب البشر من طرطوس إلى شتوتغارت
ويوضح مدير دائرة الهجرة التركية أتيلا طوروس أن "نحو مليونَي سوري مسجلون في 81 محافظة تركية، في حين لقي ما بين 22 ألفاً و25 ألفاً مصرعهم في أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا عبر المناطق الساحلية في تركيا من بحر إيجة والبحر المتوسط".
أبو أحمد واحد من المهرّبين، يقول لـ "العربي الجديد" إن ثمة عدة طرق للوصول بحراً إلى الجزر اليونانية، أولاها وأكثرها شيوعاً هي عبر "البلم" وهو قارب مطاطي صغير يتسع عادة لنحو عشرة أشخاص، إلا أن أكثر من 30 شخصاً يُحشَرون فيه. وهو الأمر الذي يعرّضه لمخاطر كبيرة، لا سيما الغرق أو تعطل محركه. وهو معرّض للانقلاب نتيجة التدافع خلال مطاردته من قبل الشرطة التركية أو اليونانية.
يضيف أبو أحمد أن "البلم" هو الأرخص ثمناً، إذ إن البدل لقاء نقل شخص كبير هو 1250 دولاراً ونصف القيمة لمن هم دون العاشرة ومجاناً لمن هم دون السنتين. أما الطريقة الأخرى التي يلجأ إليها متوسطو الحال وكذلك الذين يخافون من مخاطر "البلم"، فهي المركب الخشبي الذي يتسع في الأحوال العادية لنحو عشرين شخصاً، لكن أكثر من 40 شخصاً يكدَّسون فيه وأحياناً 60 شخصاً. أما التكلفة، فتتراوح ما بين 2200 و2500 دولار.
ويتابع أبو أحمد أن الطريقة الثالثة هي عبر اليخت السياحي، ويلجأ إليها قلة من الناس لأنها مكلفة كثيراً وتصل كلفتها إلى 3500 دولار للشخص الواحد. لكن هذه الطريقة مريحة، إذ ينقل فقط خمسة أشخاص من بينهم نساء يظهرن على سطح اليخت بلباس صيفي على أنهن سائحات. وينطلق هذا المركب نهاراً بطريقة نظامية من الساحل، ويتجوّل ساعات عدة في عرض البحر، حتى يتسنى له العبور إلى المياه الإقليمية اليونانية. وهناك، يقترب من الساحل اليوناني بشكل طبيعي وينزل ركابه على الشاطئ ويعود إلى تركيا، بينما يسلم ركابه أنفسهم إلى الشرطة اليونانية للحصول على ورقة الطرد المسماة "الخارطية".
في المحطة اليونانية وبعد استلام "الخارطية"، يتوجّه اللاجئون بحراً إلى العاصمة أثينا ويقيمون في أحد الفنادق الرخيصة، ريثما يتسنى لهم ترتيب الخطوة التالية في رحلتهم وهي الانتقال إلى العمق الأوروبي. بعضهم (الأقليّة) يختار السفر جواً عبر جواز سفر أوروبي مزوّر بتكلفة تتراوح ما بين 4500 و5600 دولار. ويتولى المهرب ترتيب العملية وتكرار المحاولة في حال فشلت، بعدما يقوم بتعديل مظهر "الزبون"، بما يتلاءم مع مواصفات صاحب الجواز الأصلي. وغالباً ما تبوء هذه المحاولات بالفشل في المرات الأولى، فتصادر السلطات جواز السفر المزوّر وتترك صاحبه، ليحاول مرّة أخرى. وأحياناً يقولون له: "حظاً طيباً في المرة المقبلة".
إلى ذلك، ثمّة طريق غير معتمد كثيراً، باتجاه إيطاليا بحراً. وفرص نجاح اجتيازه منخفضة مثل فرص الانتقال جواً، لأن السلطات غالباً ما تكتشف الجواز الأوروبي المزور أو الهوية المزورة.
أما الطريق الأكثر اعتماداً خلال الشهرين الأخيرين والأخف تكلفة، فهو ذلك البري. وتنتقل مجموعات كبيرة براً إلى الحدود المقدونية ومنها إلى صربيا ثم هنغاريا وبعدها النمسا أو ألمانيا. وتتراوح التكلفة هنا ما بين 1500 و2000 دولار أو أكثر أحياناً، تبعاً للمسافة التي يتوجّب اجتيازها سيراً على الأقدام عند التنقّل ما بين الدول المذكورة، أو طول مدّة المكوث وما يتخلل ذلك من نفقات إضافية خاصة بالنوم في الفنادق والطعام.
160 ألف مهاجر بحراً
تفيد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بأن 160 ألف مهاجر وصلوا بحراً إلى اليونان، ما بين الأول من يناير/كانون الثاني و14 أغسطس/آب 2015. يضاف إلى هؤلاء 1716 مهاجراً وصلوا عن طريق البرّ. وخلال الفترة الزمنيّة نفسها، لقي أكثر من 2400 مهاجر مصرعهم خلال محاولة عبور البحر الأبيض المتوسط باتجاه أوروبا.
اقرأ أيضاً: لاجئون سوريّون ينتظرون التفاتة في عراء باريس