موريتانيا: مهمة رئاسية صعبة لرأب الصدع بين الموالاة والمعارضة

18 يوليو 2020
تتطلب مرحلة ما بعد كورونا توافقاً (الأناضول)
+ الخط -

شكلت اللقاءات الأخيرة التي عقدها الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني مع كل من رئيس حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء وعدد من الشخصيات الأخرى فرصة لبعث وساطة لرأب الصدع بين الموالاة والمعارضة، بعد تبادل الطرفين الاتهامات أخيراً حول عدد من الملفات، أهمها الإصلاح وتكريس الشفافية ومحاربة الفساد وإبعاد المتورطين فيه عن السلطة.
ويعوّل الكثير من الموريتانيين، والذين يرون أن تحقيق الوئام بين الفرقاء السياسيين ضروري في هذه المرحلة، على مساعي الرئيس في إشاعة وبث جو التفاهم بين الموالاة والمعارضة من أجل التفرغ للملفات الكبرى، واتخاذ مواقف موحدة بخصوصها، إذ إن البلاد مقبلة على مرحلة ما بعد جائحة كورونا التي تتطلب التوافق على إجراءات الفتح، وعلى محاكمة غير مسبوقة للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وما يتطلب ذلك من توافق لإنشاء محكمة العدل السامية.

تسبب التلاعب في تسيير صندوق كورونا واللجوء إلى صفقات التراضي في عودة الخلاف بين الموالاة والمعارضة

 

وتسبب التلاعب في تسيير صندوق كورونا واللجوء إلى صفقات التراضي، واختلاس مبالغ كبيرة من المصرف المركزي، في عودة الخلاف بين الموالاة والمعارضة، فالأخيرة تتهم الحكومة بسوء التسيير والفساد، وتطالب بالحفاظ على موارد البلاد وتسييرها بشفافية والتعامل مع أي فساد بقسوة ومن دون أي تهاون، فيما الموالاة ترفض الاتهامات وتدافع عن موقفها بما تم تحقيقه في محاربة الفساد، وفتح تحقيقات أخيراً في صفقات القطاعات الوزارية المرتبطة بصندوق كورونا، واعتقال المتهمين باختلاس 2.5 مليون دولار من المصرف المركزي. وينذر الصدام الجديد الحاصل في موريتانيا بكسر جمود فترة من التوافق والهدوء بين الأحزاب المعارضة، خصوصاً "التجمع الوطني للإصلاح" (تواصل)، والموالاة، وعلى رأسها الحزب الحاكم، ما سيؤثر سلباً على تنفيذ الاتفاقيات التي سبق أن توصل الطرفان لها، وما تتطلبه خطة مواجهة وباء كورونا من توافق وطني والتفاف شعبي لإنجاح التعبئة العامة لمواجهة موجة انتشاره في البلاد.
والطرفان اللذان عاشا فترة ذهبية تميزت بالهدوء والتفاهم لم يسبق أن عرفتها الساحة السياسية في البلاد، عادا لتبادل الاتهامات بتوتير الأجواء، والتعنت في المواقف، بل ووصل الحد إلى التهديد والاتهام بالفساد المالي واستغلال فترة الإغلاق بسبب الجائحة لتمرير الصفقات وسن قوانين لا يوجد إجماع عليها. ودفع التوتر بالرئيس إلى التدخل، والضغط على زعماء الطرفين تارة وتحقيق مطالبهم تارة أخرى. وقالت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إن ولد الغزواني ألح على جميع من التقى بهم عدم توتير الأجواء واستعمال لغة متشنجة في مناقشة المستجدات، والحرص على المصلحة الوطنية، لأن الظرف الحالي لا يتحمل توتراً سياسياً.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية


ويقول المراقبون إن النظام حاول استغلال فترة بداية حكم ولد الغزواني لبث رسائل إيجابية تجذب المعارضة، وتؤثر على بوصلة بعض أحزابها، فكان له ما أراد، واتجهت الأمور إلى التطبيع أكثر بين الفرقاء. ومع دخول البلاد مرحلة الإغلاق جراء كورونا، رفعت دعوات الالتفاف الوطني لمحاربة الجائحة من درجة تقارب الطرفين، كما ساعد منع التجمعات الحزبية واللقاءات السياسية التي تشهد عادة تشاحناً وجدلاً وتحريضاً في استمرار جو الود والتفاهم بين الفرقاء. ورغم الجو الإيجابي الذي عاشته البلاد، فإن البعض يرى أن غياب دور المعارضة المباشر والمؤثر والتخلي عن أسلوب المناكفة والمحاججة، الذي اعتاد السياسيون عليه، ولو لفترة مؤقتة، سيكون له تأثير سلبي على الحياة السياسية في بلد متعدد الأعراق والإثنيات ويعاني من مشاكل عدة تتطلب دوراً أكبر للمعارضة. وفي المقابل، يرى البعض أن تفعيل لغة الحوار بدل المناكفة، وتعزيز التواصل والتعاون والتشاور، أهم من عودة الدور المعارض، الذي لم يأت بالنتائج المرجوة على مدى عقود، ويطالبون بتمديد فترة الهدوء السياسي، خصوصاً بعد ظهور مؤشرات على بدء عودة الصدام من جديد. ويتساءلون عن المستفيد منه في فترة تتطلب تكاتفاً وطنياً للعمل على مواجهة جائحة كورونا على جميع الأصعدة.

يرى البعض أن غياب دور المعارضة، ولو لفترة مؤقتة، سيكون له تأثير سلبي على الحياة السياسية

 

وفي هذا الصدد، يرى الباحث السياسي أحمد سالم ولد شيخاني أن التساؤلات عن أسباب الصدام الجديد بين الطرفين تشغل الشارع الموريتاني، وتثير جدلاً في أوساط المراقبين بين من يرى أنه ليس هناك دوافع وعوامل جديدة تستدعي كسر فترة التوافق، وبين من يعتبر أن فترة المهادنة واللغة الهادئة وغياب النقد والمساءلة دفع أحزاب الأغلبية إلى استغلال الوضع والتصرف بشكل أحادي، ما يستوجب العودة بقوة إلى معارضة سياسة فرض الأمر الواقع التي تنتهجها الأغلبية.
ويشير ولد شيخاني، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن عقد صفقات حكومية مشبوهة، وطريقة تسيير صندوق مواجهة جائحة كورونا، والتباطؤ في محاكمة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، عجلت بعودة الصدام بين الطرفين. ويقول "كان الصدام سيكون أقوى مما هو عليه الآن. إن منع الاجتماعات التي كانت تغذي هذه الخلافات، ودعوات الالتفاف الوطني في محاربة كورونا، ساهمت في التخفيف إلى حد ما من حدة التوتر، بالإضافة إلى إصدار الرئيس تعليماته بضرورة التحقيق في صفقات القطاعات الوزارية المرتبطة بصندوق كورونا بعد إعلان وزير المالية إنفاق 6 ملايين أوقية (الدولار الواحد يساوي 37 أوقية) من الصندوق خلال الأسابيع الماضية، وما رافق تلك التصريحات من انتقادات واتهامات للحكومة بسوء التسيير والفساد".
ويعتبر ولد شيخاني أن الطرفين استفادا، ولو مؤقتاً، من عودة الصدام والاتهامات والشحن، وارتفعت شعبيتهما في أوساط أنصارهما. ويقول "أنصار المعارضة كانوا يطالبون بأداء لا يحرم المعارضة من واجبها ونقدها ومساءلتها للسلطة، وجمهور الموالاة يناشد دوماً أحزابه بدعم الحكومة والدفاع عنها بشراسة، وهذا ما تحقق، لكن استمرار الخلافات بهذا الشكل لن يكون في مصلحة البلاد". ويرى أن "الرئيس تفاعل بسرعة مع التطورات الحاصلة بين الموالاة والمعارضة، وبرمج لقاءات سريعة مع زعمائهما لوأد بوادر الخلاف وحل القضايا العالقة"، مؤكداً أن "الرئيس يملك ملفات عديدة للضغط على الطرفين بشتى الطرق من أجل تحقيق توافق تحتاجه البلاد حالياً".