ورغم أنّ الدستور الموريتاني يحظر على الرئيس الترشح لولاية ثالثة، فقد استجاب ولد عبد العزيز للأمر مكرهاً، وطالب بإيقاف المبادرات المطالبة بولاية ثالثة له. لكن ذلك لا يعني أنه ترك السلطة، بل بدأ التخطيط من أجل أن يخلفه قائد أركانه السابق، وزير دفاعه الحالي وصديقه المقرب، محمد ولد الغزواني، وهو ما يعكس مدى تعلّقه بالسلطة. لكنّ الإجراء قد يعطي فرصاً، ولو غير متكافئة، للأطراف المعارضة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لمنافسة مرشّح السلطة القوي حتى الساعة.
ويشكل توحّد المعارضة الموريتانية ومشاركتها في الانتخابات الرئاسية المقبلة كقوة واحدة، أهم عامل للدفع بمستوى منافستها لمرشح النظام الذي بدأ حملته الانتخابية مبكراً، كما أنّ لديه أوراق ضغط قوية عدة، أبرزها المال، والسلطة، ودعم بعض اللوبيات الرافضة لتغيير نهج النظام الذي يحكم البلاد منذ نحو عشر سنوات. غير أن المعارضة الموريتانية لديها أيضاً الكثير من الفرص في حال قدّمت مرشحاً واحداً وشاركت كقوة متماسكة وسلِمت من التشرذم والتفتّت قبيل موعد الانتخابات الرئاسية المقرر منتصف شهر يونيو/حزيران من العام الحالي 2019.
وفي السياق، رأى الصحافي والمحلّل السياسي الموريتاني، الهيبة ولد الشيخ سيداتي، أنّ مرشّح السلطة، ولد الغزواني، "ما زال حتى الآن من أقوى المرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة، مستفيداً من ترشيحه من هرم السلطة عن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، ودعمه من قبل الرئيس الحالي وأركان نظامه، وأحزاب الأغلبية الداعمة للرئيس محمد ولد عبد العزيز".
وأضاف ولد الشيخ سيدتي، وهو مدير "وكالة الأخبار المستقلة" في موريتانيا، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّه "ما لم يظهر اسم المرشّح الموحّد للمعارضة أو أسماء معارِضة أو مستقلة يمكنها منافسة مرشح السلطة، فإنّ الأخير سيبقى الأقوى"، مؤكداً أنّ "المعارضة الموريتانية يمكنها بالطبع فرز مرشّح موحّد لأسباب عدة؛ أولها الاستحقاق الدستوري الذي حرم الرئيس من الترشّح لولاية ثالثة، وتحديد سنّ معيّن للترشّح للانتخابات الرئاسية، الذي بسببه ستغيب بعض الرموز والشخصيات المعارضة الأكثر حضوراً، منذ التعددية الحزبية مطلع تسعينيات القرن الماضي، إذ لم يعد لبعض الأحزاب والقوى المعارضة القوية مرشّحها الثابت، مما يتيح لها الفرصة لتوحيد مرشحها مع باقي القوى المعارضة الأخرى لمواجهة مرشّح السلطة في الانتخابات المقبلة".
وأشار ولد الشيخ سيدتي إلى أنّ "فرض مرشّح السلطة حالياً يتطلّب جهداً غير تقليدي من طرف النظام، وهو ما يؤكّد على ضرورة توحّد المعارضة ورصّ الصفوف لمنافسة النظام ومرشحه"، موضحاً أنّ "الأحزاب الرئيسية في المعارضة (تواصل، وقوى التقدّم)، هي أحزاب غير رئاسية، وتهتم أكثر بالانتخابات البلدية والبرلمانية، بدل الانتخابات الرئاسة، مما سيسهّل وحدة المعارضة، نظراً لغياب طموح هذه الأحزاب في الترشّح، وضغطها باتجاه اختيار مرشّح موحّد للمعارضة يمكن من خلاله إحداث تغيير على مستوى هرم السلطة في المرحلة المقبلة".
ورأى ولد الشيخ سيداتي أنّ "المعارضة حقّقت مكسباً كبيراً من خلال فرض التناوب السلمي على السلطة، واحترام الدستور، وهو ما سيؤثّر على بنية النخب السلطوية، ويخفّف من الولاء الدائم، كون تأثير الرئيس- أي رئيس- أصبح ذا فترة زمنية محدودة، بفعل منع الدستور لأي شخصية التمسّك بالسلطة لأكثر من ولايتين". وأضاف أنّ "استثمار اللحظة التاريخية الجديدة في هذا الإطار، من طرف المعارضة الموريتانية، قد يساعد في تحسين نتائجها في الانتخابات الرئاسية، التي ستحمل تغييراً في هرم السلطة، وتغييراً في طريقة وصول القادة العسكريين لها، إذ يعتبر مرشح النظام محمد ولد الغزواني (في حال فاز برئاسة البلد)، أول قائد للجيش يصل إلى السلطة في موريتانيا عن طريق الانتخابات، لا عن طريق الانقلابات العسكرية التي ظلّت تسيطر على تطلعات السياسيين إلى وقت قريب، وتحدد من سيحكم البلد".