لا زالت العراقيل أمام نجاح الحوار الموريتاني بين النظام والمعارضة، تراوح مكانها، في ظلّ تفشي الخلافات بين الجانبين من جهة، وداخل أحزاب المعارضة من جهة أخرى. وعلمت "العربي الجديد"، أن "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة المعارض، يتجه لرفض الحوار مع النظام، لاعتباره أن ردّ الحكومة شفهياً على وثيقة مكتوبة يُعدّ إهانة للمنتدى". وأكدت المصادر أن "أطراف الاجتماع الأخير للمنتدى، اتفقوا على اعتبار ردّ الأغلبية الحاكمة سلبياً وغير مسؤول، وينمّ عن عدم احترام للطرف الآخر". وأشارت المصادر إلى أن "الردّ تضمّن رفضاً للنقاط الجوهرية المنصوص عنها في وثيقة الممّهدات، التي قدمتها المعارضة". وكلّف "المنتدى" لجنته السياسية المفاوضة، بإبلاغ الأغلبية الحاكمة "رفض المنتدى طريقة الردّ الحكومي، باعتبارها تُشكّل رفضاً مطلقاً للحوار".
وكان وفدا الأغلبية الحاكمة والمعارضة قد اجتمعا مطلع الشهر الحالي، ووفقاً لمحضر الاجتماع الذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، فقد ردّ وفد الأغلبية شفهياً على وثيقة "ممهّدات الحوار" التي قدمتها المعارضة له، وقسّمها إلى ثلاثة أقسام. واقترحت الأغلبية في القسم الأول ترحيل بعض البنود إلى الحوار السياسي، مثل مطلب "حلّ كتيبة الحرس الرئاسي"، أو دمجها في الجيش.
واعتبرت الأغلبية في القسم الثاني، أن إدماج المعارضين في الوظائف العمومية وتسهيل الأعمال التجارية لرجال الأعمال المعارضين، أمر مضمون من الناحية القانونية ولا حاجة لاشتراطه. وفي القسم الثالث تعهّد الوفد الحكومي بفتح وسائل الإعلام الرسمية أمام المعارضة، ومنحها فرصة مساوية لفرص أحزاب الأغلبية.
اقرأ أيضاً موريتانيا: حوار المعارضة مع النظام يهدّد وحدتها
وجاءت أولى الاتهامات من أحزاب "المعاهدة من أجل التداول السلمي" (معارضة الوسط) لـ"المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة"، بمحاولة "إقصائها من الحوار". كما احتدم الخلاف الحادّ داخل أحزاب "المنتدى" في شأن الحوار، واستبق عدد من الأحزاب موقف "المنتدى" من اللقاء الأخير، وأصدرت بيانات منفردة، اتخذت فيها مواقف متباينة من الحوار السياسي، ومن الردّ الحكومي على "وثيقة الممّهدات".
وتنشط أحزاب وقوى رئيسية في "المنتدى" في الدفع باتجاه المشاركة في الحوار، وعدم انتظار تحقيق الشروط الواردة في وثيقة "المنتدى". وعلى رأس هذه الأحزاب حزب "اتحاد قوى التقدم" (يساري) وحزب "تواصل" (التجمّع الوطني للإصلاح والتنمية ـ إخوان مسلمون)، في حين ينشط حزب "تكتل القوى الديمقراطية"، في سياق رفض الحوار الحالي. ويتمسك الحزب بـ"وثيقة الممّهدات" باعتبارها "شروطاً لا يُمكن الدخول في أي حوار سياسي مع النظام، قبل تلبيتها".
ولا تقف خلافات "منتدى المعارضة" عند "وثيقة الممّهدات"، بل تتجاوز ذلك إلى الخلاف حول تشكيلة "المنتدى" والصراع على زعامته، فقد ظهرت تشكيلة جديدة لـ"المنتدى"، من دون أن يتم تمثيل القطب النقابي فيها، نظراً للخلافات والتنافس داخله.
ويرجع عدد من المراقبين أسباب الخلاف داخل أحزاب "المنتدى" إلى اختلاف المصالح والأجندات السياسية. وهو ما أشار إليه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز ضمناً، في مقابلة أخيرة له، حين قال إنهم "في الأغلبية ينتظرون الإجراءات داخل المنتدى". في إشارة إلى التغييرات التي انتقلت بموجبها رئاسة "المنتدى" من رئيس حزب "التكتل" أحمد ولد داداه إلى جابيرا معروف. وهو ما رأى فيه بعض المراقبين سعياً من "المنتدى" إلى تقديم شخصيات وأحزاب أكثر حماسة للحوار، في مقابل تراجع تمثيل أحزاب وقوى سياسية أخرى غير متحمسة للحوار الحالي.
وفي ظلّ تفاقم خلافات المعارضة، يتوقع البعض تفكّك "المنتدى" بسبب الموقف من الحوار، إذ يرى البعض أن "أحزاباً عدة في المنتدى اتخذت قراراً داخلياً بعدم المشاركة في الحوار مع النظام، لكنها فضّلت الآن قبوله تكتيكياً فقط".
وتُفضّل أحزاب أخرى داخل "المنتدى" تبنّي موقف معارض أقل راديكالية، مثل حزب "اتحاد قوى التقدم"، الذي شهد خلافات كادت تعصف به على خلفية مقاطعته للانتخابات التشريعية 2013. ويرغب الحزب في الحوار الحالي سعياً لتعزيز مكانته وتمثيله السياسي داخل البرلمان والمجالس المحلية.
ويبقى موقف "تواصل"، أقرب إلى المشاركة في الحوار على الرغم من مشاركته في الانتخابات التشريعية. كما يرأس "مؤسسة المعارضة" حالياً، إلا أن ظروفه السياسية الخاصة والمرتبطة بالتضييق على "الإخوان" في الفترة الأخيرة (حلّ جمعية المستقبل الإسلامية في مارس/آذار 2014)، جعلته يرغب في اتخاذ مواقف معتدلة من النظام، والمراهنة على الحوار السياسي المقبل، لإخراجه من تبعات مشاركته المنفردة في الانتخابات التشريعية. وهي المشاركة التي أغضبت أحزاباً في المعارضة. كما أن الظروف التي تمرّ بها الأحزاب الإسلامية المحسوبة على "الإخوان المسلمين" في العالم العربي، جعلت "تواصل" يراهن على الحوار الحالي سعياً إلى هدنة سياسية مع النظام، تسمح له بمراكمة نجاحاته السياسية والانتخابية التي حققها فى السنوات الأخيرة.
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، قد دأب على دعوة المعارضة إلى الحوار، وأزال في إطلالاته الإعلامية الأخيرة الشكوك حول وجود خطوط حمراء في وجه الحوار. غير أن المعارضة تشكك بنواياه، وتتّهمه بأن دعواته إلى الحوار مجرد فقاعة سياسية، هدفها الهروب من الأزمات السياسية والتنموية التي تعاني منها البلاد.
ومهما يكن هدف الرئيس ولد عبد العزيز من الحوار، فإن الرجل يواجه تحدّيات، ربما جعلته يسعى إلى حوار سياسي، يُمكن أن يقود إلى هدنة سياسية مع المعارضة، تفتح له المجال لتحقيق بعض برامجه التنموية وشعاراته، التي رفعها خلال حملته الانتخابية 2014. بالإضافة إلى إبداء رغبته في فتح الطريق أمام تعديل الدستور، سعياً لولاية جديدة، مع العلم أن ولايته الحالية هي الأخيرة له، وفقاً للدستور.
اقرأ أيضاً موريتانيا: بند تمديد ولاية الرئيس يتصدّر وثيقة الحوار